أولى

شركاء في الحرب على غزة…

‬ سعادة مصطفى أرشيد*

عندما اشتعلت حرب تشرين الثانية راهن معسكر الاعتدال العربي والتطبيع الإبراهيمي (عرب أميركا) على أن ما حققته المقاومة صبيحة ذلك اليوم لم يكن إلا ضربة حظ او ربح ورقة يانصيب بالصدفة لا غير، وأن المقاومة لن تلبث ان تدفع أثماناً غالية وتتعرّض لانتقام بالغ الشدة يفتح شهية (الإسرائيلي) الإجرامية الدموية ويدعوه الى استعمال قوته التدميرية الهائلة مترافقة مع القتل والحرق والإبادة الجماعية بلا فوارق بين مدني وعسكري او بين مسالم ومقاوم، لتدفع كامل غزة وأهلها ثمن احتضانهما للمقاومة. ورأى هؤلاء في ما تقدم فرصة ذهبية لسحق المقاومة عموماً، وحركة حماس خصوصاً، والقضاء عليها بشكل نهائي وعلى غير ايديهم، فـ «إسرائيل» بذلك تقدم لهم مضطرة هدية ثمينة تنزع عن كواهلهم ذلك العبء الثقيل.
ترى الدول والمنظومات شبه الحكومية لمعسكر الاعتدال من اصحاب العقيدة الإبراهيمية الجديدة ان المقاومة في غزة هي في جانب من جوانبها ليست إلا امتداداً للنفوذ الإيراني السياسي – الاستراتيجي والمذهبي وعلى انها ذراع من أذرع الحرس الثوري المتشعّبة التي تعبث في الإقليم وذات الأظافر الحادة شأنها في هذا الرأي شأن رأيهم في المقاومة اللبنانية والمقاومة العراقية وفي اليمن، وذلك بالرغم من ان حركة حماس هي حركة تحمل عقيدة أهل السنة والجماعة ولها ملاحظاتها العقائدية – الدينية على المذهب الشيعي وعلى نظرية ولاية الفقية التي تدين بها الجمهورية الإسلامية في إيران، ومن النواحي السياسية فقد كانت لها مواقفها المستقلة التي تعارضت مع السياسة الإيرانية، عادت وتراجعت عن بعض منها كما في زيارة أحمد بحر لدمشق، ثم أن لها علاقات مع دول بترودولارية مثل قطر وأخرى أطلسية مثل تركيا. وترى دول معسكر الاعتدال في جانب آخر أنّ حركة حماس على أنها أيضاً امتداد وذراع فاعل من أذرع جماعة الإخوان المسلمين التي تعلن عليها السعودية ودولة الإمارات ومصر حرباً لا هوادة فيها، مع أن حركة حماس سبق وأبلغتهم لا بل وأعلنت ذلك صراحة وبلسان عربي فصيح أنها حركة مقاومة للاحتلال الإسرائيلي وأنها لم تعُد فرعاً من فروع الإخوان المسلمين لا في التنظيم الدولي ولا في مشروع الاخوان العالمي، على الأقل هكذا تقول حركة حماس.
جاءت مجريات الحرب وتطاول زمنها وصمود مقاومتها لأكثر من 100 يوم محبطة آمال هؤلاء ومشاريعهم ومنافساتهم على الزعامة العربية والإسلامية وجعلت من شرعياتهم في موقع الضعف لا بل حتى أصبحوا كذلك امام شعوبهم ولم تسعفهم (إسرائيل) بالسماح لهم بتمثيل أدوار كاذبة داعمة للمقاومة أو حتى مدافعة عن المدنيين الفلسطينيين بقدر ما كشفت حقيقتهم عندما أصبحت تنشر تصريحات كانت غير معلنة، منها ما ورد على لسان ولي العهد السعودي أن مشروع التطبيع لا زال قائماً وأنه قد تأجّل مؤقتاً بسبب الحرب، وهو ما أكده وزير الخارجية السعودي في مؤتمر دافوس اول امس، وحسب ما نشرت وزارة الخارجية (الاسرائيلية) أنها أبلغت دولاً عربية وخليجية بعدم المشاركة في أي عمل من شأنه دعم مشروع جنوب أفريقيا لإدانة دولة الاحتلال بتهمة ارتكاب مجازر إبادة جماعية. وقالت: لم نكن نعمل وحدنا وإنما بالشراكة معكم. وصرّح وفد الدفاع الاسرائيلي في محكمة العدل الدولية أن معبر رفح هو معبر مصري بالكامل وان مصر من يملك السيادة عليه وهي من يغلقه ويمارس دوراً في حصار غزة وان «إسرائيل» لا شأن لها ولا علاقة لها بفتح المعبر او إغلاقه.
تجمع دول محور الاعتدال على تصنيف المقاومات عموماً على أنها منظمات إرهابية من المقاومة الفلسطينية واللبنانية كما المقاومة في العراق وجماعة انصار الله في اليمن، ولكن تتراوح مواقفهم بين التأييد الصريح لدولة الاحتلال في حين تقول النظرة المنطقية غير الرغبوية أن انتصار (إسرائيل) في هذه الحرب وتمني هؤلاء ليس إلا أحلام عصافير، وإن كنّا نشهد اليوم الخلافات تعصف بمجلس الحرب ودوائر صنع القرار في «إسرائيل» ويستعدّ كلّ فريق منهم لتحميل غيره مسؤولية الفشل الذي لا ريب فيه، فإننا سنشهد بالقريب ما يماثل ذلك من خلافات سوف تعصف بحلفائهم الغربيين والعرب.
لكن ما الذي يدفع من يفترض بهم الوقوف مع غزة في حربها لمثل هذه المواقف الساقطة؟ لعلّ السر في انعدام أي رؤية لديهم للأمن القومي بمفهومه الواسع او للمصالح العليا للوطن. فالأمن هو أمنهم الشخصي والمصالح هي مكاسبهم الخاصة وإن تعارضت مع المصالح الوطنية أو القومية العليا، ولا شيء مهماً سوى بقائهم جالسين على كراسيهم، وحيث ان واشنطن لا العملية الديمقراطية وإرادة شعوبهم من يمنحهم البقاء السياسي، وحيث إن الطريق الى واشنطن تمر إلزامياً بمحطة تل ابيب، نراهم في هذا الموقع تجاه غزة، وهي ثقافة الثروة التي حلت مكان ثقافة الثورة، تلك الثقافة الهجينة التي سيدافعون عنها باستماتة حفاظاً على وجودهم.
لكن ما يدركه هؤلاء هو المتغيرات التي تفرضها الحرب والانتصار المقبل للمقاومة والتي لا تقابلها هزيمة «إسرائيل» والولايات المتحدة والغرب فقط، وانما هي في الوقت ذاته هزيمة لهم وسيكونون أول الخاسرين ودافعي الثمن.

*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير – جنين – فلسطين المحتلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى