الوطن

«الأيقونة» حكاية مجد وأمل في عيون القابضين على الجمر زمن سناء محيدلي هو التاريخ والحاضر والآتي من الأيام

‭}‬ عبير حمدان
أن نكتب عن الشهيدة سناء محيدلي في ذلك تعبّد مسؤول ولغة تتخطى قواعد الضاد، لغة من نور لا يدركها إلا أبناء الأرض الاحرار على امتداد الأمة الولاّدة والزاخرة بمحطات العزّ…
زمن سناء الذي علّمنا كيف نقرأ بين سطور الحياة مفهوم الوعي والصمود، نبضها الذي تماهى مع الأديم وبات ألقاً مشعّاً وثبات عقيدتها المتجذرة في الوجدان لتؤكد على صوابية الجغرافيا الطبيعية لبلادنا الخصبة والعصية والقادرة على المواجهة…
زمن سناء الذي لم ولن يتبدّل مهما عتت الريح وتصاعدت الويلات، زمن سناء هو التاريخ والحاضر والآتي من الأيام، وهو الحرف والقلم والحبر الممتزج بالتبر المقاوم والنص الذي لا يموت، بل يحيا بأجيال النهضة والحق ومبدأ القول والفعل والنصر.
«الأيقونة» ليس مجرد كتاب توثيقي لسيرة «عروس» التحمت مع السماء إنما هو تأكيد على ثقافة التضحية في سبيل الحرية، وصون للكرامة الرافضة للذل.
وسناء «الأيقونة» حكاية مجد تمتدّ، لا بل هي واقع قائم، هي الأمل في عيون المبعدين قسراً عن مدنهم القابضين على الجمر والمحتفظين بمفاتيح بيوتهم واثقين من عوّدتهم ليستردّوا ما كان وسيبقى لهم.
أن نكتب عن سناء، ذاك فخر نسعى بلوغه، وتأكيد على حتمية الصراع الوجودي في سبيل التحرير الكامل.

يقدّم الحزب السوري القومي الاجتماعي اليوم كتاب «الأيقونة» البطلة الاستشهادية سناء محيدلي الصادر عن مكتب رئاسة الحزب إلى الأجيال الساعية نحو النصر والباحثة عن الحقيقة المتمثلة بمفهوم النضال والوعي والمعرفة في مواجهة العدو حتى بلوغ النصر.
«كان معبر باتر ـ جزين أحد المعالم الملطّخة برجس الاحتلال «الاسرائيلي» الرابض على صدر شعبنا، لكن إبنة عنقون الأبية، البطلة سناء محيدلي، حوّلت ذلك المعلم الملطخ بعار الاحتلال إلى موقعٍ ناصعٍ من مواقع الشرف الوطني بل إلى أيقونة ريادية من أيقونات المقاومة المرصّعة بألوان الوديعة الأغلى، وديعة الدم الأقوى من الحرف، والأمضى من السيف، والأبلغ من الخّطب اللفظية وبيانات الشجب والاستنكار»، هكذا استهلّ رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الأمين أسعد حردان مقدمة كتاب «الأيقونة»، وهو الأعلم بتفاصيل تلك المرحلة التي أسّست للمزيد من المقاومة والقرارات التاريخية فكان قرار سناء وفق تعبيره «القرار التاريخي الذي يؤكد على ثقافة الممكن الكاسرة لثقافة المستحيل، فكان فداؤها السبّاق الذي أخجل قعود بعضهم عن خوض الميدان، ومن بعدها انطلقت العمليات الاستشهادية البطولية…»
وفي التقديم أيضاً تأكيد على «أنّ هذا الكتاب هو بعض من وفاء شعبنا وحزبة السوري القومي الاجتماعي لشهادة العطاء الأسخى، عطاء الدم، ووفاء لقيمة الشهادة بشكل عام ولشهادة سناء محيدلي بشكل خاص، باعتبارها شهيدة طليعية في ملحمة الحياة الجديدة التي وضع الزعيم النهضوي أنطون سعاده قاموس التزامها النضالي والفكري والمناقبي».
يتضمّن الكتاب نصوصا كتبت عن «عروس الجنوب» بعد عمليتها الاستشهادية الناجحة، وكيفية تفاعل الإعلام العربي والعالمي مع فعلها المقاوم بالاضافة الى التغطية التي واكبت المهرجان الحزبي التاريخي الذي أقامه الحزب القومي في سن الفيل عام 1998، ووقائع الاحتفال بعودة رفاتها من فلسطين المحتلة الى بيروت ثم الى بلدتها الجنوبية…
الكلمة الفصل عربياً وعالمياً
سناء المزروعة في تراب الجنوب كما أتى في كلمتها المتلفزة قبيل ذهابها الى مستقبل أكبر وسعادة لا توصف، والتي أوصت فيها كلّ من عرفها وسيعرفها أن لا يبكيها بل يسمّيها «عروس الجنوب» وهي العروس التي طوّعت الخبر في الصحف العربية والغربية لا بل كانت المقال والكلمة الفصل.
الصحف السورية نشرت أنباء العملية على صفحاتها الأولى وخصصت لها المقالات والقصائد، وتصدّرت صور سناء وذويها الصفحة الأولى لجريدة «الشرق الأوسط» الصادرة في لندن وبتاريخ 11/1/1985 على أربعة أعمدة «عملية بطولية لفتاة في ربيعها السادس عشر عروس الجنوب «تفجر قافلة اسرائيلية وسقوط 50 قتيلاً وجريحاً من الضباط والجنود».
أما جريدة «الاتحاد» الإماراتية أوردت النبأ بتاريخ 10/4/1985 على عمودين بعنوان «صبية لبنانية تقوم بعملية استشهادية، مصرع وإصابة 50 جندياً اسرائيليا»، وبتاريخ 11/4/ 1985 كتبت «الاتحاد الاسبوعي» «الشهيدة سناء: فلتفرحوا يوم مماتي كما لو كان يوم زفافي».
سناء كانت حبر الصحف على امتداد الوطن العربي من بلادها سورية الى مصر واليمن والخليج العربي، وصورتها تصدّرت كذلك الصحافة العالمية وكتبت «ديلي أكسبرس» البريطانية «انّ الشهيدة قامت بعمل بطولي على الرغم من حداثة سنها..» أما صحيفة «التايمز» البريطانية فقالت «إنّ العمل الذي قامت به سناء محيدلي هو عمر جريء وكبير».
وحضرت عملية سناء في وسائل الإعلام الفرنسية وتصدّرت صورتها صحيفتا «لوماتان» و»ولوفيغارو».
الى جانب الاعلام المكتوب كانت العملية البطولية للاستشهادية سناء محيدلي مادة أساسية لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة محلياً وعربياً وهذا ما يوثقه كتاب «الأيقونة» بالتواريخ بحيث يثبت أنّ أهمية الإعلام تكمن بالمصداقية مما يحتم على كلّ من يمتهنه اعتمادها ليصون حريته وقضاياه.
الخندق واحد والعدو واحد
والمصير واحد…
بين دفتي الكتاب أيضاً كلمات قالها قادة وشخصيات سياسية وحزبية لسناء «الأيقونة» وتحية لها من الجمهورية العربية السورية، حيث قال الرئيس حافظ الأسد في خطاب له في مهرجان شبية الثورة (16/4/1985): «بوركت جماهير المقاومة اللبنانية البطلة ولترتفع راية الشهداء من أمثال الشيخ راغب حرب ونزيه قبرصلي ووجدي الصايغ وعائدة نصرالله وبلال فحص وعبدالله الجيزي وحسن درويش وغيرهم كثيرون، وأخيراً وليس آخراً الشهيدة البطلة سناء محيدلي التي كانت في فرح عسر قبل استشهادها بأيام وكانت على عجلة من أمرها وكانت تستعجل يوم زفافها مع الشهادة الى أن كان هذا اليوم يوم الزفاف المجيد. أيها المقاومة في لبنان انّ سورية معكم قولاً وفعلاً وستظلّ على استعداد لأن تقتسم معكم كلّ شيء، وتقتسم معكم الشهادة قبل كلّ شيء، ولكن في سورية كما لأبناء سورية تماماً، فالخندق واحد والعدو واحد والمصير واحد».
وقال رئيس مجلس النواب السيد حسين الحسيني عن العملية البطولية: «إنّ الشهيدة سناء محيدلي أزالت الغبار عن كرامتنا الوطنية، وليكن مستوى الجهد في الداخل يتناسب مع مستوى التضحيات التي تقوم بها المقاومة الوطنية، إذا أنّ شعباً فيه أمثال سناء محيدلي يخطئ من يعتقد أنه سيموت والوطن الذي فيه أمثال هؤلاء الأبطال يخطئ من يعتقد أن سينقسم أو يتقزم أو يزول»
أما الرئيس سليم الحص فقال عن سناء: «إنّ أمثال سناء يصنعون التاريخ ويكتبون فصلاً جديداً من سفره بدمائهم الذكية، وشعب فيه أمثال سناء لا يموت ولا تقهره قوة عسكرية غاشمة مهما بلغ جبروتها».
وفي زمن سناء قدّم الرئيس نبيه بري تحية للحزب السوري القومي الاجتماعي بعروس الجنوب والشوف الشهيدة البطلة سناء محيدلي، وقال: «ليست أول فتاة ولن تكون الأخيرة في مواجهة الاسرائيليين، غير أنّ لسناء عبق بلال والقصير والقبرصلي والصايغ وأبو زينب وغيرهم وغيرهم مما تساموا حتى درجة الرمز، الجديد في سناء أنها الرمز النسائي الاستشهادي الأول».
واعتبر الشيخ نعيم قاسم «أنّ الشهيدة سناء رمز الفتاة التي ابتعدت عن بهارج الحياة وأقبلت على العطاء من أجل وطنها وشعبها وقناعاتها، وهذا النموذج يفترض أن يعمّ في كلّ واقعنا، نموذج التضحية، نموذج الاهتمامات الكبرى، نموذج مواجهة العدو بالامكانات التي تتوفر لكلّ إنسان بحسب ظروفه وواقعه».
يطول توثيق الكلمات التي قيلت لسناء من الشخصيات السياسية والحزبية والروحية، لذا فإنّ كتاب «الأيقونة» يجمع الوطن كما يجب أن يكون موحداً على هوية العدو تحت راية الاستشهادية سناء محيدلي.
كما يضيء الكتاب على وقائع الاحتفال الذي أقيم في مقر جامعة بيروت العربية بتاريخ 20/4/1985
سناء… ملهمة الشعراء
وأضحت سناء القصيدة الأجمل، حيث كتبها غسان مطر «زهرة المستحيل» فقال:
«بعيدا،
ولا تضربوا حول عرشي مضاربكم
يستفيق دمي مرتين مع الفجر،
يقرأ سراً نبوءته،
ثم أسكب دمعي الجميل.
زماناً كتمت عن الريح أشرعتي،
ـ كان وجهي يزفُّ لأشلائه ـ
من يعيد إليّ صدى فرحي حين حدثته
عن غريب يجيء من السر،
يقطفني همسة همسة،
ثم يزرعني في اشتعال الفصول!
هي الرحلة ابتدأت:
زهرة النار عرس على زهرة المستحيل
***
ولها كتب نزار قباني
سناء
سناء.. يا سناء.. يا سناء
يا زهرة من فلة بيضاء
أهديتها من خالق السماء
ها قد أتت سناء
سناء… يا سناء
***
ولها كتب محمد علي شمس الدين في انتظار السيدة الجنوبية «الى سناء محيدلي القصيدة الأعظم»
ماذا خبّأت لعرس يا امرأة الوجه المحتوم بأحزان الدنيا؟
قمراً مصلوب الكف؟
يشقّ لك القمر
وتدقّ طبول الغاب ويشتعل المطر
وأراك فأركض خلف مهبّ الريح
وخلف مدار الإعصار
وتدور عيونك في جسدي
وأنا أتعمد بالنار.
***
ولها كتب الرفيق خالد الأزرق بطل العملية الاستشهادية (9 تموز 1985): «أصرّت على ارداد وديعة الأمة فيها وحين طلبتها اقتدت بمعلمها سعاده فكانت قدوة الى الشهادة، تناثرت بعظامها ولحمها بين قذارة اليهود وطهارة أرضنا لتغسلها من دنسهم، فالتصقت بالأرض كزيتونة في حيفا وزنبقة في أريحا. وكوردة في الكورة وحبة رمل على شاطئ الاسكندرون، كصخرة في الجولان وكغصن غار في الشام (..) وعهداً علينا أننا على درب التحرير ودرب سناء سائرون».
***
ولها «قطرات من قداس انهمارك» بقلم غسان الشامي:
ترى أيّ فضاء يتسع لضياك؟
أي جهات تحتمل كلّ هذا السناء؟
يا الوضّاحة في حالك الوقت
الوهّاجة في نازلات الظلام
ترى.. أيّ ليلك يندري في جم حضورك؟
أيّ طيون ووزّال ويانع من كرز ينثال من طافح يديك؟
يا النازفة كأيقونة فارقت محرابها البكر
العالية كتكبير قرمزي في غرة العيد
يا.. سناء
إليك والى الذين جاؤوا للقياك، غمار الورد والزوابع،
وغابات الأيدي المتلالئة في فضاء الهلال الرحيب.
***
وبين فصول «الأيقونة» حضر الدكتور عبدالله سعاده في حوار صحافي عنوانه الأساس «عملية سناء محيدلي تخطت في سنائها المتوهّج كلّ التعتيم الإعلامي الذي تمارسه الصهيونية».
كما ضمّ الكتاب وقائع الاجتفال المركزي بمناسبة مرور ثلاثة عشرة سنة على العملية البطولية للشهيدة سناء محيدلي تحت عنوان «عرس الفداء» و»المقاومة الوطنية» والذي أقيم في سن الفيل بتاريخ 2/5/1998 فكان مهرجاناً لكلّ الأمة منذ مطلع القرن العشرين وفق تعبير الأمين كمال نادر.
وقد واكبت الصحافة اللبنانية في حينه المهرجان وعنه كتب غسان تويني: «المهرجان القومي الاجتماعي الأضخم في ثوريته ـ ولا بأس إذا كان من المنظار التاريخي «سورياً قومياً» ـ لتكريم شهادة سناء محيدلي، «الرفيقة» اللبنانية ابنة الحياة الأرض وسنبلتها الدامية التي لم تنتظر فدائيتها وحياً إلا نابعاً من جذور أرضها، ولا اتسمت «مقاومتها» الطليعية بـ»ترتيب أمني» ولا هي توقفت على شروط ترتيب!»
وفي فصله الأخير يوثق الكتاب احتفال عودة جثمان الشهيدة سناء محيدلي الى بلدتها عنقون ـ في 21 تموز 2008 تحية الى سناء الرمز، تحية الى المقاومة كل المقاومة…
***
ختاماً… يصعب تقديم عرض لكتاب يحمل إسم «سناء محيدلي» وينبض بها وبفعلها الذي غيّر وجه التاريخ، كتاب يوثق مرحلة مشرقة وثقافة يجب أن تكون أسلوب حياة، وتبقى «الأيقونة» رمزاً للفرح في عرس الانتصار والعزّ.
يذكر أنّ كتاب «الأيقونة» إعداد إعتدال صادق أما الاخراج وتصميم الغلاف لـ رولا حسن وجاء في الإهداء «الى الشهيد القدوة أنطون سعاده، والى شهدائنا طليعة انتصاراتنا».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى