لماذا يعادي بعض العرب إيران… هل من أسباب مقنعة؟
هشام الهبيشان
غير عاقل مَن لا يؤمن بأنّ إيران الثورة ورغم كلّ الضغوط والعقوبات التي تعرّضت وتتعرّض لها قد أصبحت قوة إقليمية داخلياً وخارجياً، وغير عاقل كذلك من يراهن على أنّ الضغوط الأخيرة على إيران ستكون قادرة على إسقاط إيران الثورة، «فدعكم من جعجعة ترامب وبعض العرب»، وهنا وليس بعيداً عن مسار الضغوط الأخيرة على إيران فقد لاحظنا، أنّ بعض العرب ما زالوا يذهبون بعيداً في خطابهم العدائي تجاه إيران الثورة، وهم بخطابهم هذا يمارسون أدواراً مختلفة ويتبعون معايير ومعطيات تاريخية خاطئة.
وعلى رغم كلّ هذه المعطيات والمعايير المزدوجة التي يمارسها بعض العرب والتي تحرف مسار البوصلة الحقيقي لطبيعة وأصل الصراع في المنطقة المتمثل بوجود سرطان خبيث يسمّى «الكيان الصهيوني المسخ»، هناك جملة من الوقائع المحقة التي يتغاضى العرب عن التساؤل حولها، في إطار علاقتهم مع الإيرانيين ومناهج سلوكهم في التاريخ الحديث، فلماذا صمت بعض العرب عقوداً من الزمن أمام أجندة ومشاريع شاه إيران محمد رضا بهلوي الذي كان يجسّد فعلياً شرطي المنطقة؟ وماذا قدّم بعض العرب لإيران منذ 1979، أيّ منذ إعلان انتصار الثورة فيها؟ ألم يرسل بعض العرب، منذ ذلك الحين وحتى اليوم، الكثير من الرسائل التي تظهر سوء نواياهم؟ ألم يشنّ بعض العرب عشرات الحروب الأمنية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية على طهران، أسوأها الحرب الإعلامية التي تحرّض علناً على إيران الشعب والدولة، فتكفِّر الإيرانيين وتشتمهم؟ ماذا يتوقع بعض العرب من الإيرانيين أن يقدّموا لهم بعد كلّ هذا؟
من حقّ كلّ عربي أن يسأل عمّا قدّمه العرب إلى الإيرانيين منذ انتصار الثورة، وهنا لن نفتح ملفات الماضي ولن نتحدث عن الحرب العراقية ـ الإيرانية وعن الذي كان سبباً في إشعال فتيلها، سنتجاوز كلّ ذلك ونذكّر بواقعة تاريخية وهي أنّ البحرية الإيرانية سيطرت على الجزر الإماراتية «طنب الكبرى» و«طنب الصغرى» و«أبو موسى» في تشرين الثاني 1971 أيّ في عهد الشاه، كما سيطرت على المناطق الحدودية وهي قوس الزين وبير علي والشكرة عام 1972. ثم بدأ الصدام العسكري بين إيران والعراق وازدادت الاشتباكات على الحدود وزاد نشاط الحركات الكردية المسلحة في الشمال، وبعد وساطات «عربية» وقعت العراق وإيران اتفاق الجزائر عام 1975 واعتبر على أساسه منتصف النهر في «شط العرب» هو خط الحدود بين إيران والعراق، ونصّ الاتفاق على وقف دعم الشاه للحركات الكردية المسلحة في شمال العراق، وهنا نلاحظ أنّ معظم هذه الملفات عالقة بين العرب وإيران منذ عهد الشاه، أيّ قبل الثورة الإيرانية، علماً أنّ معظم القادة العرب كانوا حينها حلفاء نظام بهلوي.
ويعلم جميع المؤرّخين، وخصوصاً لفترة العقد السادس والسابع من القرن العشرين، أنّ نظام الشاه كان يؤدّي فعلياً دور الشرطي في المنطقة والإقليم، برضى عربي وإقليمي، وسبق له أن خطط لبناء وتجهيز مفاعلات نووية ولم يثر ذلك حفيظة بعض العرب، كما هي حالهم اليوم.
وانطلاقاً من هذه الوقائع، نسأل: لماذا يفتح بعض العرب اليوم ملفات الماضي مع إيران بعد الثورة، متناسين ما جرى في عهد الشاه؟ يرى البعض أنّ ذلك يعود إلى عوامل سياسية وإيديولوجية، ليس أولها ولا آخرها اتهام بعض الأنظمة العربية طهران بأنها تسعى إلى تصدير ثورتها إلى شعوب المنطقة!؟
نسأل أيضاً: ماذا نسمّي اشتراك بعض العرب في الحصار المفروض على طهران منذ 40 عام؟ في أيّ خانة نضع صبّ الزيت على النار الذي كان يمارسه بعض العرب خلال صراع العراق وإيران؟ لماذا أيّدت بعض دول الخليج ودعمت سياسة تجويع الشعب الإيراني من خلال «حرب النفط» وتخفيض أسعاره في شكل متلاحق، والذي وصفه أحد المسؤولين الخليجيين «بالأداة الناجعة ليثور الشعب الإيراني ضدّ دولته؟
إضافة إلى ذلك، وقف بعض العرب في خندق «إسرائيل الصهيونية» التي احتلت أراض عربية وهجّرت وقتلت شعوب المنطقة، ويدعون «إسرائيل» إلى ضرب مصالح إيران النووية، كما أنهم يمارسون التحريض الطائفي والمذهبي عبر وسائل إعلامهم.
هل المطلوب من الإيرانيين أن يصفقوا لبعض العرب وهم شركاء في حصارهم وتجويع أطفالهم؟ هل المطلوب أن يصمتوا وهم يرون بعض العرب في خندق واحد مع أعدائهم؟ هل يريد بعض العرب من الإيرانيين أن يصمتوا وهم يسمعون ويشاهدون كيف يستخدم بعضهم منابر الدين والإعلام كحديقة خلفية للتحريض على الإيرانيين وتكفيرهم وشتمهم؟
الجواب باعتقادي، انه لن يصمت الإيرانيون حيال كلّ ما يجري، ولن يسمحوا لبعض المتطرفين العرب والإيرانيين كذلك بتمزيق المنطقة وتقسيمها وإدخالها في صراعات جاهلية «صراع فارسي ـ عربي»، «سني – شيعي» خدمة لمشاريع التفتيت والتقسيم التي ترسم لها.
ختاماً، فإنّ مجمل هذه الأسئلة في رسم بعض الأنظمة العربية وبعض العرب، فهذه الأنظمة لها أجندة خاصة ترتبط بمشاريع صهيو- أميركية تستهدف إشعال التناقضات المذهبية والدينية في المنطقة والإقليم، لإشاعة الفوضى وخلق صراع مذهبي وعرقي تستفيد منه بتقوية أعمدة حكمها، من خلال تخويف شعوبها من خطر يستهدفهم من الخارج، وهذا ما يتمّ بالفعل في هذه المرحلة، ومع ذلك ثورة إيران الإسلامية انتصرت، وتوّجت إنجازاتها بصمودها الأخير أمام الهجمة الصهيو أميركية الأخيرة، وهذا ما يستدعي من بعض العرب مراجعة حساباتهم ونواياهم تجاه إيران، فالوقت يمضي سريعاً، ويجب تصحيح أخطاء الماضي.