نقاط على الحروف

هل المجازر بديل الحرب الكبرى لاستدراج وقف الحرب؟

ناصر قنديل

المجزرة الأكبر خلال العدوان على غزة وقعت أمس، وحصدت ألف ضحية مدنية بين شهيد وجريح، ولا قيمة لمحاولات التبرؤ منها والحديث عن تسبّب التدافع بهذه المذبحة مع ظهور صور المئات من المصابين بالرصاص وقذائف الدبابات، وشهادات شهود العيان التي توثق كيف فتحت قوات الاحتلال النار من مدافع الدبابات والرشاشات الثقيلة على المواطنين الذين تجمّعوا حول شاحنات تحمل الطحين لسكان شمال قطاع غزة.
التساؤل عن تفسير سبب قيام الاحتلال بارتكاب هذه المجزرة، لا يكفي في الجواب عليه العودة إلى الطبيعة الإجرامية لكيان الاحتلال والطابع العدواني لجيشه، ذلك أن حجم المذبحة يؤكد أنها تمّت بقرار، إما من مرجعية سياسية بحجم رئيس الحكومة أو وزير الدفاع على الأقل، أو على مستوى عسكري من رئيس الأركان او أحد أجهزة الأمن أو على الأقل قائد ميداني فاعل من ذوي الرتب العالية.
في ظل العجز الإسرائيلي عن تحقيق إنجاز عسكري رغم التهويل المتكرر بمواعيد يتم تأجيلها للحرب على رفح أو على لبنان، ووجود مسار تفاوضيّ يحتاج الإسرائيلي استمراره حتى لو لم يصل إلى نتائج لتخفيض سقف التوتر، سواء في محكمة العدل الدوليّة ومناقشاتها، أو في القدس والضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948 خلال شهر رمضان. لا توجد وظيفة مفهومة للمجزرة، بهذا الحجم الكبير، فإحدى النتائج الميكانيكية المحتملة هي وقف المقاومة للمسار التفاوضيّ احتجاجاً، والحديث عن دور رادع للمقاومة أو ضاغط عليها لتخفيض سقف مطالبها، أو الرهان على دفع شعبها لتغيير خياراته عبر ضغط المجازر، أمور تمّ اختبارها وجاءت النتائج عكسية خلال خمسة شهور.
في سياق مشابه كانت المجازر الدراماتيكية المبرمجة، طريق استدراج وقف النار عبر الإرادة الدولية. ففي عام 1996 عندما فشل العدوان على لبنان في تحقيق أهدافه وبقيت صواريخ المقاومة تتساقط على مستوطنات الشمال، ارتكب جيش الاحتلال مجزرة قانا، ليفتح الطريق لقرار بوقف الحرب، على خلفية بنود تفاهم نيسان التي كان يصعب تسويقها دون الربط بينها وبين المجزرة والضغط الدولي لوقف الحرب بأيّ ثمن، واحتمال ان يكون طرف فاعل سياسياً او عسكرياً في الكيان قد اختار المجزرة كطريق للدفع نحو مناخ مشابه يبقى احتمالاً قائماً مع فشل محاولات استدراج مشروع لوقف الحرب عبر تكبير حجمها وتوسيع مداها من بوابة جبهة لبنان، لتضيع الهزيمة الإسرائيلية في قلب حرب كبرى.
ثمّة احتمال آخر هو أن يكون جيش الاحتلال فقد تماسكه كجيش نظامي منظم، وصارت قياداته الميدانيّة تحت تأثير حالة هيستيرية ظهرت في مقتل الجنود الأسرى الذين هربوا من أسر المقاومة، كما ظهرت في قصف دبابة إسرائيلية شاحنة إسرائيلية محملة بالمتفجّرات والجنود، والتسبب بمقتل وجرح 36 ضابطاً وجندياً، وليس هناك ما يمنع أن يكون الاهتراء والتفكك الذي أصاب الجيش بفعل الإنهاك والصدمات النفسية والهزائم، سبباً لارتكاب مجازر من هذا النوع الذي عرفته الحرب العالمية الثانية بإحراق قرى ومدن على أيدي القوات النازية دون صلة لذلك بمفهوم الحرب أو تعليمات القيادة السياسية أو العسكرية.
في الحالتين تؤشّر المجزرة إلى أن الكيان وجيشه في مرحلة شديدة الخطورة، قد تشهد مزيداً من التصرفات الجنونية والهيستيرية، بقرار ومن دون قرار، وهناك كلام كثير عن أعمال عدوانيّة نحو الجيش المصريّ والجيش الأردنيّ وربما نحو السعوديّة، يتداول بها الضباط الكبار في جيش الاحتلال المعنيون بجبهة الجنوب وجبهة الشرق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى