بين البشر والمقاومة… الانتصار الفلسطيني الآتي على الصهاينة؟
د. رفعت سيد أحمد
يؤكد المراقبون انّ «إسرائيل» تعيش هذه الأيام حالة من الهلع بسبب تنامي الزيادة السكانية الفلسطينية فقبل قدوم نتنياهو بعدة شهور، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بأنّ ثمة خطراً كبيراً على وجود «إسرائيل» إذا ما ظلت دولة واحدة لشعبين: يهودي وفلسطيني، حيث سيؤدّي ذلك في سنوات قليلة إلى خطر داهم على الهوية اليهودية للدولة، وإلى ذوبان الوجود اليهودي وسط أغلبية سكانية عربية، وأنّ الحلّ وفقاً له هو الفصل الكامل بين اليهود والفلسطينيين، وأنه ليس لديه تصوّر متكامل ودائم في هذا الصدد مضيفاً ومكرّراً تحذيره أنه إذا تعاملت «إسرائيل» مع حقيقة دولة واحدة لشعبين فإنّ هذا سيعجّل بنهاية «إسرائيل» كدولة يهودية وهو ما يعد خطراً لا يمكن لأحد أن ينكر وجوده ومدى واقعيته!
هذه المخاوف التي أطلقها رئيس وزراء الكيان الصهيوني السابق تلقفه خلفه نتنياهو ومعه ليبرمان الصهيوني المتطرف، وبدأوا سياسات عنصرية جديدة تحدّ منها، وهم يعبّرون بمخاوفهم تلك في الواقع عن حقائق على الأرض، تزداد وضوحاً يوماً إثر يوم، وهي تتصل بالأساس بالزيادة السكانية المضطردة للفلسطينيين أو ما أسماه خبراء الاستراتيجيا في الكيان الصهيوني بالقنبلة الديمغرافية الفلسطينية، والتي ستصل في السنوات العشر المقبلة إلى ضعف عدد «الإسرائيليين» المتواجدين بفلسطين نظراً للتوالد الفلسطيني المتنامي في مقابل العقم «الإسرائيلي» المستمر الأمر الذي سيؤدّي إذا ما مارست الإدارة الإسرائيلية الحاكمة الديمقراطية الانتخابية الصحيحة أن يتولى العرب الفلسطينيون حكم الكيان كله، وهو الأمر الذي أزعج كثيراً قادة هذا الكيان فبدأوا ومنذ فترة في التحذير، ثم اتبعوا التحذير بوضع الخطط المسبقة لإجهاض أو استيعاب خطر تلك القنبلة. ولعلّ من أبرز المحاولات التي تمّت في هذا السياق ما اصطلح على تسميته بوثيقة سوفير والمعنونة بـ إسرائيل ديموغرافيا: 2000 ـ 2020: مخاطر واحتمالات والتي انتهت بعد دراسة موسعة وموثقة نشرت عام 2000 إلى أنّ 42 فقط من اليهود، مقابل 58 من العرب، سيعيشون في المنطقة الواقعة بين الأردن والبحر في سنة 2020، من مجموع 15.2 مليون نسمة، لذلك استنتج محذراً أنه من دون الفصل، سيختفي الكيان الصهيوني عن الخريطة خلال سنوات؟!
وواضع هذه الوثيقة هو أرنون سوفير أستاذ الجغرافيا في جامعة حيفا وصديق د. سعد الدين إبراهيم الباحث الاجتماعي المصري المعروف والمتهم شعبياً في العديد من قضايا التخابر لمصلحة أميركا و«إسرائيل»، ولقد بدا سوفير منتشياً أمام كاميرات التلفزيون أثناء استعراض استنتاجاته في الكنيست، بدعوة من «لجنة الخارجية والأمن البرلمانية»، وبموجب «هآرتس»، فقد اقتنع رئيس اللجنة عضو الكنيست دان مريدور بأنّ المعطيات الديموغرافية تلزم «إسرائيل» بالانفصال عن المناطق، وسريعاً، وقيل وقتها إنّ شارون آمن بهذه النتائج ومعه وزير الدفاع آنئذٍ بنيامين بن اليعازر، وأنه يحتفظ بهذه الدراسة في مكتبه بالوزارة بهدف العمل على تطبيقها، بل إنّ أعضاء «مجلس الأمن القومي» برئاسة الجنرال عوزي ديان، اصطحبوا سوفير بعد أسابيع من نشر الدراسة في جولة الى مناطق «خط التماس» في منطقة المثلث ووادي عارة، «ليروا عن قرب كيف شُطبت الحدود بين «إسرائيل» والضفة الغربية، وكيف أنّ الفلسطينيين من المناطق يزحفون نحو «إسرائيل»، وأنّ البناء غير القانوني يغمر المنطقة» وفقاً لصحيفة هآرتس الصهيونية!! وتوالت الدراسات حتى يومنا هذا 2016
عبر هذه البوابة – التهديد الديموغرافي الفلسطيني – دخل عضو الكنيست حاييم رامون، المبادر الى تأسيس «الحركة من أجل الفصل أحاديّ الجانب»، الذي توصل إلى أنّ سوفير متفائل بالقياس بالباحث «الإسرائيلي» في الديموغرافيا، البروفيسور سرجيو دي لا فرغولا، الذي يتوقع أغلبية عربية في البلاد في مرحلة مبكرة
وصار على درب هؤلاء عشرات السياسيين والكتاب الصهاينة، وجاء وعد بوش الشهير عام 2005 حول يهودية إسرائيل ليؤكد ويحسم الخيار الإسرائيلي بالفصل العنصري عن العرب الفلسطينيين والذي أكده على الأرض بناء الجدار العازل الذي انتهوا من بنائه تقريبا .
هذه النهايات كانت قد سبقتها تأكيدات خطيرة فنعود إلى التاريخ لنجد أنه في شباط/ فبراير 2001 بادر «المركز متعدّد المجالات» في هرتسليا وهي مؤسسة بحثية حديثة العهد نسبياً، احتضنت مختلف الجنرالات المتقاعدين من الجيش أو الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وعدداً كبيراً من «خبراء» الصراع والأساتذة الجامعيين، وأقامت لهم «مركزاً لدراسة الإرهاب»، وبات من أهمّ المراكز البحثية، في تطلع واضح للتأثير على صانعي القرار في «إسرائيل» ، إلى عقد مؤتمر دراسي – سياسي بتطلعاته تحت عنوان «ميزان المناعة والأمن القومي»، بمشاركة مجموعة كبيرة من الشخصيات السياسية والأمنية والأكاديمية هذه التلخيصات في باب الوثائق الإسرائيلية ، وأمام عدد كبير من قادة «إسرائيل» السياسيين والعسكريين وقتها من شارون وبيرس وباراك، مروراً بنتنياهو وموفاز، وانتهاءً بأفرايم هليفي رئيس «الموساد» خرقتها ، أطلق سوفير تحذيراته السافرة مرة أخرى، من أنّ «الساعة الديموغرافية حول إسرائيل تتسارع بوتيرة الفهد، بينما يتسارع اتخاذ القرارات القومية بوتيرة السلحفاة، في أحسن الأحوال»!، وكان يقصد بالطبع تزايد نسبة المواليد العرب في الأرض المحتلة عام 1948 وخارجها، واستنتج ما يلي: «بإمكان النزاع أن يتواصل، لكننا نتناقص مع المزولة الساعة الرملية الديموغرافية، لذلك يجب على إسرائيل اتخاذ قرار شجاع وصعب للغاية، والمبادرة بفصل أحادي الجانب». وهو ما يتمّ الآن بخطى حثيثة ووفق خطط سرية وعلنية.
ولعلّ المؤتمر المشبوه في أنابوليس وقبله خارطة الطريق وما يجري هذه الأيام من مبادرات فرنسية ـ عربية للتسوية البائسة، يقدّم أمثلة على هذه الخطط العنصرية للفصل، يتمّ فيها حبس الفلسطينيين في معازل كبيرة في مساحة لا تزيد عن 9 من مساحة فلسطين التاريخية والغريب.
المحزن أو اللافت للانتباه أنّ السلطة الفلسطينية برئاسة أبو مازن أضحت اليوم تسير في فلك وثيقة سوفير القديمة السالفة الذكر بل وتدعمه وبقوة بعد الانفصال الحاصل بينها وبين حماس، وصار ما يقوله بعض القادة الاسرائيليين أقرب إلى قلب أبو مازن مما يقوله العرب أو أشقاؤه الفلسطينيون، وفي المقابل توالت الضغوط الأميركية لتنفيذ هذه المخططات على الأرض، وذلك من خلال سياسة مزدوجة، فالإدارة الأميركية من ناحية تحاصر الفلسطينيين وتدعم عملية قتلهم وتبارك بناء المستوطنات والجدار العازل وتدعم وبقوة مادياً وعسكرياً «إسرائيل»، وهو أمر بالطبع ليس جديداً وهو قديم قدم نشأة هذا الكيان الدخيل في بلادنا، ولكن وتيرة المساعدة الاقتصادية تزداد اليوم وبقوة، وانّ ما أطلق اوباما بعض التصريحات المريحة نفسياً للعرب من قبيل إيقاف الاستيطان وحلّ الدولتين وغيرها من بالونات الاختبار التي لا تفيد، ومن ناحية أخرى تقدّم أميركا اوباما ومن قبل اميركا بوش -للعرب وعودا شفوية بأنّ ثمة أملاً في بناء دولة فلسطينية قابلة للحياة، ولا يحاول الحكام العرب خاصة حكام الدول المسماة بالمعتدلة تفحص حقيقة هذه الوعود الأميركية وكيف ستقيم العدل وتعيد الحقوق للشعب الفلسطيني مع هذا الكمّ والنوع من المساعدات التي تقدّم للكيان الصهيوني وأيضاً وهي تدفعه إلى مزيد من التوسع والإستيطان. ولنتأمّل فقط وعلى سبيل المثال حجم ونوع المساعدات الأميركية التي قدّمت ولا تزال لـ«إسرائيل»، ثم بعد قراءتها دعونا نسأل هل دولة تقدّم كلّ هذه المساعدات قادرة أو حتى راغبة على فرض حلول عادلة على «إسرائيل» كي تنشأ دولة فلسطينية قابلة للحياة.
انّ «إسرائيل» تحصل الآن على 3 مليارات دولار سنوياً وهو رقم يمثل سدس ميزانية المساعدات الخارجية الأميركية يرتفع الرقم إلى 4 مليارات إذا أضيفت إليه ما تحصل عليه «إسرائيل» خارج الميزانية
وبالإضافة إلى تلك المساعدات فإنّ «إسرائيل» تحصل ـ من خلال تأثير اللوبي اليهودي في أميركا ـ على قرابة ملياري دولار سنوياً من الأفراد والهيئات الخاصة ، نصفها منح نقدية والنصف الآخر لشراء سندات خزينة «إسرائيلية».
أمام هذه الحقائق التي تكشف كمّ ونوع المساعدات الأميركية لـ«إسرائيل» والتي تتزايد يومياً حتى في عهد أوباما وستزداد في عهد ترامب العنصري المقبل بقوة رغم أنف المساعدات الخليجة السخية لمنافسته هيلاري كلينتون… وهل يمكن أن نأمل خيراً في ضغوط أميركية على تل أبيب كي تحاول أن تُهدي أبو مازن ما تسمّيه بـ دويلة قابلة للحياة ، وإذا أضفنا إلى ذلك الهلع الصهيوني من القنبلة الديمغرافية الفلسطينية الأمر الذي دفعهم إلى مزيد من القهر والعدوان والعنصرية الدامية تجاه الفلسطينيين، هل نأمل أن يتجه هذا الكيان إلى أيّ حلّ عادل للصراع إلا إذا خضع لعامل ضغط آخر حقيقي وواقعي تناساه العرب واسمه المقاومة بمعناها الشامل السياسي والاقتصادي وليس العسكري فحسب، تساؤل لحكامنا اصحاب مبادرات السلام الجدية والقديمة الخائبة؟