القنبلة الديموغرافية
مثلما ينظر كيان الاحتلال بعين الريبة لاختلال عدد السكان في فلسطين التاريخية لصالح الفلسطينيين العرب، تنظر أوروبا بعين القلق لكل ما يمكن أن يؤدي إلى زيادة الكثافة السكانية للمسلمين في بلدانها، ويختص بذلك بصورة مباشرة الثلاثي الكاثوليكي البروتستانتي، فرنسا وألمانيا وبريطانيا، ومن حولهم بلجيكا وسويسرا وهولندا، وبدرجة أقل إسبانيا وإيطاليا. وليس خافياً أن السياسات الأوروبية الحذرة في التعامل مع طلب تركيا العضو في حلف الناتو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، تنبع من هذا الاعتبار، ومثلها سياسات الهجرة التي تحكم السياسات الأوروبية في التعامل مع دول الشمال الأفريقي.
مع التخطيط للحرب على سورية، وقد كانت ما تعرف بأوروبا القديمة شريكاً مباشراً فيها، أي الثلاثي الفرنسي الألماني البريطاني، لم يكن في الحساب خطر تدفق ملايين السوريين نحو أوروبا. وعندما بدأ النزوح السوري بتشجيع وتمويل المشاركين في الحرب، كانت القناعة أن جدران الحماية الأوروبية متاحة في كل من لبنان وتركيا.
انتبهت تركيا في مفاوضاتها مع أوروبا على الكثير من الملفات إلى كيفية استخدام فوبيا النزوح السوري أوروبياً، وقبضت ثمن ذلك مليارات من الدولارات، متكرّرة لعدة سنوات، ونجحت أوروبا بجعل لبنان نقطة ضعف تستثمرها لاحتواء موجات النزوح، باستغلال ضعف قيادته السياسيّة وعجزها.
قبل أيام قال وزير الداخلية القبرصي إن الجدار اللبناني يوشك أن ينهار، فلبنان بلا جاذبية اقتصادية للعيش، والأوهام المبالغ بها عن أدوار أمنية وسياسية ترتبط بالنزوح الى لبنان لا تطمئن الأوروبيين، الذين يعلمون أن وجهة هؤلاء الفعلية هي أوروبا.
يكفي أن يكرر لبنان ما فعله الأتراك بفتح طريق البحر لمن يرغب، كما قال المسؤولون مؤخراً، حتى تتغير المواقف الأوروبية. وكلام الملك الأردني من نيويورك يؤكد أن أزمة النزوح بلغت ذروة الانفجار، وأن الطريق الوحيد لتدارك خطر القنبلة الديموغرافية، هو التأقلم مع الوضع القائم في سورية، القادر إذا رفعت العقوبات وتركت موارد النفط والغاز للدولة السورية، وتم تسديد الدعم المخصص للنازحين إليهم بصفتهم عائدين في بلادهم، على استعادة اللاجئين السوريين وضمان وقف التدفق الذي يهدّد بانفجار في لبنان والأردن، وانهيار جدار الحماية الأوروبي بوجه ملايين السوريين.
التعليق السياسي