حتمية انتقال محور المقاومة من الدفاع إلى استراتيجية الهجوم

جمال رابعة

كنت قد كتبت بتاريخ 27/12/2014 مقالاً بعنوان «أذرع الإرهاب الأميركي من روسيا إلى سورية»، وختمته بسؤال: هل سنشهد تغيّراً في قواعد الاشتباك والانتقال من الدفاع إلى الهجوم من قبل الدول المستهدفة؟

لقد شهدنا تطورات في الأحداث والمستجدات الإقليمية والدولية في المواجهة بين حلف المقاومة والحلف المعادي الصهيو- أميركي، وما عكسه واقع المواجهات بعد حادثة اغتيال شهداء حزب الله والجنرال الإيراني على أرض الجولان في القنيطرة، فها هي القناة العاشرة «الإسرائيلية» تعلن أنّ «إسرائيل» بعثت رسائل تهدئة إلى إيران وحزب الله، عبر روسيا، تؤكد فيها أنها غير معنية بالحرب وأنّ حزب الله سيردّ على هجوم الجولان لكن لا أحد في «إسرائيل» يعرف متى وأين وكيف سيردّ. فيما نقلت القناة «الإسرائيلية» الثانية عن مسؤولين أميركيين أنه سيكون من الصعب الاعتماد على نتنياهو في المستقبل.

إنّ استراتيجية الكيان الصهيوني تتلخص في إطالة الأزمة السورية وتعطيل مفاوضات النووي الإيراني، ومن هنا نفهم التنسيق الكبير والدعم اللامحدود للعصابات التكفيرية وعلى رأسها «جبهة النصرة» فرع القاعدة في بلاد الشام. وفي السياق ذاته ليس خافياً على أحد أن وجود تعاون استخباراتي بين أنظمة ومشيخات وممالك الخليج وأجهزة استخبارات العدو الصهيوني وأدواتهم من قوى الإرهاب التكفيرية داعش والنصرة وغيرهما ، وقد قدمت تلك القوى معلومات من خلال رصدها تحركات حزب الله في القنيطرة.

هذه الأنظمة لم تعد تمثل إرادة ومصالح الشعب العربي، وهي التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع الكيان الغاصب وتستمد قوتها وشرعيتها من حكام تل أبيب، وهذا ما أكده الرئيس بشار الأسد في لقائه مع مجلة «فورن أفيرز» الأميركية، حين قال: إنهم يقدمون الدعم للجماعات المسلحة في سورية… هذا واضح تماماً كلما حققنا تقدماً في مكان ما، يقوم «الإسرائيليون» بالهجوم من أجل التأثير على فعالية الجيش السوري… هذا واضح جداً ولذلك يسخر بعض السوريين ويقولون: كيف يزعمون أنّ القاعدة لا تملك قوات جوية… في الواقع لديهم قوات جوية هي القوات الجوية «الإسرائيلية».

أما استراتيجية الرئيس الأميركي باراك أوباما، فهي استراتيجية الوقت لتحقيق المصالح، وتهدف في الدرجة الأولى إلى استنزاف أعدائه في الشرق الأوسط، وهنا يلتقي الهدف الصهيوني مع الهدف الأميركي في استنزاف محور المقاومة، لكنه يختلف معه في أهداف أخرى، فالرئيس الأميركي يريد أن يقول للشعب الأميركي، ولأسباب انتخابية رئاسية قادمة، أنه جنب الولايات المتحدة حروب الآخرين وقامت العصابات التكفيرية من «داعش» و«نصرة» بهذا الدور، وأنه استطاع خلال هذه المرحلة أن يطوي صفحة مع كوبا طال فيها الصراع مع هذه الجزيرة المقاومة في وجه الإمبريالية الأميركية. كذلك يحاول أوباما أن يطوي صفحة الملف النووي الإيراني من أجل هذه الأسباب وغيرها، وتالياً لن يسمح لنتنياهو والكيان الصهيوني بإشعال الحرب تتورط فيها أميركا، بحكم تبنيها المطلق لهذا الكيان الغاصب فتغوص في رمال متحركة، لا تعرف ولا تستطيع أن تقدر نتائجها.

وفي هذا السياق، كانت هناك محاولات توسط من الأميركيين ومن قادة الصهاينة لدى الروس للتخفيف من ردّة فعل حلف المقاومة على العملية الغادرة لهذا العدو في القنيطرة، ولهذه الأسباب ذهب الوزير الصهيوني المتطرف ليبرمان إلى موسكو للتوسط، فعاد بخفي حنين.

جاء البيان رقم 1 للمقاومة مزلزلاً في شبعا في عملية نوعية تمّ فيها استهداف موكب عسكري «إسرائيلي»، كما أعلن أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله أنّ قواعد الاشتباك مع الاحتلال سقطت وسنردّ من دون تردّد وأنّ المقاومة الإسلامية لا تعنيها أي قواعد اشتباك ولم تعد تعترف بتفكيك الساحات والميادين ومن حقها الشرعي والقانوني الردّ.

وأعلن قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري، من جهته، أنّ على كيان الاحتلال أن ينتظر الردّ التالي على غارة القنيطرة. مضيفاً: الردّ سيكون ساحقاً وأكثر قوة ولن يكون فقط عند حدودهم بل في أي مكان يتواجد فيه صهيوني أو أحد من أتباعهم.

وأكد نائب قائد الحرس حسن سلامي، بدروه، أنّ إيران تحضر نفسها لحرب مع القوى الكبرى، لافتاً إلى أنّ الكيان «الإسرائيلي» أصغر من أن يشكل تهديداً لإيران، وما تشهده ساحات القتال على هذه العصابات التكفيرية في سورية والعراق والتقدم الذي يحققه الجيشان السوري والعراقي وانتصاراتهما ضدّ قوى الإرهاب والتكفير، يؤكد بالدليل القاطع أنّ هناك انتقال لحلف المقاومة من التكتيك الدفاعي إلى استراتيجية الهجوم. وانتصارات الجيش العربي السوري في الحسكة ودير الزور والقامشلي وفي عين العرب وفي ريف الرقة وحلب والجنوب السوري، دليل على ذلك لأنه مهما كانت تكاليف الحرب بالنسبة إلى الدولة السورية، فهي بكلّ الأحوال والظروف أقلّ كلفة من الوضع الراهن. أما بالنسبة إلى إيران والتيار المحافظ، فإنّ كلفة أي حرب أفضل من صعود الليبراليين المتفقين مع الإدارة الأميركية، أما روسيا فإنّ أي حرب قادمة لن تكلفها أكثر مما كلفها هبوط أسعار النفط الموجه من قبل الإدارة الأميركية وبالتنسيق مع السعودية والذي كان له الأثر البالغ على اقتصادها. ويعتبر حزب الله أنّ أي حرب ستكون كلفتها أقلّ من خسارة مصداقيته أمام جمهور المقاومة ومحبيها في العالم العربي والإسلامي.

يقول السيد نصر الله في الخطاب نفسه: «إنّ هذه الثلة من الشهداء شهداء القنيطرة تعبر، من خلال امتزاج الدم الإيراني واللبناني على الأرض السورية، عن وحدة القضية ووحدة المصير ووحدة المعركة التي عندما جزأتها الحكومات والتيارات السياسية والتناقضات والانقسامات، دخلنا زمن الهزائم في الستينيات وعندما وحدها الدم من فلسطين إلى سورية إلى لبنان و إيران وإلى كامل المنطقة، دخلنا زمن الانتصارات».

باعتقادي في ما يتعلق بملامح المواجهة، وحتى يستكين الذيل ويتوقف تماما ًعن الحراك، فإنّ ضرب رأس الأفعى المتمثل بهذا الكيان الغاصب يجب أن يكون من ضمن الأجندات الرئيسية في برنامج عمل جبهة المقاومة خلال المرحلة القادمة.

وفي انتظار البيان رقم 2 الصادر عن المقاومة الشعبية لجبهة الجولان، وهذه المرة من أرض الجولان. بيان سيكون صفعة شديدة على الوجه الصهيوني، لا سيما بعد إنهاك كلابه المسعورة من قوى الإرهاب والتكفير، وتالياً تحرير الجولان كلّ الجولان، ومن أجل بناء قاعدة قوية من المقاومة الشعبية تضمّ الأحرار من العرب والمقاومين الشرفاء في العالم لتحرير فلسطين كلّ فلسطين.

عضو مجلس الشعب السوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى