أولى

هل تتورط «إسرائيل» بحرب على لبنان؟

بالرغم من أن الطابع العدواني لكيان الاحتلال جزء من تكوينه وتركيبته، فإن خطاب الحرب على لبنان ليس مجرد صدى لهذه الطبيعة، بل إن وراءه ما هو أبعد من الحماقة، حيث هناك حسابات سياسية تجعل خيار الحرب مطروحاً جدياً على الطاولة، رغم إدراك حجم المخاطر التي تتضمنها، والتي قد ترتفع من المخاطر العسكرية إلى المخاطر الاستراتيجية، والمخاطر الوجودية.
بخلاف ما يقوله بعض الذين لا يعرفون قانون الحرب، فإن ما فعله حزب الله بفتحه لجبهة لبنان، فتح النقاش الوجودي مجدداً في الكيان، بينما فتحت حرب غزة النقاش الاستراتيجي. فالسقف الذي يثيره العنوان الفلسطيني في غزة والضفة الغربية والقدس هو ما إذا ممكناً لكيان الاحتلال الاستمرار بالاحتفاظ بالأراضي المحتلة عام 1967، أم أن ساعة التسليم بقيام دولة فلسطينية عليها قد حانت، ولم يعد ممكناً تجاهل هذا الاستحقاق المؤلم، وسط خطاب اقلويّ ضيق في الكيان يقول إن هذا الخيار يحمل نهاية أزمات الكيان، ويشكل المدخل لاستقرار طويل المدى، يرافقه سلام شامل في المنطقة وتطبيع مع دولها، وطي صفحة القلق التاريخي.
ما فعلته الجبهة اللبنانية وهي تدور على الأراضي المحتلة عام 1948، أنها طرحت مصير الكيان وجودياً وفتحت الأسئلة حول فرصه في البقاء على قيد الحياة، بعدما تسببت الحرب على هذه الجبهة بتهجير النخبة السكانية والاقتصادية من المستوطنين الذين حملتهم الهجرات الأولى التي أسست الكيان، ووجدت في شمال فلسطين المحتلة الجغرافيا الأشد أمناً لإقامتها، في ظل حروب على حدود سورية والأردن ومصر، وسط إدراك عميق بأن السير بحل الدولتين وقبول الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 67 لن يجذب حزب الله الى حظيرة السلام، وأن التحدي الذي يمثله وجود ترسانة مسلحة على الحدود الشمالية لا يمكن ضبطها إقليمياً ودولياً تؤمن بزوال الكيان وتعمل لهذا الزوال، خصوصاً أن الحرب قالت بأن قوة الردع وهم، وقواعد الاشتباك عند حزب الله قابلة للسقوط عند الحاجة وغب الطلب، لحساب قواعد اشتباك يضعها هو ويعدلها هو، ولا يجد الكيان بداً من مجاراته في اعتمادها.
استحالة عودة مستوطني الشمال دون حل هذه العقدة، تؤرق قادة الكيان. ومن هنا جاءت صيحات الحرب، ومع مأزق الخروج من حرب غزة أضيفت لهذا المنشأ لفكرة الحرب مع لبنان أسباب إضافية، منها التصعيد بحرب أكبر يمكن لوقفها أن يترافق مع ضوابط تطال كل الجبهات، ويمكن للهزيمة أن تكون نسبية، خصوصاً إذا كان تورط أميركا في الحرب احتمالاً ممكناً، فكيف عندما تصبح هذه الحرب وصفة بنيامين نتنياهو لمنع محاولات إقصائه عن المشهد وتقديم كبش فداء يجري تحميله كل أوزار الفشل والهزيمة.
ما يحتاجه الكيان ونتنياهو للذهاب للحرب أولاً هو مشروعيّة دوليّة، وأميركية خصوصاً، في ظل تراجع كبير في مكانة الكيان الدوليّة في ضوء مذبحة غزة، وخشية أميركية من التورط في حرب تتحول بسرعة الى مواجهة إقليمية وحرب كبرى لا تريدها، وقد نجح حزب الله بتقديم اطروحة تردّ على الحملة الدولية لترتيبات على الحدود أطلقتها «إسرائيل» وتبنتها دول الغرب، وذلك وفق معادلة وقف الحرب على غزة أولاً، ثم لا مانع من استقرار على الجبهة وفق معادلة استعادة كل الأراضي اللبنانية المحتلة للانتقال في تطبيق القرار 1701 من وقف الأعمال العدائية الى وقف إطلاق النار، كما ينصّ القرار نفسه.
ما يحتاجه الكيان ثانياً هو المستلزمات اللوجستية الحساسة والضرورية، وخصوصاً ذخائر القبة الحديدية من صواريخ الباتريوت، وكذلك قذائف مدافع الهاوتزر 155 ملم، التي تنفد يومياً من مستودعاته، وهو مرتهن بالحصول عليها بما تزوّده به واشنطن التي تعاني أصلاً من تراجع مخزونها، بفعل حرب أوكرانيا، كما أوضح بقوة كلام الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ما سبق وقلناه مراراً، عن مأزق هذه الذخائر بالنسبة للغرب كله، وليس لأميركا فقط.
يبقى احتمال ذهاب نتنياهو للحرب بالتصعيد المتسارع وفرضها كأمر واقع، لكن هذا يحتاج الى تجاوب الجيش، ولذلك فإن السباق يدور بين نتنياهو وواشنطن على زر الحرب الذي يبقى بيد الجيش، وما إذا كان صاحب القرار في الجيش ينتقل من يد مساندة خيار الحرب الى يد مساندة خيار الخروج منها، وإلى أي مدى يمكن لفرضيات الحرب أن تتمّ دون التنسيق اللصيق بواشنطن بالنسبة لقادة الجيش، لحسابات محض تكتيكية عسكرية؟
لذلك يبقى حساب المقاومة لقدرتها على ردّ حجر الحرب إلى صاحبها، ولوجود موقف لبناني داعم لحق المقاومة في الدفاع بوجه هذا الخطر بكل ما تملك دون ضوابط أو سقوف إذا وقعت الحرب، كما قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، بعدما أظهرت المقاومة أنها نجحت بإثبات استعدادها لضبط قواعد مساهمتها في إسناد المقاومة في غزة، تحت سقوف تراعي المصالح الوطنية اللبنانية، وهذه المصالح ذاتها تفرض الذهاب إلى الحرب بكل قوة إذا فرضت على لبنان والمقاومة، كما قال السيد نصرالله ايضاً.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى