أولى

«إسرائيل» أخفقت… «حماس» ما زالت تقاوم وتحكم غزة وقطاعها

‭}‬ د. عصام نعمان*

ما معيار كسب الحرب أو خسارتها؟ الجواب: تحقيق أهدافها أو الإخفاق في ذلك. “إسرائيل” أعلنت عندما شنّت حربها الإبادية براً وجواً وبحراً على قطاع غزة أنّ أهدافها ثلاثة: القضاء على “حماس”؛ استعادة الرهائن (الأسرى)؛ منع فصائل المقاومة الفلسطينية من العودة إلى القطاع. فوق ذلك، أضمرت وحاولت تنفيذ هدف رابع: تهجير سكان القطاع إلى صحراء سيناء المصرية.
“إسرائيل” أخفقت في تحقيق جميع أهدافها. “حماس” ما زالت صامدة فوق الأرض في جميع مدن القطاع وتحت الأرض في الأنفاق الممتدة مئات الكيلومترات. كما أخفقت في استعادة الأسرى وفي منع فصائل المقاومة من الصمود والقتال في مختلف مدن القطاع وقراه. صحيح أنها تمكّنت من تهجير مئات آلاف الفلسطينيين من شمال القطاع ووسطه الى جنوبه، إلّا أن السكان المهجّرين صامدون في العراء ويقاومون محاولات تهجيرهم إلى سيناء ويتحمّلون كل صنوف التقتيل والتجويع والتنكيل والتشريد.
أقسى من خسارتها الحرب، خسرت “إسرائيل” “شرعيّتها” الدولية وسمعتها ومكانتها حتى بين حلفائها في الغرب الأطلسي، وباتت في عزلةٍ اُممية خانقة. وفي أميركا، اندلعت ضدها تظاهرات احتجاج وتنديد في جميع مدن ولاياتها الخمسين والعاصمة واشنطن، كما في مختلف الجامعات، أساتذةً وطلاباً. الأمر اللافت كذلك أنّ زعيم الغالبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ السناتور اليهودي تشاك شومر دعا إلى إجراء انتخابات جديدة في “إسرائيل” “لأنّ رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بات يشكّل “عقبة أمام السلام”، ولأنّ الائتلاف الحاكم الذي يقوده “لم يعد يلبّي حاجات الكيان بعد 7 أكتوبر 2023، تاريخ اندلاع حربه ضد قطاع غزة.
الرئيس جو بايدن أظهر امتعاضه مراراً من نتنياهو، لكنه ما زال يدعم “إسرائيل” بالمال والسلاح بدعوى “أنها تدافع عن نفسها”! صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية كشفت أنّ إدارة بايدن وافقت على أكثر من 100 صفقة بيع أسلحة الى “إسرائيل” بعد 7 اكتوبر 2023، بحسب ما أبلغ مسؤولون أميركيون الكونغرس اخيراً في إحاطةٍ سرية، وانّ هذه الصفقات لم تكن في حاجة الى موافقة الكونغرس لكون تكلفة كلٍّ منها أقل من الحدّ الأدنى الذي يتطلّب موافقته!
نتنياهو ما زال يكابر ويتمسك بمواقفه الداعية الى مواصلة الحرب لغاية تحقيق أهدافها. فوق ذلك، يبدو كأن منافسةً تدور بين الكتّاب والصحافيين الإسرائيليين على التساؤل: الى أين يتجه الكيان المنقسم على نفسه سياسياً والمنهَك عسكرياً؟
عاموس هرئيل، كبير المحللين السياسيين في صحيفة “هآرتس” (2024/3/8) يقول “إن التشاؤم تعمّق بشأن إمكانات التوصل الى صفقة تبادل أسرى، وان الفجوات بين مواقف “إسرائيل” و”حماس” ما زالت كبيرة، وأشكُّ اذا كان لدى الطرفين إرادة حقيقية للوصول الى اتفاق”.
إيال عوض، الباحث المتخصص في اقتصاد غزة (موقع N12، 2024/3/12) يرى “أن الانشغال المهووس باحتلال رفح يمنع الجيش من التوصل الى أهداف لا تقلّ أهميةً في الشهر المقبل. غزة ليست سباقاً إنما ماراثون لم تحقِّق فيه “إسرائيل” أهدافها الاستراتيجية. النتيجة: انتصار تكتيكي يمكن أن يتحوّل الى هزيمة استراتيجية”.
يائير شيلغ، المحلل السياسي والباحث في معهد هرتمان للسلام “مكور ريشون” (2024/3/13) يرى “أنّ احتمال عودة “حماس” الى السيطرة على القطاع، إذا أخفقت “إسرائيل” في ضغطها، ما زال موجوداً”.
في هذه الأثناء بدأ الجيش الأميركي عملية تركيب رصيف بحري لربطه بشاطئ غزة. العملية تستغرق 60 يوماً على الأقل، ومن المتوقع أن تصل اليه سفن مساعدات من أساطيل أميركية وأخرى من سائر الدول. هذا المشروع تموّله الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة، ويتطلّب أكثر من 1000 جندي أميركي للعمل في مجالات التركيب والتشغيل والصيانة، وتزعم واشنطن أنهم لن يكونوا موجودين على أرض غزة. لكن تسفي برئيل، المحلل السياسي في صحيفة “هآرتس” (2024/3/11) يؤكد أنّ غاية إدارة بايدن من إقامة الرصيف هي “إحباط سياسة نتنياهو التي تهدف الى تحويل المساعدات الإنسانية الى أداة ضغط استراتيجية ضد “حماس” وأداة في اللعبة السياسية الداخلية”، وأنّ “إسرائيل” “ستجد نفسها في وضع لا تستطيع فيه إغلاق طرق الوصول الى القطاع طالما حليفتها الأهمّ (أميركا) تقوم بإرسال أساطيل الى غزة، وبذلك تفكك الرؤية الاستراتيجية الإسرائيلية بأنّ للحصار على غزة وظيفة مركزية”.
إلى هنا يبدو الرصيف البحريّ مبادرةً إنسانية أميركية، لكن تفحّص المشروع يكشف أغراضاً أخرى شديدة السوء، أهمّها خمسة:
*الأول تغطية دعم أميركا السافر، مالياً وعسكرياً، لعدوانية الكيان الصهيوني ومحاولة لبلسمة آلام الفلسطينيين الجرحى والجوعى المشرّدين في العراء نتيجةَ حرب الإبادة الإسرائيلية بأسلحة ثقيلة اميركية أدّت الى استشهاد أكثر من ثلاثين الفاً، معظمهم من الأطفال والنساء، وجرح وإعاقة أكثر من سبعين الفاً.
*الثاني حرمان “حماس” من الظهور كجهة حريصة على تزويد سكان قطاع غزة بالغذاء والدواء والكساء.
*الثالث استبدال منظمة الأونروا التي قطعت عنها الولايات المتحدة ودول أطلسية أخرى معوناتها المالية، وقامت “إسرائيل” أخيراً بقصف مستودعاتها في غزة بمنظومة أخرى تكون مسؤولة عن توزيع الغذاء والمساعدات الإنسانية.
*الرابع إبدال القوات الأميركيّة العاملة في إدارة وتوزيع الغذاء وسائر المساعدات الإنسانية على السكان، بقوات وأجهزة إسرائيلية لدرجة حملت أوساطاً إسرائيلية على الإشارة الى انّ تشغيل الجيش الإسرائيلي في إدارة وتوزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة ستحوّله الى جيش احتلال وقوة شرطة في القطاع (“صحيفة هآرتس” بتاريخ 2024/3/11).
*الخامس تحويل الجسر البحري الأميركي الى ميناء عائم ودائم ليصبح منفذاً لتهجير الفلسطينيين الذين يعانون ويلات الحرب والحصار. وفي هذه الحالة يُخشى ان يكون الأردن هو وجهة التهجير ومنتهى توطين المهجّرين الجّدد، لا سيما أن دولاً نفطية عربية ستتقبّل، بضغطٍ من واشنطن، مهمة مساعدة عمّان على استيعابهم ودعمهم مالياً بسخاءٍ واسع ومصحوب بدعم مالي وتقني رديف من المنظومة التي تحاول الولايات المتحدة إحلالها محل الأونروا.
كيف يواجه الفسلطينيون وحلفاؤهم هذا التحدّي المستجد؟
بمواصلة المقاومة بلا كلل ولا ملل، والإصرار على عدم متابعة مفاوضات وقف القتال إلاّ بعد رضوخ العدو الصهيوني، كما الولايات المتحدة، لمطلبٍ أساس هو سحب قواته من كافة أراضي قطاع غزة، والتسليم بأنّ إدارة القطاع تبقى مسؤولية الشعب الفلسطيني وحده وحقه في استبقاء تنظيمات المقاومة، على أن يتمّ التوافق في إطار الأمم المتحدة ورعايتها على صيغة لإعادة إعمار غزة وقطاعها بمساهمات مالية تفرضها الأمم المتحدة على كلّ دولة يكرّسها قرار محكمة العدل الدولية الناظرة في الشكوى المقدّمة من دولة جنوب أفريقيا ضدّ “إسرائيل”، مسؤولةً كما الكيان الصهيوني عن الجرائم المرتكبة خلال حرب الإبادة الأخيرة التي شنتّها “إسرائيل” على الشعب الفلسطيني.
هل يجوز القبول بأقل من هذا العقاب والتعويض؟
*نائب ووزير سابق
[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى