السيد حسن نصر الله.. والرعب الاستراتيجي لدى الصهاينة
} د. جمال زهران*
من أجمل اللقطات التي تذيعها قناة «الميادين» المقاومة، ذلك الرجل الذي يقول: «حنرجع وحنبنيها تاني…»! الله على الإرادة والإيمان والتقوى والثقة والصمود الأسطوري، وهذه الكلمات هي محور خطاب السيد حسن نصر الله (الأخير)، بعد ظهر الأربعاء 19 يونيو (حزيران) 2024م – للتوثيق – ذلك الذي أسمّيه خطاب: «الردع والحرب والنصر».
ويخطئ من يتصوّر أنّ السيد حسن نصر الله، يعبّر عن الجنوب اللبناني، في مواجهة الكيان الصهيوني، بل هو القائد الفعلي لمحور المقاومة، على الأرض، بينما الراعي الأكبر فيتمثل في الجمهورية الإيرانية. ومن ثم فإنّ الخطاب السياسي للسيد حسن، هو خطاب موجّه للعدو الصهيوني ومن يدعمه، ومن يفكر في التعاون معهم من دول الإقليم مثل قبرص، التي شهدت أراضيها مناورات مع الكيان الصهيوني، استعداداً للهجوم على الدولة اللبنانية، وليس الجنوب فحسب. ولذلك فقد وجّه السيد في خطابه، رسالة قوية إلى قبرص، في حالة استخدام أراضيها لتحرك القوات الصهيونية للعدوان على لبنان، فإنّ حزب الله يعتبرها في حالة حرب، وأنه لدينا من أدوات القوة لضرب قبرص. الأمر الذي سارعت معه قبرص، الحكومة والرئيس، بالنفي العاجل بأنها لن تسمح بأن تكون أراضيها محطة، للمشاركة في الهجوم على لبنان مطلقاً، فضلاً عن الترتيب لزيارة مسؤول كبير من قبرص إلى لبنان، لتأكيد عدم مشاركة قبرص في الهجوم على لبنان، حاضراً ومستقبلاً! ذلك هو «الردع» بعينه، أيّ منع دولة كان من الممكن مشاركة الصهاينة في العدوان على لبنان، تحت ضغوط أميركية، أو أوروبية، وبالتالي أسهم في قصّ أجنحة العدو الصهيوني.
بل إنّ الردع بالنسبة للكيان الصهيوني، أمر مفروغ منه، قولاً وفعلاً على مدار تسعة أشهر منذ بدء عملية «طوفان الأقصى»، وما حدث بعدها من هجوم بربري من جيش الكيان على شعب فلسطين في غزة، تحقيقاً للإبادة الجماعية، وإعادة احتلال غزة، ومن لا يُباد من هذا الشعب، يتمّ ترحيله وإجباره على التهجير القسري إلى أرض سيناء في مصر، على خلفية أوهام إمكانية قبول مصر لذلك، وهو الذي لم يحدث بعد، ولن يحدث.
فالسيد حسن، سبق له أن قال في خطابه الأول والثاني عقب الطوفان، إنّ دخول حزب الله، كجبهة إسناد لغزة، أجبر العدو الصهيوني على توجيه ثلث قواته إلى شمال فلسطين المحتلة في مواجهة قوات المقاومة الإسلامية، وخفّف ذلك، من الضغط الصهيوني على غزة، وأعطى قدرة إضافية على الصمود الأسطوري. وعلى مدار تسعة أشهر تجاوز حزب الله، مرحلة «الردع»، في مواجهة الكيان الصهيوني، حيث لم يتوقف يوماً واحداً على الردّ على أي هجمات صهيونية، والهجوم على قواعده العسكرية بوتيرة منتظمة، كبّدت العدو الصهيوني خسائر ضخمة، مما دعاه للشكوى للست/ ماما أميركا ودولها الحليفة، بالتواصل للضغط على لبنان، ولعلّ في زيارات مبعوث العناية الأميركية للرئيس بايدن (هوكشتاين)، العديدة خير مثال، والتي حملت رسائل صهيونية من النتن/ياهو، بأنه قد فاض صبره، ويهدّد بالهجوم على لبنان!
ولم يلتفت حزب الله، إلى مثل هذه التهديدات، بل قام بالهجوم في سبيلين:
الأول: رسالة «الهدهد»، الذي قام بتصوير نصف الكيان الصهيوني وخصوصاً ميناء حيفا وغيره على البحر المتوسط، والشمال الفلسطيني المحتلّ كله، ونشر ذلك في فيديو لمدة (9) دقائق، تضمّن تصويراً احترافياً لجميع المواقع العسكرية الصهيونية، والتي أصبحت بالتالي أهدافاً قابلة للهجوم عليها وتدميرها، مثلما حدث في المواقع العسكرية التي سبق هدمها على مدار الأشهر التسعة الماضية.
الثاني: نشر فيديو آخر، لشخص لبناني من حزب الله، وهو يتجوّل على قدميه في شوارع ميناء حيفا، الأمر الذي اعتبره الصهاينة أحد الجواسيس، رغم النفي في البداية، وقد عاد سالماً إلى جنوب لبنان.
ومن واقع المتابعة على مدار الأشهر التسعة، فقد بلغت جملة الصواريخ والمُسيّرات التي أطلقت من قوات حزب الله على الكيان الصهيوني، ما يفوق الـ (8) آلاف، بينما تشير المعلومات المتسرّبة والموجودة لدى الكيان الصهيوني، إلى أنّ حجم ما لدى حزب الله من صواريخ حتى الآن يفوق المئة وخمسين ألف صاروخ، من بينها صواريخ طويلة المدى، لم يكشف عنها حتى الآن، ولم تستخدم بعد! وفي يوم واحد، عقب اغتيال القائد الشهيد أبو طالب (طالب سامي عبدالله)، أطلقت قوات حزب الله، ما يزيد عن 150 صاروخاً وفي أماكن عسكرية مؤلمة للكيان الصهيوني، ربما جعلت مَن فكّر في الاغتيال، نادماً على جريمته!
ومنذ اغتيال الشهيد الحاج أبو طالب، فإنّ وتيرة الهجوم تتزايد وبكثافة، وبدون توقف. ولعلّ في إعلان السيد حسن، بوضوح، أنّ جبهة الإسناد، بل كلّ جبهات الإسناد في العراق واليمن، لن تتوقف عن مهاجمة الكيان الصهيوني، ما لم يتوقف عن عدوانه وحرب الإبادة في غزة، وانسحابه منها، والقبول بشروط المقاومة، وهو على ما يبدو صعب التحقيق، والحرب مستمرة!
إذن نحن أمام مشهد تجاوزنا فيه الردع (أيّ المنع والتخويف)، وتجاوزنا فيه الدفاع والهجوم، وأصبحنا أمام مشهد جديد وهو «الحرب الكبرى». فالأميركي والصهيوني، ومن ورائهما حلفاؤهما في أوروبا، يتسوّلون هدنة مع المقاومة الفلسطينية لغلق كلّ الجبهات التي فتحت على الكيان، والأميركي قبيل أقلّ من خمسة أشهر من الانتخابات الرئاسية، ومن مصلحتهم وقف الحرب! إلا أنّ الوقف النهائي للحرب الصهيونية في غزة، والانسحاب الكامل، هو إعلان رسمي بالهزيمة الصهيونية والأميركية. رغم أنّ هناك بعض التصريحات الرسمية، أنّ النتن/ياهو، وبعض قيادات جيشه، يميلون إلى الوقف الجزئي للحرب في غزة، تمهيداً لتوجيه ضربة عسكرية كبيرة للبنان، بهدف شلّ هذه الجبهة، وإيقاف مساندتها لغزة، ليعودوا بعد ذلك لتدمير باقي غزة.
وكما هو ملاحظ، فإنّ كلّ الخيارات أصبحت صعبة أمام النتن/ياهو، وكيانه، وأمام الأميركي، فماذا قال السيد حسن، إزاء ذلك؟ قال بوضوح: إنه بمجرد توافر المعلومات بهجوم صهيوني على لبنان، فإنّ الحرب براً وبحراً وجواً، قد بدأت بدون سقوف، وبدون قواعد اشتباك، وكلّ الأهداف العسكرية وغيرها على مرمى سلاحنا. والنتيجة في تقديري محسوبة للمقاومة، وهو بداية تصفية الكيان الصهيوني فعلياً، لأنّ انهياره قد بدأ بالفعل منذ شهور وقبل الطوفان، وزادت الوتيرة بعده. ويمكن الاستشهاد بتصريحات اللواء إسحاق بريك (مفوض الشكاوى للجنود، السابق)، قال فيها: «إنّ قيام الجيش «الإسرائيلي» بشن حرب على حزب الله هو خطوة بمثابة الانتحار الجماعي، وإن جيشنا صغير الحجم، وهو غير قادر على الفوز حتى في ساحة واحدة، وبالتأكيد ليس في ستّ ساحات في الوقت نفسه. وإنّ الجيش «الإسرائيلي»، يعاني من نقص شديد في الموارد، وخاصة في مجال التسليح، وبالتالي فإنّ الحرب الشاملة، ستجلب الكارثة والدمار لـ «إسرائيل». وهذا التصريح الخطير نقلاً عن «إعلام العدو».
ولذلك فإنّ كلّ مواجهات حزب الله مع الكيان، كانت في صف الحزب وانتصر، وأنّ النصر الكبير آتٍ في معركة التحرير الكبرى، ونهاية الكيان الصهيوني، وهو ما ورد في حديث السيد حسن نصرالله… نصركم الله.
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس، جمهورية مصر العربية.