أنشطة قومية

ندوة عمدة الثقافة في «القومي» تناقش «التكامل الاقتصادي في سورية الطبيعية سبيلاً إلى وحدة محصنة»

العميد كلود عطية: التساند الاقتصادي والسياسي مصلحة عليا في مواجهة التشرذم
العميد طارق الأحمد: استنهاض الأمة بالتحرك بحريّة وإقامة مشاريع البنى التحتية بين كيانات سورية الطبيعية

 

أقام المنتدى الثقافي الافتراضي الذي أطلقته عمدة الثقافة والفنون الجميلة في الحزب السوري القومي الاجتماعي، عبر تطبيق Zoom، ندوة حاضر فيها العميد طارق الأحمد بعنوان «التكامل الاقتصادي في سورية الطبيعية سبيلاً إلى وحدة محصّنة تجارب الماضي شواهد واستدلالات».
وتأتي هذه المحاضرة ضمن إطار سلسلة من الندوات الهادفة التي تخاطب عمدة الثقافة الأجيال بشكل علمي ومنهجي وتوعوي.
أدار الندوة عميد الثقافة والفنون الجميلة د. كلود عطية وقال في كلمة له:
«لطالما كان الوعي هو نقطة الارتكاز لأي عمل والمنبر الأساسي لولادة الإنسان وصقل شخصيته استعدادًا لانطلاقه في هذه الحياة سابرًا أغوارها بكلّ عزم، ثقة وإرادة.. لذلك بانعدام الوعي لا سبيل للاهتداء بنور المثل العليا بكلّ ما فيها من حقّ وخير وجمال.
فكانت النهضة السورية القومية الاجتماعية مسألة وعي قومي، أخرجتنا من حالة البلبلة والشك إلى حالة الوضوح واليقين».
وأضاف: «لطالما كانت المبادئ الأساسية والإصلاحية وحدة واحدة متكاملة تعبّر عن جوهر حقيقة الأمة السورية، فكان لا بدّ من التطرّق إلى المبدأ الإصلاحي الرابع: «إلغاء الإقطاع، وتنظيم الاقتصاد القومي على أساس الإنتاج، وإنصاف العمل، وصيانة مصلحة الأمة والدولة». فرسالة هذا الحزب ومهمته الأساسية هي رفع مستوى حياة الأمة وإصلاح حالها. ولما كان الاقتصاد هو في طليعة الأمور التي يجب إصلاحها وتنظيمها لمصلحة حياة الأمة وقضيّتها ورقيّها، فقد اقتضت البداية أن يُزال الظلم، الطّغيان والاستبداد عن أبناء الأمة السورية الذين يرزحون تحت وطأة الإقطاع».
وتابع:»فقد قال سعاده في خطابه في 9 نيسان 1947 إنّ «الحزب القومي الاجتماعي هو حزب عقيدة وحزب إصلاح وهو الحزب الذي أوجد العقيدة ومبادئ الإصلاح القومية الاجتماعية الجريئة الرامية إلى تغيير الوضع الاقتصادي الاجتماعي في البلاد».
كما أكّد في كتابه «نشوء الأمم» أن «الرابطة الاقتصادية هي الرابطة الاجتماعية الأولى في حياة الإنسان أو الأساس المادي الذي يقيم الإنسان عليه عمرانه» ولذلك «لا نستطيع أن نتصوّر مجتمعًا يقوم على غير أساس التعاون الاقتصادي لسدّ الحاجة مداورة تعويضًا عن نقص وجود المادة المحتاج إليها».
كما ذكر في مؤلفه أنّه «إذا كانت الرابطة الاقتصادية أساس الرابطة الاجتماعية البشرية، فالعمل ونظامه التعاوني مصدر نظام الاجتماع وأساس بناء المجتمع». فكان النّظام والتّعاون، في منظور سعاده، هما الأساس السليم لبناء مجتمع سليم بعيدًا عن الإجحاف والعبودية.
إلّا أنّ هذه الرابطة لا تكفي وحدها، إذ يجب أن يُبنى الاقتصاد القومي الاجتماعي لكي يكون سليمًا على أساس الإنتاج والعمل الإنتاجي، فبدونه لا يمكننا مطلقًا التفكير برفاهية الشعب. وحيث أنّ ميادين الإنتاج ليست واحدة إنّما متنوعة: من الانتاج الفكري إلى الانتاج الفني، الزراعي، الصناعي، التجاري، العلمي وغيرهم».
وختم: «من هنا نرى أنّ سعاده قد أولى الاقتصاد أهمية كبيرة نظرًا لما للتّكامل الاقتصادي من دور بارز وفعّال في نهضة هذا الأمة من خلال إزالة الحواجز والحدود الوهمية بين كيانات هذه الأمة لكي تكون بقوة إنتاجها وعظمة اقتصادها حصنًا منيعًا ضدّ أي نعرات داخلية وخارجية.. وفي هذا السياق، لا بدّ من تسليط الضوء على اقتراح حضرة الرئيس الأمين أسعد حردان الجزيل الاحترام، الذي شدّد على أهمية إنشاء مجلس تعاون مشرقي يكفل التساند الاقتصادي والسياسي، بغية شدّ أطر التّعاون وترسيخها، ممّا يحقّق المصلحة العليا المتمثلة في القضاء على حالات التشرذم، التفسّخ والبلبلة وتأمين العيش الرغيد للمواطن.
الأحمد
ثم تحدّث العميد طارق الأحمد فاستهلّ محاضرته بقول لأنطون سعاده قال فيه «إن فيكم قوة لو فعلت لغيرت وجه التاريخ» مستفيضاً في شرح معنى هذا القول الذي لا يشكل فقط معنىً أدبياً ونضالياً فاعلاً ولكن لديه معانٍ علمية وفيزيائية لا بد وأنها تذكره كما قال دوما بأقوال أنطون سعاده التي يجد فيها دوماً تماهياً مع المبادئ الفيزيائية والعلمية لكون هذه النظرية التي آمن بها وهذا الفكر قد شفى العقل ورواه بالمنطق العلمي الذي يحترم مبادئ هذا العقل كما مبادئ الكون، وبالتالي فإن الحديث عن القوة التي لو فعلت ستقودنا بالتأكيد إلى الحديث عن المبدأ الفيزيائي في القوة الكامنة التي يعادلها في اللغة كلمة «لو» بمعنى أن القوة الكامنة في الفيزياء هي قوة موجودة ولكنها غير فاعلة ومحرّرة إلا إذا تمّ فعلٌ ما من أجل تحريرها وهذا هو تماماً ما هو موجود في تعبير «لو فعلت» عند سعاده».
وتابع: «هنا نسحب هذا الأمر على خريطة أمتنا في سورية الطبيعية وعند تحرير عناصر قوتها الكامنة والنظر إلى كل هذه الخارطة نجد بأن القوى العالمية المستعمرة بعد أن انتهت من الإمبراطورية العثمانية قد خافت هي ذاتها من أن تنشأ بنتيجة اندحار الدولة العثمانية دولة موحدة في سورية الطبيعية، وبالتالي كانت مؤامرة سايكس – بيكو لتقسيم هذه الأمة إلى كيانات مجزّأة، ونحن نتحدث عن معنى التجزئة وضرره نذهب إلى الحديث بالتحديد عن الاقتصاد وعلاقته بالسياسة وعن تجارب الماضي.
فبعد الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي، ونأخذ هنا مثالين هما «الشام ولبنان»، بقي الاقتصاد في دمشق وبيروت اقتصاداً واحداً ينظمه ما سمي الاتحاد الجمركي الذي بقي العمل به بين سورية ولبنان، وحتى أن العملة حتى عام 1950 كانت عملة واحدة يصدرها المصرف السوري لسوريا ولبنان ومقره باريس.
لكن وبنتيجة الحكومات التي بدأت بسياسات متباينة بين دمشق وبيروت فقد بدأت الشكوى بين حكومة «خالد العضم» في دمشق وحكومة «رياض الصلح» في بيروت، وبنتيجة ذلك وللتاريخ فقد أرسل «خالد العضم» إلى الحكومة اللبنانية رسالة يخيّرها إما بالعودة إلى الوحدة الاقتصادية بين البلدين، أو «ونظراً لشكاوى رجال الاعمال الشاميين» سيذهب إلى حلّ الاتحاد الجمركي بين سورية ولبنان، ومع الأسف فإن ما حدث هو ليس الذهاب إلى إقامة وحدة اقتصادية بين سورية ولبنان، وإنما ما حصل هو أن خالد العضم أصدر قراره بفك الاتحاد الجمركي بين البلدين، ثمّ تمّت طباعة أول عملة سورية مستقلة عام 1953».
واردف: «الأحداث التاريخية بدأت تراجيديا وأصبحت أكثر هزلاً بقرار من حكومات البلدين وبسبب التناحر الصغير بين مصالح فئوية صغيرة على حساب مصلحة الأمة العامة، ولم يزل الهزل قائماً. وهذا ما نشاهده كل يوم على الحدود المصطنعة بين سورية ولبنان ويعاني منه كل مسافر عبر هذه الحدود».
وقال: «منذ مئة عام كان القطار البخاري ينطلق من دمشق إلى بيروت مخترقاً الحدود بسهولة يشعر بها المسافر، أما الآن ومع كل عصر السرعة والاتصالات الحديثة فإن السفر بين دمشق وبيروت قد غدا بالنسبة للناس أشبه بمعجزة وأصبح الإذلال على الحدود هو سمة هذه الحالة بالاتجاهين، بالإضافة إلى الشروط والطلبات التي تطلبها السلطات هنا أو هناك، وكأن هذا المواطن يسافر إلى قارة أخرى، وأمتنا هي التي تدفع الضريبة الكبرى نتيجة هذه الحدود المصطنعة».
وأردف في ما يتصل بتأثير كل ذلك على الاقتصاد: «هنا نعود إلى عناصر القوة الكامنة في هذه الأمة التي لا تحتاج إلا إلى تحرير، فمن صناعة حرير البروكار في دمشق إلى الموزاييك وصناعة الصابون في حلب والحلويات وقمر الدين والصناعات المتميّزة والآثار الطبيعية وكل تلك المنتجات الهائلة حتى غدت حلب إحدى أهم الحواضر الصناعية في العالم عام 2010 والتي كانت تحتوي على أكثر من 40 ألف منشأة صناعية وتفوّقت بصناعة الأنسجة حتى على الدولة العظمى في الاقتصاد «الصين»، كل ذلك وإذا أخذنا الميزات الهائلة في الساحل السوري بدءاً من صور وصيدا وبيروت وطرابلس إلى طرطوس واللاذقية وأنطاكية ثم إلى ساحلنا المحتل في حيفا وعكا ويافا، كل هذا الساحل يمتاز بسمات مشتركة ولنعلم بأن لبنان مثلاً لديه سمات مهمة في الاقتصاد وفي طبيعة السكان.
ولكن لنحلل ما الذي حدث به، فبعد التقسيم ولنستعر الأرقام والرؤى التي يضعها من نسميهم «الانعزاليين» أو الذين يدافعون عن نهائية الكيان، فبالأرقام عدد سكان لبنان 6.7 مليون نسمة، ولكن هناك أرقام تتحدث بأن عدد المهاجرين خارج لبنان في كل أنحاء العالم يبلغون بين 15 و25 مليون نسمة وهنا يتم الحديث عن الهجرة القديمة والهجرة الحديثة.
لذا يجب التوجه نحو الحد من الهجرة الى الخارج وإقامة مشاريع البنى التحتية بين كيانات سورية الطبيعية وهذا ما سوف يقود إلى تكامل اقتصادي يقود بدوره بالمستقبل إلى وحدة محصنة».
وتابع: «هنا نقول بالمبدأ الأساسي الذي قام عليه الحزب السوري القومي الاجتماعي وطرح فيه الوحدة بين كيانات سورية الطبيعية أو التكامل الاقتصادي بين الكيانات، وإذا طبقنا المبدأ الإصلاحي الرابع للحزب الذي يتحدث عن إلغاء الاقطاع وتنظيم الاقتصاد القومي على أساس الإنتاج وإنصاف العمل وصيانة مصلحة الأمة والدولة، واستخرجنا من هذه الرؤى رؤية جديدة وعصرية، فإننا نقول على صعيد الفرد «وأتحدث من تجربة شخصية لي في العراق» فإن المنطقة الشرقية من أمتنا لا تحتوي السمات نفسها في المنطقة الغربية منها أي أنها مختلفة عنها ويمكن أن نقول بأنهما يشكلان تكاملاً هائلاً وهذه هي نقطة القوة الكبرى، بمعنى أن أي شخص لديه خبرة حتى لو لم يمتلك رأس المال وهو آتٍ من بيروت أو زحلة أو طرابلس أو طرطوس يستطيع أن يسافر إلى بغداد أو الحلة أو بابل أو كربلاء أو السليمانية أو البصرة أو دير الزور ويصبح شريكاً لأحد سكان تلك المناطق لإقامة فندق أو منشأة سياحية أو مطعم أو مصنع أو أي شيء، وذلك بخبرته المتراكمة. وهذا ما شاهدته بنفسي في شواهد عديدة ولا نحتاج هنا سوى للسماح للأفراد بالانتقال والتكامل الاقتصادي وعدم وجود كل تلك القيود وكل ذلك المنع بين أبناء الأمة الواحدة. وبالتالي أعتقد بأن هنا المشكلة وهنا الحل في الوقت نفسه، ولكن مع اختلاف النظرة، ففي التاريخ عندما كانت العلاقات تسوء بين دمشق وعمان أو بين بغداد ودمشق، كانت تغلق الحدود على جميع مصالح البشر وحتى الأقرباء في حوران الواحدة بين إربد ودرعا يتوقفون عن زيارة بعضهم بعضاً لأن الحدود قد أغلقت، وبالتالي هذه كلها ضريبة تدفعها أمتنا نتيجة هذه الحدود المصطنعة وهنا نستخلص نتيجة أساسية وهي أن الحل يكمن في الانتقال الداخلي بين كيانات الأمة بدلاً عن الهجرة إلى الخارج».
وأردف: «إن التكامل الاقتصادي بين الكيانات يعني مشاريع بنى تحتية كبرى من سكك حديدية وطرق دولية كبيرة هو كفيل وحده بربط بيروت بدمشق ببغداد وصولاً إلى طهران فبكين فموسكو ومن ثم كل العالم، وعندما تربط هذه العواصم ببعضها بشبكة من الطرق وسكك الحديد وبالتالي المطارات والمرافئ، لا يعود هناك أي إمكانية للمناحرات الصغيرة لبعض القوى أو الأحزاب أو التيارات الانعزالية أو لبعض موظفي الحكومات لكي يطبقوا معايير خاصة انعزالية على مصالح الدول، ذلك لأن مصالح الشركات الكبرى التي ستنشأ والأعداد الكبيرة من الأفراد الذين يتنقلون وحجم البضائع التي ستنتقل ستكون أكبر من قدرة هؤلاء على تعطيلها، وبالتالي هذا حتماً سيقود إلى وحدة محصنة من خلال التكامل الاقتصادي الذي بدأنا به».
وختم: «هنا نلخص بأننا عرضنا في هذه المحاضرة شقين أساسيين، الشق الأول يتعلق بالأفراد، وهو بأن قدرة الأفراد الذين يعيشون في أمتنا على إعادة استنهاض الأمة يتمّ تفعيلها من خلال السماح لهم بالتحرك بين كل الكيانات بحرية، والشق الثاني هو التوجه نحو إقامة مشاريع البنى التحتية بين كيانات سورية الطبيعية، وهذا ما سوف يقود إلى تكامل اقتصادي يقود بدوره بالمستقبل إلى وحدة محصنة وهذا هو الطريق والسبيل».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى