أولى

دول عربية بلا حكومات… إلى متى؟!

د. جمال زهران*

 

واقع مرير تعيشه غالبية الشعوب العربية التي دمّرت بناءها النفسي، تلك الحروب ومشروعات التفتيت والدفع بالإرهابيين من مختلف صنوف البشر في كلّ أنحاء العالم ليكونوا وقوداً لتدمير الدولة الوطنية المتماسكة في المنطقة العربية، وتدمير شعوبها، والعودة بها إلى بدايات التاريخ والحيلولة دون التقدّم. حتى الدول التي لا تواجه الحروب، فإنّ حكامها يخضعون لضغوط أميركا وأوروبا الاستعماريين وفي أيديهم آليات التخريب والإجبار باتباع سياسات تضرّ عمداً بالشعوب، وهي البنك الدولي وصندوق النقد؛ الأمر الذي يفرض استمرار سياسات التبعية للغرب، وإجهاض المشروع الوطني المستقلّ، لتضيع على الشعوب العربية، الفرصة في أن يلحقوا بركب الحضارة واستعادة أمجاد المكانة التاريخية. فهنا في منطقتنا العربية.. صُنعت الحضارة وتأسّست على قواعد التقدّم الإنساني، لتأتي حشود الاستعماريين لإظلام هذه المنطقة، والعودة بها إلى التخلف الحضاري، وكأنّ المنطقة وشعوبها لم يكونوا سوى هنود حمر، لا علاقة لهم بالحضارة الانسانية، ويتنكّرون لما أحرزته من إضافات إنسانية كبرى وفي كل المجالات. ومن أسف أنه كلما أتى حكام أقوياء يمتلكون القدرة على إحداث التقدّم وسدّ فجوة التخلف، لتحقيق النهضة للمنطقة وشعوبها، والدفع بها إلى طريق الوحدة على خلفية القومية العربية، إلا وتأتي جحافل الظلم والاستعباد وغرور القوة، لكي يقضوا على الحلم تدريجياً، لتعود دول المنطقة وشعوبها إلى البدايات مرة أخرى. (نموذج جمال عبد الناصرهو الأوضح في الأعوام السبعين الأخيرة). ومن أسف أيضاً أن يُستخدَم وقوداً لإشعال الحروب ونشر الفتن، جزء من أهل المنطقة، حباهم الله بثروات تكفي للشعوب العربية آلاف السنين المقبلة، لتوظيف هذه الثروات في تدمير بعضهم البعض، والمشاركة بالأموال والإرهابيّين في تدمير دول عربية، والأصل أنها شقيقة، وأنها جزء من قومية واحدة. هكذا الحال الذي وصلنا إليه في منطقتنا العربية، حيث أصبحت بلادنا مستباحة أمام الاستعماريين الأوغاد، مدعومين من دول الرجعية العربية التي هي أشدّ قسوة وخيانة من الصهاينة، كما قال عبد الناصر يوماً ما.. في تحديده للأعداء السياسيين للأمة، حيث حدّدهم بوضوح في: (الاستعمار الغربي، والصهيونية، والرجعية العربية). ولذلك ليس مستغربا أن يكون هناك ما يمكن أن نسمّيه بـ (العرب الصهاينة)!

هل يمكن أن نعيش هذا الوقت، لنرى ثلاث دول عربية بلا حكومات، وتقودها حكومات مؤقتة لتسيير الأعمال، بلا سلطات حقيقية وهذه الدول هي: لبنان والعراق والجزائر؟! فكيف يمكن تسيير مصالح الشعب في هذه البلدان؟! وكيف لا يتحرك السياسيون الموجودون في المشهد لتشكيل حكومات جديدة، تتبنّى سياسات معاكسة لما هو قائم من أجل تحقيق مصالح الشعب التي انهارت وتدهورت بسبب هؤلاء السياسيين؟! ومتى يتمّ تغليب المصالح العامة وهي مصالح الغالبية من الشعب، على المصالح الخاصة؟! إنّ في ذلك تقع المشكلة والتي تتدحرج لتصير أزمة.

فكيف يسمح السياسيون (الطبقة الحاكمة) في لبنان، أن تتدهور عملتهم الوطنية، وعدد محدود قد نهب أموال الشعب؟! هل معقول أن يصبح الدولار بما يتجاوز الـ (2000) ليرة لبنانية، والبلد مَدين بـ (100) مليار دولار، والبلد صغير ولا يتعدّى عدد سكانه (5) ملايين؟! أفيقوا أيها السياسيون قبل فوات الأوان، وتعلموا من الحراك الثالث وأظنّ أنه الأخير، وراجعوا مواقفكم وسياساتكم، وكفى تهريجاً، فالشعوب لا ترحم، والتاريخ إما أن يضعكم في المزبلة (سلة الزبالة)، أو يضعكم تيجاناً فوق الرؤوس، ولكم الاختيار.

كما أنّ الشعب في سورية وفي اليمن وليبيا، يعاني من مشاكل ضخمة وبلا حدود. وتدهورت العملات الوطنية في ظلّ مؤامرات إقليمية ودولية تحمل رائحة الخيانة، وبشكل غير مسبوق، الأمر الذي أسهم في تدهور مستويات المعيشة في هذه البلدان بشكل صارخ.

السبب الرئيسي لمعاناة سورية اقتصادياً هو الحصار والعقوبات الظالمة من جهة وسرقة النفط من جهة ثانية والتخريب الكبير الذي دمّر المنشآت الاقتصادية والبنى التحتية، فبقاء سورية واقفة هو معجزة، كيف وانّ الدولة لا تزال تغطي فارق الدعم في أسعار الغاز والمازوت والخبز والكهرباء وتنفق عليها ربع الموازنة العامة.

الشعب السوري الذي لم يترك بلاده، وقدّم الشهداء، يحتاج إلى رعاية خاصة وجراحة نفسية كبيرة أشاركهم فيها بكلّ ما أستطيع. فهم شركاء الجمهورية العربية المتحدة ويمثلون الإقليم الشمالي، وبقدر ما أدافع عن الشعب المصري.. أدافع عن الشعب السوري، وبقدر ما أدافع عن الشعب العربي في حقه أن يعيش حياة كريمة ومستقرة، وكفى دماراً وخراباًوالله الشاهد.

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العربي والاسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى