أولى

مبادرة عربية بالحدّ الأدنى

‭}‬ بشارة مرهج*
في الوقت الذي تشتدّ فيه الهجمات الصهيونية على غزة، أطفالاً وسكاناً وبنى تحتية، خاصة المستشفيات والمدارس، بغرض إدخال اليأس إلى قلوب أهل غزة الشجعان والتأثير على حركة المقاومة التي تسجل بصمودها وتضحياتها ومبادراتها، ملحمة من أروع ملاحم العرب في العصر الحديث، ينبغي على كلّ أنصار فلسطين وأصدقائها، الذين تضاعفت أعدادهم في الوطن العربي والعالم، أن يشدّوا الأحزمة ويستعدّوا لمستويات أعلى من الصراع بعدما أصبح واضحاً وضوح الشمس أنّ الإدارة الأميركية هي التي تقود المعركة وتزوّد “إسرائيل” بالمال والجنود والأسلحة بدون حساب، غير آبهة بالمواقف العربية أو مواقف عشرات الأمم التي صوتت بالأمس في الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرارات واضحة بوقف العدوان على فلسطين، خاصة غزة التي يهدّدونها اليوم بالقنبلة الذرية بعد صمودها الأسطوريّ بوجه جيش “إسرائيلي” يحاول بشتى الوسائل الارهابية تسوية عمرانها بالأرض وتهجير أهلها إلى مصر بالرغم من رفض مصر للتهجير وتكرار تجربة النكبة.
إن غزة التي تقاتل اليوم الوحش الأميركي الصهيوني بالنيابة عن العرب والمسلمين وأحرار العالم من حقها على الجميع أن يساندوها لا لأجلها وأهلها وما تمثله فحسب، وإنما أيضاً لصالح كل هذه القوى التي يتفرّج معظمها على المحنة ويشارك فيها بمواقف سياسية باهتة.
لقد أصبح واضحاً حتى للسذج أن دولة العدوان والاغتصاب لن تتخلى عن مشروعها الدموي بتهويد الاراضي المقدسة واقتلاع أهالي القدس والضفة الغربية وأراضي 1948 أيضاً الى خارج “الدولة” التي لا يعرف أحد حدودها.
وإذا تحقق هذا المشروع بدعم من الولايات المتحدة وأوروبا وكل السائرين في فلكهما، من أقربين وأبعدين، فإن مصر والأردن كما سورية ولبنان ستكون أول من يدفع الثمن لكونها مستهدفة لاستقبال هذا العديد الكبير من الفلسطينيين الذين يُعمل على تهجيرهم.
وما نشهده من ضغوط أميركية أوروبية هائلة على مصر اليوم انما هو قرار جدي يجري اختباره فإذا لم ينجح اليوم يترك للغد بانتظار ظروف أفضل يجري التحضير لها من قبل جماعة العدوان والاغتيال.
إنّ مصلحة الدول العربية كلها، خاصة الدول القريبة من فلسطين تفرض على جميع القيادات الارتقاء الى مستوى المسؤولية التاريخية والكفّ عن استجداء المواقف من بايدن ووزير خارجيته بلينكن، وكأن الاثنين بيدهما القرار الذي تمسك به القوى الرأسمالية في الولايات المتحدة المتخوفة من صعود الصين وتراجع الانتاجية الاميركية واهتزاز اسرائيل – قاعدة أميركا الأكبر في آسيا وافريقيا والعالم.
إنّ غياب الموقف العربي الحازم تجاه الأقصى المبارك وما يجري ضد غزة وفلسطين لا يلحق العار بالقادة العرب فحسب، وانما سيلحق أفدح الأضرار في كلّ دولهم وعواصمهم أيضاً، ذلك أنّ تل ابيب اذا انتصرت على غزة – لا سمح الله – لن توفر أحداً من شرها وستعامل الجميع بفظاظة وعجرفة وقسوة لم يعرفوها من قبل.
إنّ الفرصة لا تزال متاحة أمام وقفة عربية عقلانية جريئة تتخذ مواقف سياسية واقتصادية حازمة تضع حداً لهذا الاستهتار في التعامل مع الدول العربية كلها، وتضع حداً للعدوان الذي تطوّر الى عملية إبادة جماعية للشعب الفلسطيني المقاوم الذي يعاني أصلاً من القهر والفصل العنصري والتهجير وظلم ذوي القربى.
إنّ الحدّ الأدنى المقبول من الجماهير العربية التي تتابع الأوضاع في هذه اللحظة التاريخية وعينها على غزة المجاهدة والقدس الصامدة والأقصى المهدّد يتمثل بالآتي:
• وقف التطبيع وقطع كل أشكال العلاقات التي أقامتها مع الكيان الغاصب سواء كانت تلك العلاقات ديبلوماسية أو سياسية أو ثقافية أو اقتصادية أو أمنية.
• الامتناع عن تزويد هذا الكيان بالوقود والضغط على كل من يزوّده بهذه المادة الحيوية للتوقف عن ذلك.
• إبلاغ كل من واشنطن والعواصم الاوروبية بأن انحيازها الفاضح لتل أبيب سيلحق الضرر بعلاقاتها بالبلدان العربية التي تتلاقى شعوبها حول الأقصى وفلسطين وترفض الإملاء بكل أنواعه وتناهض الاحتلال بكل أشكاله، فكيف اذا كان وحشياً عنصرياً يتمرد باستمرار على قرارات الشرعية الدولية ويستهتر بمؤسساتها ومواثيقها ومعاهداتها.
• اتخاذ اجراءات مدروسة للتحول شرقاً نحو روسيا والصين بعدما تبين أن الولايات المتحدة واوروبا هي في موقع التماهي الكامل مع الموقف الاسرائيلي الذي يستكمل مسيرته الاستيطانية الإحلالية بتغطية كاملة من المعسكر الغربي.
• التوجه نحو مساعدة غزة ومعها فلسطين كلها بخطوات عربية عملية ملموسة كي تتوازن ولو نسبياً مع العدو الغاصب الذي يحظى بدعم هائل على كل المستويات من الغرب الذي فقد دور الوسيط وكرّس نفسه حليفاً عضوياً للعدوان والاغتصاب.
إن العرب اليوم إذ يساعدون غزة على اجتياز هذه المحنة انما يساعدون أنفسهم ويدفعون الخطر عن شعوبهم ويستثمرون في المستقبل، الذي يخطط العدو الصهيوني بالتعاون الكلي مع واشنطن، كي يكون مستقبلاً اسرائيلياً للمنطقة كلها.
*نائب ووزير سابق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى