أولى

غزة والسيناريوات المحتمَلة مطلع العام الجديد!

‭}‬ د. محمد سيد أحمد
مع دخول العدوان الصهيوني على غزة في العشر الأواخر من الشهر الثالث ومع مطلع العام الجديد، ترتفع درجة سخونة العمليات العسكرية ليس في غزة فقط، بل على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بالإضافة إلى العمليات التي يقوم بها محور المقاومة، فخلال الأسبوع الماضي قامت المقاومة اليمنية بتطوير وتوسيع عملياتها العسكرية لتشمل كلّ من يتعاون مع العدو الصهيوني ويمرّ بالبحر الأحمر وباب المندب، وفي التوقيت نفسه تقريباً قامت المقاومة العراقية التي كانت تستهدف القواعد العسكرية الأميركية في سورية والعراق بتطوير هجومها ليشمل بعض الأهداف في البحر المتوسط، هذا بخلاف الضربات الموجعة التي تقوم بها المقاومة اللبنانية.
وقد كانت النتيجة الطبيعية لسخونة العمليات العسكرية وتطويرها وتوسيعها وتصاعدها، انفلات وفقدان أعصاب العدو الصهيوني الذي كثف من عدوانه فارتفعت حصيلة الشهداء والجرحى في غزة، هذا إلى جانب تهديده باجتياح الشمال ودخول الأراضي اللبنانية، وبالطبع وجد العدو الصهيوني مساندة أميركية عبر تهديد أميركي للمقاومة اليمنية والعراقية والإعلان عن تحالف دولي مزعوم لحماية البحار، وفي ظلّ حالة التصعيد الميداني والتصريحات الإعلامية النارية وجدت نفسي محاصراً من وسائل الإعلام المختلفة التي أتلقى منها دعوات يومية للقراءة والتحليل السياسي للمشهد المعقد والمرتبك، والسؤال الذي يطرح نفسه ويفرض فرضاً على مقدّمي البرامج ومديري الحوارات هل سوف تتّسع دائرة الحرب؟
ومن هنا تأتي إجابتي القاطعة والصادمة والتي لا يتقبّلها الطرف المحاور بسهولة أنّ سيناريو استمرار العدوان وتوسيع دائرة الحرب لتشمل محور المقاومة بأكمله مستحيلة، وبالطبع تبدو إجابتي للوهلة الأولى مغايرة لسير الأحداث على أرض الواقع، ومختلفة تماماً مع تصريحات وتحركات وتجهيزات العدو الصهيوني والعدو الأميركي، لكن يجب على المحلل السياسي أن يقدّم قراءته للواقع بناءً على المعطيات المتوافرة أمامه. وفي هذا السياق ووفقاً للقراءة العميقة للمشهد المركب والمعقد في الأراضي الفلسطينية المحتلة والمنطقة، يمكننا القول إنّ كلّ المساعي الدولية سواء إدانة الأمم المتحدة للعدوان الصهيوني على غزة ودعوة الأمين العام لها بوقف العدوان فوراً، أو قرارات مجلس الأمن بالسماح بدخول المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني المحاصر بقطاع غزة ووضع آلية لتسهيل الدخول والإنقاذ، فإنّ هذه المساعي لم ولن تنجح ولن يستجيب لها العدو الصهيوني، ويدعمه في استمرار العدوان وعدم دخول المساعدات الإنسانية العدو الأميركي.
ووفقاً لهذا المعطى، فإنّ سيناريو استمرار العدوان وتوسيع دائرة الحرب يكون هو السيناريو الأقرب للتحقيق، لكن قراءتي تقول غير ذلك. فالعدو الصهيوني بجيشه وقواته وسلاحه حتى النووي لم يتمكن من إنجاز مهمته وتحقيق أهدافه المعلنة في غزة سواء بالقضاء على المقاومة، أو تهجير الشعب الفلسطيني الموجود بالقطاع وتوطينه على أرض سيناء المصرية. فالمقاومة الفلسطينية البطلة والشجاعة كبّدت قوات الاحتلال الصهيوني خسائر هائلة، وأسقطت أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، وبالطبع هذا الجيش الذي لم يستطع إنجاز مهمته في غزة ليس بمقدوره فتح جبهة جديدة في الشمال خاصة أنه يدرك تماماً ما تمتلكه المقاومة اللبنانية من قوة عسكرية وخبرة في القتال. وإذا كان الجيش الصهيوني يقاتل قوى غير مرئيّة في غزة فالأمر نفسه سيكون في الجنوب اللبناني فقوات العدو تحارب أشباحاً، ولم نسمع يوماً أن انتصرت قوات نظاميّة على مقاومة مسلحة.
أما المعطى الثاني لإنجاح سيناريو استمرار العدوان وتوسيع دائرة الحرب فهو الدعم الأميركي للعدو الصهيوني، وتهديد محور المقاومة بالتدخل العسكري المباشر لردع المقاومة اليمنية والعراقية ومنعها من المشاركة في الحرب، وهذا أمر مستحيل الآن خاصة أنّ قرار توسيع دائرة الحرب ليس في صالح العدو الأميركي. فالرأي العام الداخلي يرفض التورط في أي حروب خارجية بعد هزيمة الجيش الأميركي وانسحابه المهين من أفغانستان والعراق…
قرار الحرب ليس سهلاً على الرئيس بايدن وهو على أبواب انتخابات رئاسية مطلع العام الجديد، وبالطبع إعلان الحرب سيجعل القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة تحت مرمى نيران محور المقاومة، وسوف تضرب المقاومة بقوة كلّ المصالح الأميركية في المنطقة. والمقاومة في مثل هذه الحروب ليس لديها ما تخسره، فعقيدتها تقول إما النصر أو الشهادة.
إذاً السيناريو الأقرب للتحقيق مع مطلع العام الجديد هو وقف العدوان على غزة، وتضحية الولايات المتحدة الأميركية برئيس وزراء العدو الصهيوني وحكومته، وذلك تحت ضغط الرأي العام في الداخل الصهيوني وفي الداخل الأميركي وحول العالم، فهناك حالة من الانقسام الداخلي بين القيادة السياسية وبين العسكرية الصهيونية، والمستوطنون الصهاينة المتضررون من الحرب يضغطون لوقف العدوان، والرأي العام الأميركي يضغط بقوة لوقف العدوان الذي أساء لسمعة الولايات المتحدة التي دائماً ما كانت توهم العالم برفع شعارات حقوق الإنسان، والرأي العام العالمي ينادي الآن بوقف العدوان بعد سقوط الرواية الصهيونية وانتصار الرواية الفلسطينية، لكن الأهمّ من كلّ ذلك هو عدم قدرة العدو الصهيوني والعدو الأميركي على تحمّل الضربات الموجعة للمقاومة والتي ستُجبرهما على وقف العدوان والقبول بالحلّ السياسي وفقاً لشروط المقاومة، فمن ينتصر في الميدان يفرض شروطه على طاولة المفاوضات؛ اللهم بلغت اللهم فاشهد…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى