آخر الكلام
أنطون سعاده ناقداً وأديباً
الياس عشّي
الحلقة الخامسة
وضع أنطون سعاده للأدب السوري وظيفة سياسية، وأخلاقية، واجتماعية، ورفض أن يقتصر هذا الأدب على الإيقاع والصورة وحدهما، أو أن يبقى أسير المناسبات الفردية، أي أسير أدب المناسبات.
كما أنه زاوج بين العلم والفنّ، أي زاوج بين الدقّة العلمية وبراعة التصوير، دون أن يختلّ التوازن بينهما. والدكتور شوقي ضيف الناقد المصري المعروف، يقول في هذا المجال:
«إذا كانت العلوم تنظم حياتنا المادية، فإنّ الفنون تنظّم حياتنا المعنوية».
وأنطون سعاده كاتب مقالة نقدية من الطراز الرفيع، ولكن لنفهم ذلك لا بدّ من فتح قوسين لنتعرّف على المقالة:
المقالة فنّ من فنون الكتابة. والمقالة، كما حدّدها النقّاد، قطعة إنشائية ذات طول معيّن، تبحث في موضوع واحد، تصلح للقراءات السريعة، نشأت مع نشوء الصحافة.
ومقالات سعاده، وخاصة في كتابه «الصراع الفكري في الأدب السوري» اكتملت فيها شروط المقالة النقدية؛ فهي قصيرة، وتصلح للقراءات السريعة، وتبحث في موضوع واحد.
إلى كلّ ذلك كان سعاده في مقالاته، محايداً، وصارماً، وقاطعاً في رأيه، فلا يمرّ حدث أدبيّ إلّا ويكون له بالمرصاد؛ ففي سنة 1932 ألقى ميخائيل نعيمة في بيروت خطاباً، جاء فيه:
« إنّ القوّة في الأمم العاجزة المستغنية عن التسلّح، وأنّ الضعف هو في الأمم المستكثرة من آلات الحرب»!
رفض سعاده هذا النوع من التنظير، واتهم صاحبه بالصوفيّة الهدّامة، وأعلن بوضوح: «إنّ ما يتحدث عنه – نعيمة – قد نبذته سورية، ولا تفكّر في جعله مثالاً أعلى لها».
ولا يغيب على أحد المقاربة التامة بين ما قاله نعيمة، وما ردّده «پيير جميّل» بعد نصف قرن: «إنّ قوّة لبنان في ضغفه».