أولى

مصادفات سموتريتش وموافقات وول ستريت

‭}‬ سعادة مصطفى ارشيد*
نستطيع القول، لا بل التأكيد، إن الدخول “الإسرائيلي” البري لغزة يبدو فاشلاً، فإن دخلت الدبابات المحصنة فهذا أمر طبيعي، ولكنها لا زالت تتعرّض للهجمات ولا زال من فيها لا يجرؤون على النزول الى الأرض التي لا سيطرة لهم عليها. هذا بالإضافة الى الخسائر التي يعترف “الاسرائيلي” ببعض منها وينكر بعضاً آخر. هكذا تكرر “إسرائيل” نفسها وتتصارع رواياتها وتتناقض، فيما تملك المقاومة رواية واحدة يحرص الناطق باسمها على صحتها ومصداقيتها.

تعصف الخلافات بمجلس الحرب “الإسرائيلي” الذي يجتمع بشكل دوري لمتابعة تطورات الحرب وقضية الأسرى الذين بقبضة المقاومة ولاتخاذ موقف تجاه المقاومة اللبنانية المشتبكة معه في مقدار يتصاعد يوماً بعد يوم في الشمال، حسب ما يرد في الخبر “الإسرائيلي” الرسمي. وفي حين يريد معظم أعضاء مجلس الحرب الاشتباك مع المقاومة اللبنانية وتكررت أقوال على ألسنتهم بإطلاق تهديدات للبنان بجعل مصير بيروت كمصير غزة هدماً وقتلاً وإحراقاً، لكن يعارض رئيس الحكومة نتنياهو هذا الرأي التزاماً منه بالرؤية الأميركية التي تعرف أن دخول المقاومة اللبنانية في حرب مفتوحة يعني دخول أطراف أخرى قادرة على أن تسيطر على البحر الأحمر والخليج، وأن حيفا وتل أبيب وغيرهما ستكون أيضاً مثل غزة، إن وقع المحظور، لذلك يأمل نتنياهو أن يستطيع إقناع مجلس حربه بالصبر الى ان تتدحرج الأمور بطبيعتها نحو الحرب الشاملة التي لا بد منها، والتي ستجبر الغرب كاملاً على الانخراط ميدانياً في ساحتها. او بكلام مختصر نتنياهو يريد الدخول في الحرب الشاملة لأنها حسب رأيه الطريقة التي يستطيع من خلالها ان يزج العالم الغربي في أتونها، ولا يبقى هذا الغرب داعماً بالسلاح والسياسة فقط لـ “إسرائيل”، ولكنه يريد ان تكون المقاومة اللبنانية من يبدأها.
تتصارع وتتناقض التقديرات الميدانية “الاسرائيلية”، كذلك الأخبار الواردة من الغرب أو من الدوحة والقاهرة حول وقف لإطلاق النار مع صفقة تبادل محدودة للأسرى وتشمل إدخال مساعدات غذائية وطبية ووقود لغزة، لكن تصوّر “الاسرائيلي” أنه حصل على معلومات حول أماكن احتجاز الأسرى يجعله يتراجع عن عقد الصفقات أملاً بان يستطيع تحريرهم عنوة وبأسلوب هوليودي، ويرى انه بدل ان يدفع أثماناً لتحريرهم بصفقة تظهره ضعيفاً ودافعاً لثمن، فلم لا يكون قادراً بدل ذلك من قبض ثمن تحريرهم بالقوة، ويستعيد بذلك هيبته وقوة ردعه، لكن “إسرائيل” تكرّر ذاتها كما أسلفنا بالفشل اثر الفشل، ويبدو أن مظاهر الضعف قد مسّت حتى قدرتها الإعلامية العاجزة عن تقديم رواية يصدقها المتلقي. ولعل هذا ما حصل ويحصل في مستشفى الشفاء الذي حاول الاحتلال على مدى أكثر من عشرة أيام باعتباره النقطة الأكثر خطورة في غزة وحاول زرع وهم أنه القلعة الحصينة لقيادات المقاومة والمكان الذي يتم احتجاز الأسرى فيه والتي سيمثل سقوطها انتصاراً له، انتصاراً على المرضى والمواطنين العزل من السلاح والطواقم الطبية. والاحتلال لم ولن يجد شيئاً مما ادعاه ولن يصدقه أحد إلا أن ذلك لن يمنع اشخاصاً بحجم رئيس الولايات المتحدة وأمثاله من تقديم شهادات زور لصالح الرواية “الإسرائيلية”.
إلا أن هزات ارتدادية لزلزال السابع من تشرين الأول قد أخذت بالظهور، تتجاوز كثيراً في مساحتها وتغطيتها ميادين القتال لتشمل أطرافاً واسعة من العالم، فاتحة المجال لإعادة رسم الخرائط وإعادة بناء الشرعيات السياسية على قواعد جديدة وضعتها ساعات الحرب الاولى ولا زالت تعزّزها، فيما يحاول “الإسرائيلي” – الغربي واهماً بإمكانية الانتصار وإعداد خرائط مضادة.
تفيد الأنباء ان “إسرائيل” قد تلقت تجديداً للتفويض الأميركي الغربي المفتوح بالاستمرار في حربها ضد غزة والمقاومة على مدى اسبوعين مقبلين، وفي قتل المواطنين الفلسطينيين ودفعهم للنزوح إلى جنوب القطاع تمهيداً لخطوة مقبلة، وهي ترحيلهم الى اطراف العالم الأربعة، على أمل أن تستطيع “إسرائيل” تحقيق شيء من النصر قد يكون بتحرير الأسرى أو بعضهم، وقد يكون بإيقاع ضربات مؤلمة بالمقاومة. ومن الطبيعي أن موعد الاسبوعين هذا سيكون مرشحاً للتمديد، لكن تصريحات وزير الدفاع غالانت الاخيرة ترى ان الحرب قد تأخذ وقتاً أطول بكثير من الأسبوعين وستشمل احتلال كامل 360 كيلومتراً التي تكوّن مساحة قطاع غزة وهي المرة الأولى التي يتحدث فيها مسؤول “إسرائيلي” علناً عن اجتياح جنوب غزة.
يلتقي ما تقدم مع تصريحات وزير المالية “الإسرائيلي” المتطرف سموتريتش الذي لا يريد تهجير الفلسطينيين الى سيناء فحسب، فهي على ما يبدو بالنسبة اليه ليست بعيدة كفاية، ولعلها حسب عقيدته أرضاً يهودية شأنها شأن فلسطين، لذلك يرى وجوب توزيع أهل غزة على دول العالم، وإعداد الأموال اللازمة لهذا البرنامج. واقترح أن تكون استراليا ونيوزيلندا من هذه الدول، باعتبارها الابعد عن غزة وفلسطين.
ترافقت وتوافقت تصريحات وزير المالية هذا مع ما أوردته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية في عددها الصادر الاثنين الماضي، عن خطة بعنوان: إن على العالم ان ينقذ المدنيين في غزه بإيجاد ملاجئ تأويهم في أوطان جديدة غير وطنهم، ترى الصحيفة أن على بلدان العالم ان تتقاسم هؤلاء الغزيين، وتدعو هذه الخطة الى إنشاء برامج سفر منظمة بشكل جيد وذات غطاء دولي، والعمل على إنشاء صناديق تساهم بها الدول الراغبة بالمشاركة. فالأمر لدى اصحاب هذه الخطة يحمل صفة الاستعجال وهو واجب أخلاقي إنساني لإنقاذ المدنيين الأبرياء ولتحقيق قدر أكبر من السلام في الشرق الأوسط.!
فأي مصادفات أم موافقات عجيبة بين الوزير المتطرف وصحيفة وول ستريت جورنال؟
*كاتب سياسي فلسطيني مقيم في الكفير- جنين – فلسطين المحتلة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى