مقالات وآراء

أميركا تتراجع…

‭}‬ نمر أبي ديب
بالرغم من الضجيج الإعلامي الذي رافق زيارة الرئيس جو بايدن إلى الكيان الإسرائيلي، سجل الرئيس الأميركي في قراءاته العسكرية، ومواقفه السياسية التي أطلقها قبل وبعد لقاء نتنياهو تفاوتاً في المقاربة الميدانية لـ «الحدث الفلسطيني»، وأيضاً للموقف السياسي العام، فقد قدَّم على المستوى الإعلامي أكثر من قراءة سياسية لواقع «غزة» الميداني، وأيضاً لمجزرة مستشفى المعمداني، في مشهد دراماتيكي غير متوقع، سجلت من خلاله أميركا تراجع استراتيجي على الساحة الفلسطينية، رسمت من خلاله حدود الفصل الميداني ما بين «سقف الدعم الأميركي العسكري المتوقع لإسرائيل» و»مستوى الشراكة الأميركية الإسرائيلية في حرب غزة» وهذا يتضمّن على المستوى الاستراتيجي تقاسماً للأرباح وأيضاً للنتائج ضمن فواتير ميدانية بدأت بالتراكم على أكثر من جبهة إقليمية في طليعتها «الجبهة اليمنية»، مع فارق استراتيجي بلغته ‎المقاومة العراقية، ما شكَّل على مستوى المواجهات الاستراتيجية، أكثر من علامة فارقة تمثَّلت في نوعية الهدف العراقي وأيضاً توقيت المواجهة.
من حيث لا تحتسب دخلت الولايات المتحدة الأميركية بالتزامن مع زيارة جو بايدن إلى «إسرائيل»، مساراً جديداً من المبايعة السياسية للسلوك الإسرائيلي وأيضاً للنشاط العدواني الفاضح القائم على معادلتين عنصرية ودموية، حيث لم تنجح ازدواجية الموقف التي اعتمدها الرئيس جو بايدن، في حصر المبايعة الأميركية بالعمق السياسي في مراحل بحت وجودية فقد فيها الجميع إمكانيات الفصل بين «صهيونية الدور الإسرائيلي ويهودية الكيان» من جهة، وبين المجتمع الدولي الداعم لسياسة إسرائيل التوسعية، وأيضاً لنشاطها الدموي القائم على عنصرية مجتمع ونفس عدواني، فقد فيها الجميع أيضاً إمكانية فك الارتباط السياسي والعسكري بين «إسرائيل» ومجمل القوى الناظمة للتحالف العالمي، «للمحور» الذي تقوده بشكل مباشر الولايات المتحدة الأميركية، بالتالي هل نجح اللوبي الصهيو أميركي، في استدراج الولايات المتحدة الأميركية، وإشراكها في «حرب غزة»، من خلال «إسقاط الصواريخ اليمنية»؟
زيارة الرئيس جو بايدن وتحميلها جزءاً من النتيجة الكبرى، التي بدأت فواتيرها العسكرية تُوَقَّع في كلّ من اليمن العراق وسورية بالشكل الواضح والعلني.
الجدير في الذكر أنّ المسار العراقي وحتى اليمني غير محكومين بضوابط وأحكام «الجغرافيا العسكرية»، التي ما زالت تتحكم مع «قواعد الاشتباك» المعمول بها حتى اللحظة، في مسارات المواجهة «الأمن عسكرية»، سواء في الداخل الفلسطيني أم على الحدود مع لبنان، بغضّ النظر عن حسابات الربح والخسارة، وأيضاً عن أولويات الدول المشاركة في المباشر وغير المباشر، بالتالي هل تُصرَف عالمياً جملة المفاعيل الإقليمية المترتبة سياسياً وعسكرياً على حرب غزة؟ أيضاً وفق أيّ قواعد اشتباك سوف يتعاطى الروسي والصيني؟ وهل تشكل زيارة الرئيس بايدن إضافة إلى اعتراض المدمرة الأميركية صواريخ يمنية خطوة أولى في مسار الخروج الاقليمي من عملية طوفان الأقصى والدخول العالمي في طوفان المحاور الذي تقوده الدول الكبرى.
فشلت الولايات المتحدة الأميركية مع مواقف الرئيس بايدن في تحقيق العناوين العريضة، كما الأهداف الأساسية التي قامت عليها زيارة الدعم الأميركي لكيان الاحتلال، فقدت سجلت على مستوى المبايعة الأميركية لـ «إسرائيل» دعسات ناقصة بالجملة وأيضاً بالمفرّق، تمثلت في التراجع من استراتيجية الانغماس العسكري، القائمة على قرار إسقاط المدمّرة الأميركية للصواريخ اليمنية، إلى التأكيد أنّ الولايات المتحدة الأميركية لم تبلغ أحداً حتى «إسرائيل» بأنها سوف تدخل الحرب إلى جانبها في حال انضمام حزب الله.
يأتي التراجع الأميركي بالتزامن مع فشل استراتيجي، تمثَّل في عدم قدرت الولايات المتحدة الأميركية على حصر دائرة الاشتباك العسكري ومنع التمدّد، انطلاقاً من فقدان السيطرة السياسية حتى العسكرية على أكثر من جبهة في طليعتها العراقية اليمنية وحتى السورية التي دخلت بـ «مقدراتها العسكرية والسياسية» الرافضة بشكل كامل لأيّ شكل من أشكال الاحتلال العسكري والسياسي دائرة «الاستهداف المباشر للقواعد الأميركية»، ما يؤكِّد على حقائق سياسية وأخرى ميدانية عديدة من بينها:
ـ فشل الولايات المتحدة الأميركية بـ إظهار قرينة البراءة وتثبيت وجهة النظر التي حاول من خلالها بايدن رفع المسؤولية العسكرية عن «إسرائيل» في ما خص مجزرة المستشفى المعمداني.
ـ الصواريخ اليمنية بمثابة بلاغ رقم واحد يتضمّن إعلاناً عسكرياً رسمياً يُفيد بدخول اليمن عملية طوفان الأقصى من خارج الجغرافيا الفلسطينية وأيضاً من خارج قواعد الاشتباك الملزمة لجميع الأطراف العسكرية حتى اللحظة.
رسمت أميركا جو بايدن منفردة نيابة عن الدول الداعمة لسياسة «إسرائيل» والمؤيدة لدورها العدواني في المنطقة حدود الشراكة الميدانية مع ما يجري اليوم في ‎غزة.
الولايات المتحدة الأميركية شريك سياسي عسكري في حرب غزة وتراكم الفواتير العراقية السورية أمر عمليات وجودي لم تقدّر إدارة بايدن حتى اللحظة مفاعيله المستقبلية.
قد يكون الكلام الصادر عن رئيس مستوطنة مرغليوت «ايتان دافيدي» (ما زلنا على قيد الحياة لأنّ حزب الله لم يقرّر قتلنا)، مختصر سياسي لواقع ميداني أكَّد في الدرجة الأولى على حجم التراجع الأميركي في المنطقة، ومن وجهة النظر الإسرائيلية على ما يمكن أن يكون عليه كيان الاحتلال الإسرائيلي في الأيام والأسابيع المقبلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى