سعادة مصطفى أرشيد*

أخيراً حضر الزائر المهمّ وغادر دون أن يحقق كثيراً من توقعات المنشغلين بهذه الزيارة ونتائجها، ولعلّ الأساس في التحليل يكمن في تقدير أسباب الزيارة أولاً. السبب الأول كان وضع الإدارة الديمقراطية المتردّي في واشنطن، فالولايات المتحدة لا تزال تعاني من جائحة كورونا ثم من الكساد والتضخم والبطالة وما يتبع ذلك من ارتدادات ومؤثرات على ارتفاع معدلات الجريمة بسبب حالة الفقر التي أصابت فئات من المجتمع الذي ازداد انقسامه بشكل جدي، إضافة إلى أزمات الطاقة والغذاء والهجرة غير الشرعية. هذا بمجمله حال بايدن وإدارته البائسة داخلياً، اعتقدَ بايدن أنّ هذه الزيارة قادرة على أن تمثل اختراقاً سياسياً يعوّضه عن فشله الداخلي، خاصة أنّ الولايات المتحدة مقبلة على الانتخابات النصفية التشريعية، حيث تقول استطلاعات الرأي هناك أنّ حظوظه بربح الانتخابات ضئيلة جداً، ثم أنّ عدداً من أعضاء مجلس الشيوخ قد شرعوا بمحاولات لا نعرف نتائجها تقضي بعرضه على لجان طبية لفحص أهليّته العقلية والصحية اللازمة لمنصبه الحساس.

السبب الثاني أنه مثل كلّ أسلافه الرؤساء الأميركان، يريد دعم «إسرائيل» وتقويتها ومضاعفة غطرستها وسطوتها، فـ بايدن بالتفاصيل والخصوصية البايدنية يريد دمجها بعالم عرب أميركا (عرب التطبيع)، فقدّم لها كل ما تريد في وثيقة القدس أولاً وفي قمة جدة ثانياً، آملاً أنها في المقابل ستدعمه داخل الولايات المتحدة وتعطيه القدرة على تجاوز بعض أزماته الداخلية، لكن تجارب السياسة ومدارسها لا تؤكد ذلك، فـ «إسرائيل» قد أخذت منه أقصى ما يستطيع أن يعطيها وهي بذلك تكون قد استنفدته، ولن تجد بعد ذلك من دواعٍ لدعمه اذ لم يعد لديه ما يقدّم، وستبحث عن الجديد الذي لم يعطها حتى الآن الأكثر.

السبب الثالث هو إعادة ترميم علاقات إدارته مع السعودية والإمارات اللتين دعمتا خصمه ترامب في الانتخابات الرئاسية، وكان بايدن قد أعلن في أكثر من مناسبة أنّ بلاده ستطارد قتلة الصحافي جمال خاشقجي حتى النهاية، ولم يوفر سجل حقوق الإنسان بالسعودية من ملاحظاته القاسية، والمقصود بذلك هو ولي العهد السعودي، كما أنه في قمة جدة بحث التحالف القائم منذ تسعينيات القرن الماضي ـ منذ عاصفة الصحراء ووظيفة هذا الحلف انه يريد تحطيم اية قوة مشرقية عربية كانت أم غير عربية، فمن ضرب العراق غير هذا التحالف؟ ومن دمّر ليبيا ولا يزال يقتل ويحرق ويدمّر في اليمن وسورية؟ ومن لم يسمع بغرفة عمليات (موك) التي أطرافها بالإضافة الى عرب التطبيع كلّ من «إسرائيل» وأميركا وتركيا وأوروبا الغربية.

السبب الرابع وهو الأكثر إلحاحاً والمتعلق بارتفاع أسعار النفط وما تلاه من أزمات للولايات المتحدة والغرب مقابل أرباح ومكاسب لصالح كلّ من روسيا التي جعلت أسعار الغاز والنفط المرتفعة عبر حربها في أوكرانيا مصدر دخل مريح، وإيران التي تآكلت حاجتها لتوقيع الاتفاق النووي مع واشنطن والغرب بسبب حجم مبيعاتها وعائداتها من النفط، هذه المكاسب لروسيا وإيران هي مكاسب مضاعفة بسبب ما تخلقه من أزمات حادة أرهقت خصومهما الغربيين الذين لا يستطيعون التوقف عن شراء الغاز والنفط الروسيين بالأسعار والعملة التي تحدّدها روسيا، وما تجنيه ايران من أرباح في تجارتها النفطيّة مع آسيا.

أما في حال عدنا الى نتائج الزيارة فيمكننا ملاحظة أنها برغم خطورتها والإعداد الطويل لها، إلا أنها غير قادرة على ترميم وضعه الداخلي. والاختراق الأهمّ والمعلن في هذا المجال هو انّ طائرته هي الأولى التي تقلع من مطار اللدّ لتهبط في مطار جدة، فيما الناخب الأميركي تهمّه حياته اليومية أولاً وقبل قصة الطائرة هذه، ونتائج قمة جدة إنْ تحققت فسيكون أثرها محدوداً على يوميات الناخب.

تشير بعض التقديرات إلى أنّ الحلف القديم الجديد سيتمّ الإعلان عنه عند اقتراب موعد الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة، فيما إجراءات التطبيع المعلن ما بين الرياض و(إسرائيل) ستكون قبيل انتخابات الكنيست في مطلع تشرين الثاني وذلك وفق افتراض انّ ذلك سيتحوّل الى أصوات انتخابية لصالح الديمقراطيين في واشنطن ومعسكر ليبيد ـ غانتس في تل أبيب. في موضوع النفط وإنتاجه وأسعاره والتي تستفيد منها لا روسيا وإيران فحسب وإنما السعودية وسائر الخليج ايضاً التي كان على بايدن إقناعها وللدقة إجبارها على زيادة إنتاجها ولو على حساب مصالحها وأرباحها، وقد وافقته تلك الدول على زيادة الإنتاج بزيادة مقدارها 2.5 مليون برميل يومياً، وسنرى في القريب إن كان سيكون لذلك من تأثير على سعر النفط والغاز أم أن الأسواق عطشى لهذا السائل الاسود وستأخذ عملية هبوط الأسعار وقتاً ليس بقصير.

القول انّ الزيارة باهتة هو قول صحيح، فخطاب السيد حسن نصر الله مثلاً تجاوزها في الاهتمام الإقليميّ ولدى متابعي الأخبار بمن فيهم (الإسرائيلي) العادي، أما القول إنها زيارة فاشلة، فذلك أمر غير دقيق، قد يكون من الضروري ملاحظة انّ محمد بن سلمان وأضرابه قد طرأ على وعيهم وسلوكهم بعض التغيير تجاه عدم الخضوع المطلق لسياسات واشنطن، او الذهاب نحو تنويع علاقاتهم بالعالم، الا انّ ذلك سوف يتوقف عندما تضعهم الدولة العميقة في واشنطن أمام أحد خيارين: البقاء في الحكم أو الخروج عن الهامش المسموح به في السياسة، وهم حكماً سيأخذون بالخيار الأول، فلا يتفاءل احد بأنّ هؤلاء قد غيّروا جلودهم، وانما أتيحت لهم فرصة للتخفيف من بعض الأحمال مؤقتاً، ومشاغباتهم على واشنطن لن تكون إلا حالة ظرفية مؤقتة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*سياسيّ فلسطينيّ مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة.