أولى

طلال سلمان: الغائب الحاضر

‭}‬ بشارة مرهج*
أواخر شهر تشرين الأول عام 1977 تلقيت مكالمة من رئيس تحرير جريدة «السفير» الصديق طلال سلمان يدعوني فيها للاجتماع معه للبحث في أمر مهم. ثالثنا في الاجتماع كان الأخ والرفيق معن بشور. أما البند الوحيد في جدول أعمال الاجتماع فكان موضوع أحمد بن بلا الرئيس الجزائري السابق الذي كان قيد الإقامة الجبرية.
مجرد ما طرح مؤسس «السفير» الموضوع حتى اتفقنا على إطلاق حملة إعلامية – سياسية تسهم في الإفراج عن بن بلا الذي طال غيابه عن المسرح السياسي وهو الرئيس الجزائري الذي لعب دوراً أساسياً في إطلاق وقيادة ثورة الشعب الجزائري المناضل ضدّ الاستعمار الفرنسي.
كذلك تمّ الاتفاق بيننا على تجنب أيّ تعرّض للحكم الجزائري والرئيس هواري بومدين الذي وقف موقفاً مشرّفاً الى جانب مصر وسورية في حرب تشرين ضدّ الاحتلال الصهيوني.
بعدما اتفقنا على برنامج للعمل، محدّد وبسيط، طلب مني الأخ طلال كتابة مقالة تفتتح الحملة وتبيّن بوضوح لماذا نطالب من بيروت بالحرية لشخصية جزائرية بارزة معروفة بوطنيتها وعروبتها وجرأتها وتواضعها.
في 29/10/1977 صدرت «السفير» وعلى صفحتها الأولى الافتتاحية التي اتفقنا عليها بعنوان «أحمد بن بلا… هو الإنسان العربي». طبعاً لم تشعل المقالة الساحة السياسية العربية لكنها حركت قليلاً المستنقع الذي كانت الأنظمة السياسية تقبع فيه، وذكّرت بقيمة الديمقراطية وأهمية تنقية الأجواء داخل كلّ قطر عربي بما يعزز الجبهة العربية المستهدفة من الاحتلال الصهيوني وأعوانه في العالم.
كان طلال سلمان يعرف أنّ الأنظمة العربية لا تستسيغ اللغة التي تتكلم بها «السفير»، لكنه كان يعلم أيضاً انّ رسالة الصحافة لا تقتصر على نقل الخبر وتحليله، وإنما تتعدّى ذلك الى الالتزام بقيَم ومبادئ ينبغي الدفاع عنها مهما كانت التضحيات.
كان طلال سلمان قلماً لبنانياً تقدّمياً مثلما كان قلماً عربياً عصرياً يترجم بالكلمة المضيئة تطلعات اللبنانيين والعرب نحو الوحدة والتقدم وفلسطين التي تتلخص فيها كلّ القضايا السامية.
ورغم احتجاب «السفير» اضطراراً بداية عام 2017 بقي قلم الراحل العزيز بنبض بالحياة فكان كلما تقدّم به العمر يزداد إشراقاً وإنتاجاً، إذ كان يدرك انّ الحياة حركة تتجدّد كلما بزغت الشمس من وراء السحب، وإن الأعمار، قصرت أم طالت، لا تتسع لخفقات قلب تحركه دمعة طفل يسأل نفس السؤال منذ النكبة.
طلال سلمان صعب أن نفيك حقك، فالكلمات غزيرة كالمطر، أما الصفحات فمحدودة كالخبز على طاولات الفقراء الذين كنت لهم على الدوام غيثاً منهمراً.
*نائب ووزير سابق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى