قمة عربية تختلف عن غيرها
حميدي العبدالله
لا شك أنّ هذه القمة العربية التي تعقد في موريتانيا تختلف عن غيرها من القمم العربية التي عُقدت منذ بداية هذا التقليد بمبادرة من الزعيم الراحل الرئيس جمال عبد الناصر عام 1964.
كانت جميع القمم العربية التي عقدت، باستثناء القمم التي رعاها الرئيس جمال عبد الناصر، مجرد حملة علاقات عامة للرؤساء والملوك والأمراء العرب، ما بعد القمة الوضع العربي يبقى كما كان عليه قبل القمة. أي أنّ قراراتها شكلية، وحتى إنْ كانت هناك قرارات جيدة فإنها لا تجد سبيلها إلى التطبيق.
وبسبب كلّ ذلك لم يعد المواطن العربي في كافة الأقطار العربية يقيم وزناً للقمم العربية، أو يأخذ قراراتها على محمل الجدّ. واعتادت وسائل الإعلام العربية إجراء استفتاءات للمواطنين عند انعقاد كلّ قمة عربية، وكانت الغالبية تجيب أن لا أمل ولا رهان على القمة، وكانت استنتاجات المواطنين العرب تستند إلى تجربتهم الطويلة مع القمم العربية، ولا سيما بعد عام 1970 أيّ بعد رحيل الرئيس جمال عبد الناصر.
ويمكن تقسيم تاريخ وتقييم القمم العربية إلى مرحلتين: المرحلة الأولى الممتدّة منذ عام 1964 أول قمة عربية بدعوة من الرئيس جمال عبد الناصر والتي اتخذت قراراً بتشكيل منظمة التحرير وجيش التحرير الفلسطيني، وكانت آخر هذه القمم قمة القاهرة المكرّسة لوقف الصراع بين الفدائيين الفلسطينيين وحكومة المملكة الأردنية الهاشمية في أيلول عام 1970، إضافة إلى قمة الخرطوم التي عقدت بعد عدوان 5 حزيران 1967 والتي اتخذت اللاءات المعروفة إزاء الكيان الصهيوني.
لا شك ّ هذه المرحلة طغت عليها الإيجابيات أكثر من السلبيات.
المرحلة الثانية الممتدّة منذ مطلع عقد التسعينات وحتى الآن. جميع القمم التي عُقدت في هذه الفترة كانت وظيفتها تمرير السياسات الأميركية في المنطقة، وحتى تمرير سياسات الكيان الصهيوني الغاصب. وكانت جميع القمم في هذه المرحلة موضع رهان من قبل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.
القمة العربية الجديدة التي تعقد في موريتانيا تختلف عن سابقاتها من القمم العربية، فهي بكلّ تأكيد لا تحمل أيّ إيجابيات مشابهة للقمم التي رعاها الرئيس جمال عبد الناصر، وفي الوقت ذاته لم تعد هذه المؤسسة موضع اهتمام حتى من قبل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، ولم تعد الآمال معقودة عليها، لأنّ واشنطن وتل أبيب باتتا على قناعة بأنّ مؤسسة القمة العربية أفلست حتى بالشكل ولم يعد بمقدورها أن تحقق أيّ شيء، بل إنّ رهانهما على الإرهاب والمذهبية أكبر من رهانهما على القمة العربية، ولهذا فإنّ هذه القمة تختلف عن سابقاتها، بما في ذلك القمم التي عقدت طيلة العقدين الماضيين، حيث أنها لم تعد لها أيّ وظيفة بما في ذلك وظيفة خدمة السياسات الأميركية.