أولى

انفصال عن الواقع…

‭}‬ سعادة مصطفى أرشيد*
برغم انقضاء أكثر من 75 يوماً على طوفان السابع من تشرين الأول الماضي ما زالت العملية تثير الدهشة والإعجاب لما بها من دقة وشجاعة وقدرة على المبادأة وروعة في التنفيذ. لقد شكلت حدثاً شبيهاً بما حصل صبيحة الخامس من حزيران عام 1967، وأهميتها بأنها جعلت من نظرية الردع «الإسرائيلي» تتهاوى، لا بل تشطب، برغم كلّ محاولات الجيش «الإسرائيلي» لترميمها بالحرب على البشر والشجر والحجر وأيّ هدف مدني.
أعادت العملية المسألة الفلسطينية الى واجهة الأحداث على مستوى العالم. فالعالم كان حتى ذلك اليوم منشغلاً بتفاصيل الحرب الروسية الأوكرانية والتحشدات في بحر الصين، والأهمّ من كلّ ذلك أنها أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك، أنّ «القوة هي القول الفصل» وان لا رأي للحق الضعيف، وأنّ الاستجداء ولعب دور الضحية وجلب شيء من الصدقات المرتبطة بأثمان من حساب المصالح الوطنية والقومية والأغذية الرديئة والملابس المستعملة لا يثير الاحترام ولا يستردّ الحقوق المغتصبة.
أثبتت عملية الطوفان أنّ العدو ليس إلا نمراً من ورق وأنه يُقهر، وأنّ الخلاص منه ممكن ومتاح لمن يمتلك الإرادة، ولا حاجه لانتظار مدد من هنا أو دعم من هناك، أو انتظار تحقق توازن استراتيجي وامتلاك سلاح نووي او الدخول في التنافس معه حول كمية السلاح والطائرات والدبابات والمدافع، فالفعل والمبادرة هما من يخلقان الظروف وانتظار توافر الظروف أمر معطل للفعل، وفي هذا ردّ على من يفسّرون انتصار الثورة في فيتنام هو بسبب وجود أدغال او لمحاذاتها لدول معادية للولايات المتحدة، وأنّ انتصار الثورة في الجزائر كان بسبب مساحتها الكبيرة، وأنّ اليمن يستطيع إغلاق البحر الاحمر بسبب جباله الشاهقة، ويصمتون متجاهلين النصر الذي حققته المقاومة اللبنانية عام 2006 ويستذكرون الضرر والخراب الذي أحدثه «الإسرائيلي» في كلّ لبنان محمّلين علناً او ضمناً مسؤولية ذلك للمقاومة، وتتكرّر ذات القصة هذه المرة ويتحدثون عن أعداد الشهداء والجرحى وكأنهم ليسوا ضحايا الوحشية «الإسرائيلية» وانما تتحمّل المقاومة المسؤولية عما حدث لهم، ولا يتذكرون انّ كلّ غزة كانت محاصرة لأكثر من عقد ونصف العقد، وانّ ضحايا الحصار الطويل من شهداء ومرضى يفوق عددهم عدد ضحايا العدوان المستمرّ والمتواصل، لكن فعل 1200 مقاتل صبيحة السابع من تشرين الأول يسقط كلّ تلك الحجج والمبررات التي ترفعها جماعات العجز والفشل فالإنسان وارادته الحرة هما الأساس .
هذه هي شروط الحياة الحرة والكريمة، ولكن بعض ممن حولنا لا يزال عاجزاً عن رؤية ذلك الجيش المهزوم، ويراهن على هزيمة المقاومة، لا بل يبذلون جهداً وانْ كان غير منظور لمساعدة «الإسرائيلي» على هزيمتها، ويظنّ أولئك انّ جيش العدو قادر على حماية أنظمة مطبعة معه من عدو وهمي، ولكن أكثر ما يثير العجب أنّ بعض منا لا يزال يبدي انفصالاً مرضياً عن الواقع، فقد أتحفنا قبل أسبوع وزير الإعلام في الحكومة الفلسطينية وعضو اللجنة المركزية للحزب الحاكم والناطق باسم الرئاسة الفلسطينية في مقابلة له مع فضائية «الحرة» الأميركية بقوله إنّ لا علاقة لمن يمثلهم ووردت اسماؤهم آنفاً بالحرب الدائرة في غزة بين المقاومة وجيش الاحتلال، وجاء كلامه واضحاً وصريحاً لا لبس فيه ومن النوع الذي لا يمكن إنكاره. أعقبه منذ ثلاثة أيام أمين سر الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وأحد قاده الصف الأول في الحزب الحاكم، وعلى قناة «العربية» بقوله إن لا حوار مع حركه حماس لا قبل السابع من تشرين الأول ولا الآن، وإنّ الحوار قد توقف منذ حوارات العلمين في القاهرة وانّ 100,000 ضحية في غزه تستدعي محاسبة من تسبّب في ذلك، مشيراً بشكل واضح الى محاسبة المقاومة، لم تفلح محاولات نفي ما قيل فقد جاءت تلك التصريحات بشكل لا يصلح معه الادّعاء بانّ الأقوال قد حُرفت او انّ التصريحات انتزعت من سياقها.
تستحق المقاومة الجائزة الكبرى على ما أنجزته، ونتفق مع ما ورد على لسان أمين سر منظمة التحرير من حيث الشكل لا من حيث القصد بأنّ العمل الفلسطيني المعاصر منذ عام 1969 يجب إعادة النظر فيه، ونبذ السياسات الفاشلة التى أوصلتنا الى ما نحن فيه، ثم الى تكرار التجارب الناجحة كما هي تجربة الحرب الدائرة اليوم…
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى