أولى

مآل غزة العزة… بين فشل الدبلوماسية واستمرار المقاومة

‭}‬ د. جمال زهران*

أخيراً… أعلن رسمياً أنّ المفاوضات قد فشلت.. وانسحبت الأطراف من لقاء القاهرة، وعاد الجميع إلى أدراجهم، وكلّ على نيته ومطالبه! هكذا توقعنا في المقال السابق، بأنّ الفشل هو مصير هذه المفاوضات. فالأطراف يقفون وظهورهم في مواجهة بعضهم البعض، بمعنى أنّ كلّ طرف له مطالبه في مواجهة الآخر، ولا تلتقي هذه الطلبات! ومن ثم فإنّ الرهان على أي نتيجة من أيّ مفاوضات جارية ـ توقفت أو استمرت ـ هو رهان خاسر على كافة الأصعدة. لأنه مهما كانت النتيجة، فإنّ العواقب ستكون وخيمة على الجميع، ولذلك فإنّ استمرار المقاومة هي الحلّ السحري، مهما كان الثمن والتضحيات، لأنّ في استمرارها زخماً شديداً على المستوى العالمي، الذي يمثل أقوى آليات الضغوط على النظم الحاكمة في العالم، وخصوصاً عالم الغرب الاستعماري، وبالتبعية احتمالات إسقاط النظم الحاكمة في الإقليم، أصبحت كبيرة!
إذن… فإنّ غزة لم تعد منطقة جغرافية، أو قطعة من أرض فلسطين المحتلة، بل إنها حالة صمود أسطوري غير مسبوقة في التاريخ، راح ضحية العدوان الصهيوني ما يزيد عن 100 ألف شهيد وجريح، يمثل الأطفال والنساء، وكبار السن أكثر من 72%، وتلك هي أمّ الجرائم في التاريخ المعاصر، بل جريمة إبادة جماعية (Genocide)، متكاملة الأركان، ووفقاً للمرئي والمسموع، وعلى الهواء مباشرة، وأقرّت ذلك محكمة العدل الدولية، حكماً في الدعوى التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا، وليست دولة عربية أو إسلامية!
وأيضاً، فإنّ «غزة» أصبحت رمزاً للعزة والكرامة، ورمزاً للإصرار والصمود، من أجل التحرير والاستقلال لدولة فلسطين المحتلة. ولذلك فإنّ صمودها الذي تجاوز الـ 150 يوماً مستمرة، وتجاوزت تحمّل أشهر خمسة وبدأ الشهر السادس، وسط صمت دولي مشين، وتآمر عربي وإسلامي، عبر نظم حاكمة أغلبها «عميلة» للاستعمار الأميركي والأوروبي الداعم للكيان الصهيوني. ومن أسف فإنهم بدلاً من مساندة ودعم وحماية شعبنا العربي في فلسطين وفي غزة خصوصاً الآن، فإنهم يدعمون الكيان الصهيوني بصورة فجة وفاجرة، يندى لها الجبين. إلا أنها بهذا الصمود، أضحت أيقونة للحرية، وللأحرار في العالم. ولذلك فإنّ «غزة العزة» هي التي تحكم العالم والإقليم الآن، وستقود برمزيتها إلى إعادة هيكلة النظام الدولي، والنظام الإقليمي (العربي والشرق أوسطي). ولن يمرّ عام 2024م، إلا وسنجد قطع «الدومينو».. قد تدحرجت على من خانوا القضية، وعلى من خانوا غزة العزة، وسنجد أنفسنا أمام عالم جديد وإقليم جديد.. بأشخاص جدد.. وغداً سنرى. وهنا لا بد أن نسجل بوضوح المجرمين بأشخاصهم الذين يقودون الحرب ضدّ الشعب الفلسطيني في غزة. وهم:
1 ـ المجرم/ جو بايدين – الرئيس الأميركي.
2 ـ المجرم/ ريشي سوناك – رئيس وزراء بريطانيا.
3 ـ المجرم/ إيمانويل ماكرون – رئيس فرنسا (الأسوأ استعمارياً).
4 ـ المجرم/ أولاف شولتز – مستشار ألمانيا (رئيس الوزراء).
5 ـ المجرمة/ جورجيا ميلوني – رئيسة وزراء إيطاليا.
6 ـ المجرم/ بنيامين النتن-ياهو (رئيس وزراء الكيان الصهيوني- وعصابته الحاكمة المتوحشة).
وهؤلاء وغيرهم ـ الأقلّ أهمية ـ من حكام محسوبين على العرب والمسلمين، يبذلون كلّ الجهود والإمكانيات، من أجل دعم الكيان الصهيوني، ونصرته، وإبادة الشعب الفلسطيني، وزيادة تمكين هذا الكيان من المنطقة، وذلك استمراراً للوظيفة الاستعمارية التي خلق لأجلها. ونذكر بالهدف الاستعماري وراء إنشاء هذا الكيان، وهو عدم تمكين المنطقة العربية من الوحدة، وعدم تمكينها من تحقيق التقدّم واستعادة زمام المساهمة في الحضارة الإنسانية. إنّ الاستعمار استهدف من وراء غرس هذا الكيان، الحفاظ على استمرار نهب موارد المنطقة، وخاصة البترول والغاز، وذلك بأبخس الأثمان، ولذلك فهو يخلق حكاماً تابعين وخانعين، ومطيعين، ينفذون ما يؤمَرون به، وإلا فإنّ جزاءهم الاغتيال، والانقلاب عليهم من رجال جدد، يدينون بالولاء للمشروع الاستعماري!
وقد أردت ذكر المجرمين الستة، بأسمائهم، ليكونوا في الذهن العربي والإسلامي، ربما يأتي يوم ما، لمحاكمتهم وإخضاعهم لعدالة آتية بإذن الله.
ومن الغرائب المستجدة، هي، أنّ بايدن ـ الرئيس الأميركي المجرم ـ وهو يتحدث في خطاب «حالة الاتحاد»، (الخميس 7 مارس/ آذار)، بأنه متأثر بما وصلت له الأمور في غزة، ويسعى لتقديم المساعدات لأهل غزة، عملاً بالمثل العربي (يقتله ويمشي في جنازته!) فهو القاتل والداعم لعصابة الكيان الصهيوني، ثم يتظاهر بالمساعدة! والأغرب أنه يعلن إنشاء ميناء أميركي في غزة، ليؤكد تورّطه في الحرب على غزة! ويتظاهر أنّ الهدف هو تقديم المساعدات! وتلك هي المأساة التي نعيشها في زمن الغرائب فعلاً. وعلينا الانتباه لكلّ ما يُحاك ضدّ الشعب الفلسطيني في غزة. فالأمر جدّ خطير، فلا مجال لمفاوضات عبثية، أثبتت الأيام فشلها، فالمقاومة هي الخيار لتحرير فلسطين من النهر إلى البحر.
بيد قوية تستمر المقاومة، واليد الأخرى ندرأ المخاطر، ومن أهمّها ورقة المفاوضات العبثية. فالمستعمرون يصرّون على حماية الكيان الصهيوني واستمراره كمشروع لهم، ولذلك فلا سبيل ولا خيار سوى المواجهة والمقاومة العسكرية، حتى يرتدع هؤلاء ويرحل المستعمر عن بلادنا الممثلة في فلسطين، وغيرها في سورية والعراق وليبيا واليمن، والسودان. وما يخططون له، بشأن غزة، لتمكين سلطة أوسلو، بالتعاون مع الكيان الصهيوني، وبغطاء عربي، مآله الفشل، شريطة استمرار المقاومة، وزيادة وتيرتها، وتوسيع المواجهة على الساحات، لإجبار العدو الصهيوني على الرحيل…
ختاماً، كلّ المؤشرات تؤكد اقتراب لحظة النهاية بانهيار الكيان الصهيوني الآن، بعد دخوله مربع التفكك، وأنّ زيادة جرعات المقاومة، هي السبيل لتسريع التفكيك والانهيار للمشروع الاستعماري، وإجبار الاستعمار الأميركي والأوروبي، على الرحيل من منطقتنا العربيّة، تمهيداً لإعداد المسرح نحو تقدّم عربي وإسلامي، بإذن الله.

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس، جمهورية مصر العربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى