مقالات وآراء

«إسرائيل» وتداعيات استمرار حرب غزة

‭}‬ د. حسن مرهج*‬

بصرف النظر عن الضغوط السياسية التي تتعرّض لها «إسرائيل» من قبل المجتمع الدولي، بغية إجبارها على إيقاف الحرب، والانصياع لمبادرات وقف إطلاق النار، إلا أنّ صانع القرار الإسرائيلي يتأرجح بين أمرين، أحدهما الاستمرار بالعمليات العسكرية في غزة ورفح ضمن الواقع الحالي، والآخر الذهاب بعيداً في الحرب حتى تحقيق الغايات الإسرائيلية والمتمثلة بالقضاء على حماس بشكل كامل، ومن ثم الذهاب نحو تسوية سياسية لا تكون حماس طرفاً فيها، وبين الخيارين ثمة تأكيدات لما كان يردّده نتنياهو حيال ضرورة الوصول بالعملية العسكرية إلى حدودها القصوى، وذلك للوصول إلى الرهائن من خلال العمل العسكري، والقضاء على عناصر حركة حماس، وتالياً تفعيل خيار المفاوضات مجدّداً، لكن وفق الشروط الإسرائيلية.
واقع الحال يؤكد بأنّ التخبّط «الإسرائيلي» والمرتبط بحالة السخط في داخل «المجتمع الإسرائيلي» نتيجة استمرار الحرب، هي تأكيدات على التخوّف لدى صانع القرار «الإسرائيلي» بأنّ استمرار العمل العسكري قد لا يؤدّي إلى الوصول إلى المحتجزين، لكن ترجمة ذلك تأتي دائماً في سياق توسيع الحرب من أجل الوصول إلى الأهداف، وفي ظلّ رفض عربي وغربي للإجراءات التي تُقدم عليها الحكومة الإسرائيلية، والتصميم على إتمام مسار الحرب، فإنّ ذلك سيفاقم المشكلات الإقليمية والدولية تجاه قادة «إسرائيل»، وربطاً بذلك فإنّ تجاهل «إسرائيل» التنسيق الأمني مع مصر، وبناء الرصيف البحري، والتخطيط للمنفذ الجوي أيضاً، كلّ ذلك يؤكد ما هو آتٍ من خيارات إسرائيلية متعددة تركز على البعد العسكري والأمني دون التفاف للتهدئة برغم ما يطرح في الوقت الراهن من محاولات للعودة للتفاوض تخوّفاً من ارتدادات المواجهة الراهنة.
ليس سهلاً الاتجاه الذي تتخذه الحكومة الإسرائيلية الحالية بقيادة نتنياهو، خاصة أنّ رفض العودة إلى المفاوضات، يعني إسرائيلياً رفض الحديث عن السلام، وهي تعمل «أي إسرائيل» على شراء عنصر الوقت للوصول إلى أهدافها برغم التكلفة التي يدفعها الجمهور «الإسرائيلي» المنقسم ما بين مؤيد ومعارض لما يجري وفي ظلّ حالة من الاحتجاجات والتظاهرات التي لن تتوقف في ظل تزايد حركتها في الساحة السياسية.
الواضح أنّ الغايات الإسرائيلية حيال استمرار الحرب، لا تقف فقط على القضاء على حماس بشكل كامل، بل ثمة غايات إسرائيلية ترتكز على إجراء ترتيبات أمنية على أرضية جديدة، خاصة أنّ عملية شرق رفح لن تستغرق سوى عدة أسابيع لتبدأ بعدها الترتيبات الأمنية، هذا بافتراض انتهاء العمل العسكري، أو تخفيف وتيرته، وفي هذا الإطار لن تقبل الحكومة الإسرائيلية، ولو في المرحلة الأولى أيّ تواجد رمزي للسلطة الفلسطينية، أو من يمثلها في القطاع، وقد تركز بالفعل على حكم العشائر القابل للتطبيق مما قد يولد حرباً أهلية حقيقية في داخل القطاع والضفة معاً، وسيعقد الأمر أصلاً، ويصل بالقضية الفلسطينية إلى حافة الهاوية وإلى خيارات صفرية كاملة.
بحسب تحليلات فإنّ «إسرائيل» في حال أتمّت خياراتها، ولم تعد تتأرجح ما بين خيارات عديدة، وحسمت أمرها في تقرير مصير القطاع، ومن ثم حسم الخطوات العسكرية والأمنية من جانب واحد، لكن ذلك سيلقي بتبعياته المتعددة على الأوضاع في الشمال وخان يونس وربما أيضاً وادي غزة ومناطق الجنوب التي ستظلّ في كلّ سيناريو مركز المواجهة العسكرية التي تتحسّب لها «إسرائيل» جيداً من الآن.
في كل ما يجري، ستعتمد «إسرائيل» خيارات محددة مبنية على خيارات عسكرية طويلة المدى، ولن تعمل على تحقيق مكاسب وقتية فقط، وليس أي حلول سياسية يمكن البناء عليها في ظل ما يجري من تطورات في الداخل الإسرائيلي، وتماسك مكونات الحكومة الإسرائيلية، وعدم وجود بدائل أخرى من الداخل، حيث المعارضة الضعيفة وليس لديها أي فرص حقيقية، وفي أسوأ الحالات ستشمل حكومة شلل وطني لا تملك خياراتها وستكون مرحلة مؤقتة، وليست دائمة ما قد يذهب في ترسيم علاقتها بالجانب الفلسطيني بخيارات أخرى في ظل الوجود العسكري المستمر والمقيم في القطاع، والذي لن يتغير أو يرحل.
من المهم التذكير بأنّ بعض الشخصيات العسكرية السابقة تطالب بإمكانية تنفيذ مهام عملية غزة، والانتقال إلى ترتيب الأجواء في الداخل، والعمل على مساحات كبيرة من الخيارات السياسية والعسكرية معاً ما قد يبقي فرص إجراء الترحيل والترانسفير قائمة، وغير مستبعدة في ظلّ احتمالات العمل والتنسيق مع الجانب الأميركي تأكيد على أمن «إسرائيل» أولاً وأخيراً والتي يوفره الشريك الأميركي، والذي يرتب حساباته أيضاً العسكرية في سياق سيناريوات جارٍ العمل عليها وأهمّها التواجد في جنوب الكيان، وبناء قوة عسكرية كاملة مشتركة تكريساً لتوصيات مجلس العلاقات المشتركة بين البلدين، ولكي يكون نواة بعد ذلك لقاعدة أميركية تتواصل مع القواعد الأميركية في المنطقة، والتي تعمل الإدارة الأميركية على ترتيب مهامها ودورها في إطار القيادة المركزية «سنتكوم» والقيادة الوسطى.

*خبير الشؤون السورية والشرق أوسطية

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى