أولى

يا أفشل الحكام: لزّموا لبنان لشركة عالمية تديره!

‭}‬ د. عدنان منصور*
كم يبدو الوطن صغيراً بنظر الغير، عندما يحكمه أشباه رجال، يعجزون في كلّ صغيرة وكبيرة، أن يكون لهم القرار الوطني السيادي الحاسم، الذي يحفظ ماء وجوههم، وذرة من «كرامتهم» قبل أن يحفظوا كرامة وطن وشعب على السواء.
طواويس على كراسيهم، طواغيت على شعبهم، أذلاء أمام «أجاويد» الخارج. يستجدون منهم دعماً، ووساطة، ومساعدة، وهبة، وقرضاً من هنا وهناك، وهم لا حياء لهم، ولا إحساس يثيرهم، ولا ضمير يوخزهم.
بلد كنا ننبّه ونحذر منذ سنوات، أنه بدأ يتحلّل، علّ «الغيارى» من مرابي الهيكل المتاجرين بالشعب والوطن، وآكلي لحمه، وطاحني عظامه، يدبّ فيهم الحسّ الوطني ولو لمرة واحدة، للكفّ عن أنانيتهم، وشهيتهم وشهوتهم للسلطة، والمال والثروة، ليعملوا على إنقاذ ما تبقى إنقاذه حتى لا ينهار الهيكل على رؤؤس الجميع.
نظام مهترئ، وشعب مسحوق يعيشان في فراغ رئاسي وحكومي، فراغ قضائي وإداري، فراغ مؤسسي واجتماعي، فراغ تربويّ وأخلاقي، فيما تحالف تجار الهيكل وشبكة المصارف، ومتسلّقي السلطة، ومدمّري البلد يستجدون قراراً من الخارج، يحظى بموافقته ورضاه، إذ دون ذلك، سيبقى متسوّلو المناصب والزعامة، وعجزة الحكم والسياسة على لائحة الانتظار، حتى وإنْ كان انتظارهم الذي أدمنوا عليه، يأتي على حساب سمعة بلد، وكرامة شعب ومستقبل وطن.
متى يستفيق النيام لينتفضوا في وجه تماسيح لبنان ومفترسيه؟! ألا يكفي قتلة الوطن ما فعلوه بحق شعبه، وما ارتكبوه من جرائم مالية أدّت الى إفلاسه وإفقاره، فيما هم الآن يضعونه في دوامة انتخاب الرئيس، وتشكيل حكومة جديدة «بدلاً عن ضائع» الى أن يقضي المندوب السامي وأوصياء الخارج أمراً كان مقضياً.
إذا كان متسوّلو ومتوسّلو الحلول السياسية من أولياء القرار، بسياساتهم الفاضحة، وأدائهم الفاسد في إدارة البلاد، لا يخجلون من العالم، فكيف سيخجلون من شعبهم، وقد سقطت عنهم ورقة التوت بالكامل منذ سنوات!
لقد حكمتم لعقود وطناً، وكنتم أسوأ بني البشر بوعودكم الكاذبة التي لم تفارقكم يوماً، وفشلتم في إدارته، ودمرتموه، ونهبتموه، وسرقتموه، وجعلتم سمعته في الحضيض، بعد أن تحلل وانهار، وحركتم فيه العنصرية والعصبية، والحقد، والكراهية، وفككتم مجتمعه، حتى انحدرت أخلاقه، وتفاقمت جرائمه، وتمادى تمرّده، وفسدت مؤسساته، فكنتم المافيا التي استباحت وفتكت بكلّ شيء.
تعجزون عن انتخاب رئيس، وتعجزون عن تأليف حكومة، وتعجزون عن إجراء تشكيلات إدارية وعسكرية ودبلوماسية، وأمنية،
وتعجزون عن إدارة مرافق الدولة، وتعجزون عن تأمين الخدمات الحيوية، وتعجزون عن التملص من «الكابوس» الجاثم على صدر المصرف المركزي، لا تعرفون ما أنتم فاعلون معه، خوفاً مما ينتظركم من مفاجآت. وما تقرير «ألفاريز» المودَع في الدرج، إلا ليكشف عدم جرأتكم في كشف المستور فيه، لأنه يكشف حقيقتكم وألاعيبكم.
ما دمتم عاجزين عن إدارة وطن، والحفاظ على كرامة شعب، إلا في جمع ثرواتكم، وتراكم أموالكم، لم يعد أمام هذا الوطن من حلّ، إلا أن تلزّموه لشركة عالمية موثوقة، تديره بكلّ جدارة ونزاهة. فهي بكلّ تأكيد لن تنهبه مثلما فعلتم، ولن تسرق أموال الشعب كما سرقتموها، ولن تتباطأ في تنفيذ المشاريع التنموية، والخدمية، والصحية مثلما تباطأتم، وشاركتم القاصي والداني في هدر المال العام، وفي التلزيمات، والتنفيعات.
لزّموا الوطن ولو لسنوات قليلة، لشركة عالمية معروفة بشفافيتها، على خلاف «شفافيتكم»، و»نزاهتكم»، حينها سترون كيف أنها ستغيّر وجه لبنان للأحسن، بعد أن اخذتموه للأسوأ.
لن يعود هناك بعد ذلك من حاجة لوعودكم الكاذبة، ولا لمشاريع كهربائكم الوهمية، وشبكة اتصالاتكم العفنة، ولا لنفاياتكم، ومياهكم الملوّثة، ومطامركم، ومقالعكم، ومنتجعاتكم، وصفقاتكم، وعمولاتكم، وفضائحكم، ولا حاجة لاجترار تصريحاتكم «الغيورة» على الحرية، والسيادة الوطنية، ووحدة الشعب!
متى صان لصوص الهيكل معبداً! ومتى بنى تجار السياسة وطناً، ومتى توقف يوماً مقاولو النظام والحكم عن المقامرة بالوطن والمتاجرة بالشعب معاً؟!
ما يريده اللبنانيون الشرفاء من مدمّري الوطن، هو أن يرحلوا، دون أسف عليهم، بعد كلّ الذي ارتكبوه بحقه من سياسات قاتلة.
هل يظنّ متربعون على كراسي الوطن، أنّ زعماء ومسؤولي دول الخارج الذين يلتقونهم، ويتابعون «نشاطهم»، وسيرتهم «العطرة»، يكنون لهم ذرة من الاحترام أو الاعتبار! هل يعلمون ما يقولونه عنهم في السر وبين الخاصة؟!
كم هو مؤلم ما ينعتونهم به من عبارات لا تنعت بها أجناس من غير البشر.
هل سمع «رجال» الدولة، وسياسيّوها وهم في حضور سفيرة فرنسا Anne Grillo آن غريو، ما قالته في خطابها الوداعي، «اني في الأيام الأولى لوصولي الى بيروت اكتشفت حينئذ دولة غائبة، وهي كانت غائبة ولا تزال»!
كم هو مؤلم ومرّ هذا الكلام، وإنْ كان هو الحقيقة! كلام جاء أثناء حضور «رجال» دولة في احتفال رسمي، تصف دولتهم، سفيرة انتهت مهمتها، على أنها دولة غائبة!
لقد فرغت غريو ما في جعبتها، من مواقف تجاوز بعضها الأصول والضوابط، والأعراف الدبلوماسية، واللياقات، وهي تعرف مسبقاً، انّ ما ستقوله من كلام موجه إلى ثلة من ممثلي الدولة، والزعماء والأحزاب، والسياسيين، والفعاليات، وهم يستمعون إليها، سيكون دون جدوى وإنْ كان جارحاً لهم، طالما أنّ كلامها بحقهم، ينطبق عليهم قول المتنبي:
من يهن يسهل الهوان عليه
ما لجرح بميّت إيلام
عبارة الأديب والفيلسوف أمين الريحاني الشهيرة: «قل كلمتك وامش» قالتها سفيرة فرنسا آن غريو ومشت، دون أن تكترث لأيّ ردّ فعل قد يحصل على خطابها. بل على العكس وجدت تصفيقاً حاراً عند الانتهاء منه، وكأنّ الحاضرين على رؤوسهم الطير، غير معنيين بانتقاداتها لهم.
كانت غريو في خطابها الوداعي، كالمعلم الذي يقيّم تلاميذه في نهاية السنة الدراسية. فجاءت بدورها تقيّم الوضع اللبناني، وأداء الزعماء والمسؤولين، وتضع النقاط على الحروف حيال ما فعلوه وما لم يفعلوه في «دولتهم الغائبة»!
لقد انهار سقف الوطن بالكامل على أيدي تجار الهيكل ومرابيه، ولم يبق من جدرانه سوى حائط للذكرى، لا بدّ من أن يحفر عليه يوماً بالخطوط العريضة أسماء تجار سياسة انتهكوا كرامة وطن وعزة شعب في وضح النهار.
ما دمتم أفشل الحكام وأسوأهم، أنقذوا لبنان وشعبه ولو لمرة واحدة، ولزموه لشركة عالمية ذات صدقية، فعلى الأقلّ تبقى أجدر، وأصدق، وأكفأ، وأنزه، وأشرف، وأكثر غيرة وإحساساً على الوطن، من زعماء، ومسؤولين، وسياسيين فاشلين، فاسدين، مفسدين، هم العلة في انهيار وطن، وتحلل دولة، وإذلال شعب كريم.
*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى