الوطن

اتحاد الصحافيين السوريين نظم ملتقى حول «دور الدولة في الإعلام مستقبلاً» / العميد طارق الأحمد حاضر عن «العقل الجمعي والإعلام»: ليكن جسر تواصل بين الدولة والمجتمع بشقيه الداخلي والمغترب وعندها يكون للإعلام دوره البنّاء

عقد اتحاد الصحافيين السوريين ملتقى حول دور الدولة في الإعلام مستقبلاً، بمشاركة العميد في الحزب السوري القومي الاجتماعي طارق الأحمد، وعدد من الخبراء والمسؤولين في مجال الإعلام السوري، وقد نوقشت خلال الملتقى تحديات الإعلام الرسمي مستقبلاً ورفع التوصيات الإصلاحية إلى القيادة السياسية.
وقد شدّد الأحمد في مداخلة له بعنوان: «العقل الجمعي والإعلام» على ضرورة سن تشريعات جديدة تقوم على إشراك المجتمع بشقيه في الداخل والاغتراب الكبير، في حالة تكاملية مع حرص الدولة على الخط الوطني والقومي في مواجهة الآلة الإعلامية الضخمة الغربية والعربية الناطقة باسم الغرب والمعادية لمصالح الأمة.
وجاء في مداخلة العميد طارق الأحمد:
حين نضع الهدف بأن يصبح لدينا إعلام مجتمع يمارس دوراً إيجابياً في إطار الدولة فلا بدّ من مناقشة الحقائق التالية:
هل نستطيع في الإعلام محاكاة العقل الجمعي للناس فعلاً وليس للسلطة، لكي يقتنع المجتمع ببنوته لهذا المنتج، لأنّ أسهل ما يفعله المجتمع اليوم هو التجاهل، وهو ردّ الفعل الطبيعي الذي علينا التعاطي معه بجدية، وهو أنّ مجتمعنا لا يشاهد إعلامنا…
إذا اقتنعنا بوجوب كسب رضى الناس وليس المسؤولين، سنصبح أمام تحدّ كبير وهو إطلاق نظرية إعلام جديدة كلياً، نعلم في الوقت الراهن بأننا غير قادرين حتى على إطلاق دراسة جدية وعميقة ومقنعة تخصها، وذلك لأننا نتعاطى مع مفهوم الدولة على أنه كيان إداري ضخم يختلف عن المجتمع، ولا بدّ من تغيير هذه النظرة كلياً لدى الجهاز الإداري في الدولة قبل أن نطلب التفاعل من الناس.
قبل إبداء أفضل أنواع حسن النوايا اللفظية أو بالشعارات اتجاه المجتمع، علينا أولاً أن نعرف وحدة مجتمعنا مكانياً، فهل هو حقيقةً مقتصر على مساحة الدولة جغرافياً؟ أم يشكل الاغتراب الكبير في العالم اليوم الجزء الأكبر والقادر على التأثير والتأثر المتبادل، وذلك بداهةً بسبب تطور وسائل التواصل الاجتماعي حيث تكون الغلبة والتفوق في هذا المجال هو للأقوى تكنلوجياً ومادياً والأكثر حريةً وهو الأهم.
الأكيد أنّ مؤتمراً جيداً كهذا يمكن أن يشكل منصة لتكوين قناعات ومناقشتها اتجاه فكرة تكوين إعلام جديد كلياً يربط المجتمع بالدولة ولكن واقعياً فهذا الأمر يتطلب ورشات عمل عقلية تخصصية معمّقة وطويلة تقوم على تشريح الواقع والإمكانات بدقة وإسهاب علميين وتطلع بعمق على النظريات العالمية، وعدم التعاطي باستسهال كما يجري حالياً مع الآلة الإعلامية الضخمة المرتبطة بالغرب، وهي التي نجحت في التغوّل على مجتمعاتنا وسحبها بشكل شبه كلي، وهنا أذكر أنّ الجميع تقريباً يحفظ عن جوزيف غوبلز وزير إعلام الرايخ الثالث مقولته «اكذب اكذب حتى يصدقك الآخرون» وكأنها طرح تمّ تجاوزه من الماضي لكن قلّما يتمّ التطرق إلى نظريته الأهمّ والتي تعتبر العمود الفقري للإعلام الغربي والعربي الغربي طبعاً (كإمبراطورية mbcا) والتي تقول بوجوب بناء 80% من المحتوى الإعلامي على أساس الترفيه والجذب لأجل إيصال الـ ٢٠% الباقي الحاوية على المحتوى الوطني السياسي الفعّال.
الآن إذا اعترفنا بأنّ أهمّ تحدّ مطلوب من الإعلام داخلياً ويعيد الثقة للمجتمع هو تحدّ الفساد، لكن الشعبوية فقط هي تلك الحالة التي تطلب من الإعلام أن يتحوّل إلى مهرجانات للفضائح والمزايدات والتشفي حتى لو كان من فاسدين فعلاً، في الوقت الذي يستطيع الإعلام أن يلعب دوراً غير مسبوق في إعادة بناء الاقتصاد الوطني المهدم كشريك فاعل ومتفاعل مع إعادة البناء وليس على صيغة برامج أو ريبورتاجات مختصرة أو شبه مصنعة وفق منظومة محاباة أو خوف أو عدم فهم أو اختصاص أيضاً كما يجري حالياً، والأصحّ هو الانتباه إلى إحدى الكلمات التوجيهية للرئيس الأسد حين تشكيل إحدى الحكومات السابقة حيث دعا إلى أن تنقل المشاريع الكبيرة في الدولة كلها لتناقش على الإعلام قبل إقرارها لتتحوّل حقيقةً إلى ورشة تفاعلية دائمة ما بين أصحاب الاختصاص والمبادرات الفذة في المجتمع كما عرفناه (أيّ في الداخل والاغتراب) والدولة وتسحب الكثير من الذرائع المتكررة من أعضاء الحكومة التي تغطي نقص الكفاءات والفشل والعجز بذريعة نقص الموارد المزمنة، فيتحوّل هنا الإعلام إلى جسر تواصل حقيقي ما بين المجتمع بشقيه الداخلي والمغترب من جهة، والدولة من الجهة المقابلة، وحينها فقط يمكن ان نقول بأننا أصبحنا أمام إعلام يساهم بدور بناء في بناء الاقتصاد والدولة، ويسهم بشكل مطلق في الشفافية ومكافحة ليس فقط الفساد، المعروف على أنه رشوة أو سرقة مال عام، بل الفساد الأخطر منه بكثير وهو عدم العمل والإنتاج والإهمال والإعراض عن تبني الإبداع، لصالح الاستتباع والسطحية والحالات التافهة التي غايتها هي طمس الجيد لاستمرار السيّئ وهذا أصبح المرض الأخطر والغير مدرك والذي لا يفلح معه أنزه جهاز قضاء أو تفتيش، وهنا فقط يكون التميّز الكبير للإعلام في إظهار قدرة المجتمع على المحاكمة بمعناها الإيجابي المستقبلي وليس التشفي بالماضي.
ان الطريق المزمع سيره بين أبناء المجتمع والدولة هو المحك الحقيقي الذي يمكن إعادة نمذجة طرفي المعادلة عليه وفق أسس جديدة ومستحدثة، ويبدأ من القطع مع الظواهر السائدة في اعتبار الكثير من الناس أنفسهم رعايا وغير معنيين بالشأن العام، وهذا هو الدور الذي يلتزم الإعلام الفذ باستكشافه واستقصاء ظواهره وتحويل ما يُقال في الدوائر الضيقة، إلى حديث لا يخجل المتحدث من إعلانه أمام الناس، وبهذا المقياس المعياري فقط، نستطيع أن نقيس مدى تعاطي المجتمع مع الإعلام، ليكون الفرق هو بين إعلام يعبّر عما في داخل المجتمع ولا يعبّر بدلاً عن المجتمع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى