أولى

مشروعية ووحدانية التمثيل

‬ سعادة مصطفى أرشيد*

فيما تقترب حرب تشرين الثانية من شهرها الرابع لتكون أطول الحروب التي خاضتها الأمة والعالم العربي مع دولة الاحتلال، يتحرّك العالم مشاركاً في هذه الحرب كل على طريقته الولايات المتحدة وحلف الناتو أي المحور الغربي ومَن يدور في فلكهم يدعم «اسرائيل» بالسلاح والخبرة والمعلومات والغطاء السياسي والإعلامي، فيما آخرون من أطراف المحور ذاته يكتفون بالصمت السلبي على ما تقوم به «إسرائيل» من مجازر وجرائم تصل الى مستوى الإبادة الجماعية. وبين معسكر مقابل سبق له ان دعم غزة ومقاومتها في التسليح والتدريب وفي نقل التكنولوجيا ولا يزال يدعمها إنْ في المشاركة بالحرب بطريقة مشاغلة (الاسرائيلي) في الجليل، كما تفعل المقاومة اللبنانية، أو بضرب القواعد الأميركية و(الإسرائيلية) في العراق وشرق الفرات وصولاً إلى الأردن، كما تفعل المقاومة العراقية، او بعرقلة المصالح العالمية في البحر الأحمر كما تفعل بلاد اليمن السعيد، إضافة الى آخرين يقومون بأدوار مشكورة بالتوجه الى المحافل الدولية لفضح جرائم الاحتلال، كما في حالة دولة جنوب أفريقيا وذلك برفعها دعوى ضد دولة الاحتلال لدى محكمة العدل الدولية تتهمها بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية المكتملة الأركان، وتقف الى جانبها دول عديدة بما فيها تلك التي تبتعد عن غزة آلاف الكيلومترات مثل إندونيسيا في أقصى الشرق وفنزويلا في أقصى الغرب وما بينهما.
ولكن دول قريبة في المكان وشريكة في الهدف والحدود والمصير والتاريخ والمستقبل والمصالح الحقيقية كما هي شريكة في عضوية النظام العربي (جامعة الدول العربية) تقف بين مشاركة لدولة الاحتلال في عدوانها بمشاركتها في الحصار او بصمتها وتطبيعها وإبراهيميتها وبين عاجزة او وسيطة. وكان الأولى بهذه الدول أن تقوم وتبادر بما قامت به وبادرت إليه دولة جنوب أفريقيا.
اما الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني فلا نكاد نراه وإن رأيناه فلا نرى منه إلا انتقاداً معلناً أو مضمراً للمقاومة. بعض أركان السلطة ورجال الصف الاول فيها يتهم المقاومة بالإرهاب والتطرف، فيما يرى بعض آخر أن لا علاقة لمنظمة التحرير الفلسطينية وللسلطة الفلسطينية بما يجري في غزة وفي حرب المقاومة مع دولة الاحتلال، فيما آخرون يتهمون المقاومة بأنها مقاومة مغامرة تسببت هي لا (الإسرائيلي) بالمجازر والهدم والدمار الذي لحق بغزة وأهلها ويحمّلونها مسؤولية الدماء التي أزهقت حتى الآن أرواح ما يقارب 30,000 شهيد وتدفقت من 70,000 جريح، ولا نرى لهذه السلطة أثراً أو أنها تبذل جهداً في حماية الشعب الفلسطيني لا في غزة ولا في القدس ولا في الضفة الغربية، وهي تشترط للحوار مع مَن يعارضها الالتزام بشروط الرباعية الدولية التي هي شروط «إسرائيل» والتي تتضمّن نبذ العنف أي التخلي عن المقاومة والتنكّر لها والالتزام بالاتفاقيات المذعنة التي عقدتها قيادة منظمة التحرير مع دولة الاحتلال والتي أثبتت الأيام ولا زالت تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنها أوصلتنا إلى هذا الحضيض الذي نعيش فيه في الضفة الغربية ولم تستطع أن تحمي القدس أو أن تمنع التغوّل الاستيطاني ولا أن توقف الاجتياحات والاقتحامات لمناطق نفوذها وكان آخرها ما جرى أول أمس الثلاثاء في مستشفى ابن سينا في جنين، حيث دخلت القوات الخاصة (الإسرائيلية) متنكّرة بملابس النساء والأطباء لتُعدم بدم بارد ثلاثة شبان أحدهم يعاني من شلل نصفي.
نسمع ما تردّده أخبار السلطة الفلسطينية في رام الله بما فيه ما تراه الإدارة الأميركية من وجهة نظر تختلف عن وجهة نظر الحكومة (الإسرائيلية) التي لا تريد أن تتعامل مع السلطة الفلسطينية خارج إطار التنسيق الأمني والإدارة المدنية للسكان. والأميركي يتذكر بين حين وآخر حل الدولتين. بالطبع وهو غير جاد في ذلك ويتحدّث عن ضرورة إجراء إصلاحات في السلطة الفلسطينية من أجل إعطائها دوراً في إدارة غزة بعد انتهاء الحرب، وهو اليوم الذي تفترض الإدارة الأميركية أن المقاومة لن تكون موجودة فيه وأن «إسرائيل» تكون قد حققت انتصارها.
فأي إصلاح ممكن ان يأتي على يد الإدارة الأميركية؟ وهل تستطيع السلطة المتماهية مع النظام العربي المتهالك أن تعيد إنتاج نفسها بعدما حققته غزة ومقاومتها من صمود وبسالة أبهرت العدو قبل الصديق وأعلنت من خلالهما إفلاس ذلك النظام؟
منظمة التحرير الفلسطينية وابنتها السلطة الفلسطينية في رام الله ليست وثناً يُعبد أو بقرة مقدسة لا تمسّ؛ وهي لا تستطيع الاستمرار بالادعاء بوحدانية التمثيل الفلسطيني إلا بقدر التزامها بمصالح الفلسطينيين وقدرتها على قيادتهم نحو العودة والتحرير.

*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير
ـ جنين ـ فلسطين المحتلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى