سورية.. القابلة!!
نظام مارديني
لم تخطئ موسكو في قراءتها الأزمة السورية عندما أعلنت بأنها سترسم مسار النظام الدولي الجديد، فحدود الصراع الدولي يبدأ من دمشق مروراً بإيران وينتهي على حدود روسيا التي حذّرت أميركا بأن اللعب مع الدبّ له عواقب خطيرة على جسد العالم. ولكن السؤال هو هل أرادت موسكو الردّ الآن على واشنطن غداة زوال الإمبراطورية السوفياتية، عندما قال جورج بوش الأب «إنه النظام العالمي الجديد»؟
هل نحن أمام حرب عالمية ثالثة من نوع آخر بدأت دموياً منذ سنوات في «سوراقيا» عبر الإرهاب، وها هي تنتهي ساخنة على تخوم بلاد الصقيع، لتؤشر بأن الطريق نحو اجتراح الحلول لا يزال مسدوداً ولا حلّ له إلا «بحروب» محصورة في مناطق معينة كسورية والعراق تحدّد مشروعية رسم خريطة العالم وحدود القوى الكبرى بعدما بات النظام القطبي الواحد آيل إلى الاختفاء مع صعود روسيا والصين.
لطالما اعتبرت الإدارة الأميركية أن موسكو تشكّل الخطر الأكبر عليها وليس «داعش»، في حين حذّر الرئيس الأميركي باراك أوباما من أنه لن يُسمح للصين بأن تكتب قواعد الاقتصاد العالمي، وذلك عقب توصل واشنطن و11 دولة مطلة على المحيط الهادئ إلى اتفاقية تجارة حرة مثيرة للجدل.
وقال أوباما: «عندما يعيش ما يزيد على 95 من مستهلكينا المحتملين خارج حدودنا، فلا يمكن أن نجعل دولاً كالصين تكتب قواعد الاقتصاد العالمي». وأضاف: «ينبغي لنا أن نكتب هذه القواعد، وأن نفتح أسواقاً جديدة للمنتجات الأميركية في الوقت الذي نرسي فيه معايير عالية لحماية عمالنا إلى جانب الحفاظ على بيئتنا».
إذاً، التحذير الروسي لأميركا من مغبة اللعب على أمنها القومي لا يشير إلى مزاح، بقدر ما يؤكد أن موسكو تدرك أن انسحاب القوة الأميركية وبهدوء من الشرق الأوسط لن يكتمل من غير محاولة حصار روسيا عبر أوروبا الشرقية، والتحرّش ببكين عبر بحر الصين، لوضع قدميها في تلك المناطق من دون أي اعتبار للأمن القومي لكل من روسيا والصين.
فالصراع الدولي والمنافسة على مصادر الطاقة والبحار والأيدي العاملة، وتشغيل منظومة الدرع الصاروخي الأميركية في جنوب رومانيا، يأتي في سياق الهجوم التكتيكي الذي تتبعه الإدارة الأميركية عبر الناتو، يخالف بحسب موسكو اتفاقية الحد من الأسلحة الصاروخية المتوسطة المدى، التي وصفته بالقرار الخطأ ومن أنه سيؤثر بصورة مباشرة في أمن روسيا.
واضح من السياق الأميركي أن الضوضاء العسكرية المفتعلة من رومانيا باتجاه روسيا، هي أشبه بحماقة استراتيجية وهي لن تمر بوجود شخصية استخبارية وعسكرية كفلاديمير بوتين الذي قال الناطق بلسانه إن جميع الهيئات المسؤولة عن حماية روسيا ستتخذ كل التدابير لضمان أمنها.
قلنا إنه ومنذ اليوم الأول للحرب الكونية على سورية، فهم أوباما ما يعنيه بوتين حين قال إن قواعد النظام العالمي الجديد تخرج من سورية. لم يفهم ذلك وهابيو الخليج، ولا سلطان زمانه التركي، ولا أصحاب الأدمغة الصدئة لما يُسمّى بـ «المعارضة السوراقية»، بل ذهبوا بعيداً في صناعة الدم هناك.
هنا الواقعية لا الحماقة الاستراتيجية، حين يقول جاك اتالي، إن الشرق الأوسط أرهق حتى الله، فكيف لا يرهق أميركا؟