أولى

المطران كبوجي…

‭}‬ معن بشور
من أكثر الامثال الشائعة ايلاماً في نفسي هو ما كنت اسمعه من البعض: «اللي بيموت راحت عليه»، فأشعر كم هي قاسية وظالمة هذه الكلمات التي تتصدّر لائحة مفردات التيئيس والإحباط في حياتنا المعاصرة.
لذلك أخذت على نفسي ان أذكّر دائماً براحلين من رموز النضال الوطني والقومي، لا لمجرد الوفاء لذكراهم بل أيضاً لنتعلم من تجاربهم ما يعين أجيالنا الجديدة على مواصلة حمل الرسالة التي ما حملها مناضل إلاّ وأعتزّ، وما تخلى عنها مواطن إلاّ وأهتز.
في مثل هذه الأيام عام 2017 رحل عنّا مطران القدس المناضل ايلاريون كبوجي الذي أدرك عمق العلاقة بين الإيمان والحرية، فاختار طريق المقاومة في فلسطين، وهو ابن حلب، ليدخل السجن في القدس المحتلة، ويمضي بقية حياته في المنفى وهو لا يفتأ يتحدث عن معاناة السيد المسيح، وهو مثله الأعلى، وعن بطولة ابن بلده الشيخ عز الدين القسّام الذي جاء من الساحل السوري ليستشهد على أرض فلسطين.
ولا أنسى يوم جاءني المطران الجليل، 86 عاماً، ونحن في دمشق نشارك في الملتقى العربي الدولي لحق العودة عام 2008 ليقول لي «علمت أنكم تحضرّون سفينة لكسر الحصار على غزة أرجو ان تحسبوا حسابي…» وهكذا كان وكانت رحلة سفينة الأخوّة اللبنانية من ميناء طرابلس برعايته مع رفاقه المحامي هاني سليمان (منسق الرحلة) والشيخين داود مصطفى وبلال العلايلي، وعدد من الإعلاميات والإعلاميين.
كما لا أنسى أيضاً كلماته حين التقينا به بعد عودته من «رحلته» تلك التي انتهت بالاحتجاز الصهيوني له ولرفاقه قائلاً: «إذا كان لديكم مشروع آخر لكسر الحصار على غزة فاحسبوا حسابي…» وهكذا كان.. وحضر المطران من روما الى إسطنبول ليكون الى جانب رفاقه هاني سليمان ونبيل حلاق وأبو محمد شكر (أبو الشهداء)، وحمل إنجيله بيده على ظهر سفينة «مرمرة» ليصلي مع اخوانه المسلمين صلاة الفجر قبل ان تهاجمهم قوات الكوماندوس الصهيوني في السفينة وتقتل منهم عشرة شهداء أتراك وتجرح العشرات بينهم د. هاني سليمان وتحتجز مئات المتطوّعين الذي جاؤوا من كلّ أرجاء العالم ليساهموا في كسر الحصار على غزة.
كان المطران كبوجي ـ رحمه الله ـ على متن سفن كسر الحصار على غزة رمزاً لوحدة الأمة على طريق تحرير فلسطين وكلّ أرض عربية ـ كما قال زميله ورفيقه في «اسطول الحرية» المناضل الجزائري كريم رزقي عضو جمعية علماء المسلمين في الجزائر، عضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي.
نتذكّر المطران كبوجي اليوم وفي ذكرى رحيله في 1/1/2017 فيما وطنه الأمّ سورية ومعها لبنان يواجهان حصاراً استعمارياً بشعاً يتوّج احتلالات غاشمة، وحرباً ظالمة، وكأني به يدعو كلّ شرفاء الأمة وأحرار العالم إلى أن ينضمّوا في حملة كسر الحصار وإنهاء الاحتلال ووقف الحرب على سورية… مؤكداً مقولته التي كان يردّدها «اذا كانت سورية بلدي ففلسطين بوصلتي، وإذا كانت حلب مدينتي فالقدس غايتي ورسالتي».
المطران كبوجي رجل يستحق ان نذكره كلّ يوم، ومع كلّ قضية من قضايا الأمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى