أولى

الحرب العالمية تشتعل مع نهاية حرب الـ 100 يوم في غزة

‬ د. جمال زهران*

مع فجر يوم الجمعة 12 يناير/ كانون الثاني 2024م، قامت قوات أميركية وبريطانية وبمساعدة عدة دول إقليمية أهمها دولة البحرين، وعبر قواعد عربية (غير محدّدة)، بلغت عشر دول، بالهجوم المكثف على عدة مدن يمنية في صنعاء والحديدة وغيرهما، وذلك رداً على إغلاق اليمن لباب المندب وإعاقة السفن الأميركية والبريطانية وغيرهما، عن الوصول إلى الكيان الصهيوني، باعتبار أنّ ذلك تهديد للملاحة الدولية في البحر الأحمر ومناطق أخرى. وذلك هو ما حدث، والذي ردّت عليه القوات اليمنية فوراً. بإطلاق عدة صواريخ باليستية على باخرتين أميركية وبريطانية في البحر الأحمر، كما أعلنت التحدّي بعدم الخضوع أو التراجع اليمني عن الدعم والمساندة للقضية الفلسطينية وشعب غزة. وأن اليمن لا تزال وستظلّ ولن تتراجع عن دفاعها عن فلسطين، ولا تزال تشترط ضرورة وقف العدوان الصهيوني على شعب غزة والانسحاب الكامل من غزة، وبدون ذلك كحدّ أدنى، ستستمرّ اليمن في غلق باب المندب، واستمرار منع وصول أيّ سفينة صهيونيّة أو غيرها، إلى الموانئ الصهيونية، على الإطلاق، وستستمرّ في قتالها ضدّ العدوان الصهيوني في ميناء «أم الرشراش» (إيلات)، وغيرها حتى يتراجع الكيان الصهيوني عن عدوانه البربري.
لكن يلاحظ أنّ ما قامت به أميركا وبريطانيا، ضدّ اليمن هو عدوان بربريّ، أيضاً يخدم العدو الصهيوني، ويؤكد تحالف الدولتين ومن يتعاون معهما إقليمياً ودولياً، مع هذا العدو، الذي لم يتورّع حتى الآن عن مواصلة العدوان على الشعب العربي في غزة، وقتل الأطفال والنساء والكبار، بنسبة وصلت إلى أكثر من 70% (حوالي 25 ألف شهيد، نحو 100 ألف جريح) فلسطيني، بقلب بارد، وبدعم أميركي/ بريطاني، مباشر لهذا العدو!
نحن إذن أمام مشهد ازدواجي الفكر والسلوك، فهم يدعمون الكيان الصهيوني (أميركا وبريطانيا وبقية أوروبا)، بالسلاح والمال والقوات، وحمايته من الإدانة أو الكفّ عن مواصلة العدوان في مجلس الأمن، وفي الوقت نفسه يضربون اليمن، الذي أعلن مساندته فكراً وممارسة، للشعب الفلسطيني في غزة! أي أنهم في الوقت الذي يدعمون الكيان الصهيوني، ويحولون دون سقوطه وانهياره في مواجهة المقاومة الفلسطينية الباسلة، فإنهم يقفون ضدّ وحش الضرب بالطيران والصواريخ البحرية، وغيرها! من يساند الشعب الفلسطيني في غزة! أيّ ازدواجية يا أميركا؟! أيّ إرهاب تمارسه أميركا الصهيونية وتدعمه أوروبا وفي المقدمة بريطانيا وألمانيا وفرنسا، وإيطاليا؟! ولا شكّ في أنّ هذه الممارسة الأميركية البريطانية بالهجوم الإرهابي على اليمن، ما هو إلا دعم للكيان الصهيوني، وإعطاء الضوء الأخضر له، لاستمرار «الإبادة الجماعيّة» ضد الشعب الفلسطيني في غزة، تمهيداً حال نجاحهم – وهو مستحيل – الانتقال إلى الضفة الغربية، لاستمرار مسلسل التهجير إلى مصر والأردن، بدعم من دول عربية مباشرة أيضاً! فأين العدل والعدالة يا أميركا؟!
إنّ أميركا منذ عام 1945م، وحتى الآن، فهي صانعة الإرهاب، وراعيته حتى على أرضها (لنتذكر أحداث 11 سبتمبر 2001م!)، وتصنع الحروب وتفتعلها، ثم تديرها، لكي تظلّ الرأسمالية المتوحشة في الغرب الاستعماري مستمرة وقوية، وفي استقواء دائم ضدّ بقية العالم. والآن تدير العالم نحو الحرب العالمية الأولى في القرن الحادي والعشرين، بدأتها باستفزاز روسيا، لتبرز الحرب في أوكرانيا مرة أخرى في 24 فبراير 2022م، بعد الجولة الأولى عام 2014م، وضمّت روسيا – التي تتحدّى أميركا وسيطرتها على النظام الدولي، منطقة بحيرة القرم. وقبلها واقعة الحرب الدولية في سورية، والمستمرة حتى الآن! ثم انفجار الحرب الصهيونية على غزة، وتحريك الأساطيل الأميركية إلى المنطقة لحماية الكيان الصهيوني من الانهيار، بعد «طوفان الأقصى»، في السابع من أكتوبر 2023م، والمستمرة حتى الآن وقد تجاوزت المئة يوم الأولى. والآن ومع مرور المئة يوم في حرب غزة، تفاجئ أميركا وبريطانيا، العالم بضرب اليمن والعدوان عليها، وهو عدوان غير شرعي، كمحاولة لـ «تأديب» اليمن على فعلته في مساندة الشعب الفلسطيني!!
فماذا تبغي أو تهدف أميركا من وراء هذا الهجوم البربري والإرهابي، على اليمن؟!
لا شك في أننا نستطيع أن نرصد عدداً من الأهداف، العاجلة والآجلة، ومن بين الأهداف العاجلة فهي تتمثل في:
1 – إرهاب اليمن بالسير في خيارها المقاوم، ودعم فلسطين وشعبها في غزة، والرجوع عن غلق باب المندب أو العدوان على السفن الأميركيّة وغيرها، والتراجع عن ضرب السفن التي لا تذعن لإرادة اليمن، والذاهبة لدعم الكيان الصهيوني.
2 – إرهاب وتخويف الأطراف الفاعلة في مقاومة العدو الصهيوني، في جنوب لبنان (حزب الله)، وفي جبهة الجولان، وفي الجبهة العراقيّة، بعدم الاستمرار في خيارتها ضد الكيان الصهيوني، وإلا تعرّضت للضرب المباشر، مثل اليمن.
3 – إرهاب وتخويف إيران، الراعي الرسمي، لدول محور المقاومة، والداعمة لجميع فصائل المقاومة (حماس – الجهاد – وغيرهما).
4 – إرهاب المقاومة الفلسطينية، ومحاولة تخويفها، للاستسلام لمبادرات الحوار والتهدئة مع الكيان الصهيوني وبشروطه المدعومة أميركياً وإقليمياً!!
أما الأهداف الآجلة فهي:
1 -تخويف الصين وروسيا، من المنافسة مع أميركا وأوروبا، في الإقليم العربي والشرق أوسطي، إصراراً منها على احتكار الإقليم، نفوذا وموارد، لصالحها أي لصالح الاستعمار الأميركي والأوروبي، وإلا فإنّ الحرب العالمية هي الحل!!
2 – تمكين الكيان الصهيوني من السيطرة على الإقليم، بالوكالة عن الاستعمار الأميركي الأوروبي، واستمرار المشروع الصهيوني، حتى النهاية (سيطرة صهيونية استعمارية مقابل استسلام عربي وشرق أوسطي كامل)!
– إلا أن القراءة الدقيقة لواقع الميدان في الإقليم، تشير إلى فشل كل هذه الأهداف، فالمقاومة مستمرة، حتى الانهيار الكامل للكيان الصهيوني، وإعلان الفشل الكامل للمشروع الاستعماريّ، وإتمام تحرير فلسطين كاملة من النهر إلى البحر، دون نقصان، ولا وجود للكيان الصهيوني في الإقليم العربي للأبد. تلك هي حكمة الميدان، بعد أن أصبح القرار في الميدان، كما قال السيد حسن نصر الله، ويؤكده دوماً في كل خطبه، والنصر للمقاومة…

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس، جمهورية مصر العربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى