خيارات جنبلاط الخاطئة…
جمال العفلق
لم يخف زعيم المختارة موقفه من الحرب على سورية ولم يتردّد في اعتبار عناصر «جبهة النصرة» ثواراً، مطلِقاً تطمينات للداخل اللبناني، وكاد أن يصف «النصرة» و«داعش» بالحملان الوديعة، وساعده في ذلك شركاء له في الفريق السياسي الذي ينتمي إليه.
ولأنّ لجنبلاط خصوصية مذهبية بحكم الانتماء إلى طائفة الموحدين الدروز، كان هذا الشهر حافلاً بالمواقف والتصريحات، وخصوصاً تلك التي تتناول الشأن السوري، والموحدين الموجودين في سورية الذين طالما حاول جنبلاط التحدّث بِاسمهم، من دون تكليف منهم، ولكنه اختار ادّعاء ذلك، ورغم كلّ الودّ الذي قدّمه إلى «النصرة» وما يقول عنه إنه «جيش حرّ»، إلا أنّ هذا الودّ سقط في ريف إدلب في لحظة جنون الموت التي خطفت عدداً من أبناء الطائفة الذين وثقوا بعهد مَن ليس لهم عهد، لتزداد النقمة على جنبلاط في جبل العرب ليس بسبب جريمة «النصرة» في قلب لوزة، بل بسبب تبريره البارد للجريمة واعتبارها عملاً فردياً يجب ألا يأخذ أبعاداً أكثر من ذلك.
لم يستطع جنبلاط في حينه اتهام الدولة السورية بالجريمة، لأنّ «النصرة» اعترفت بها، ثم ادّعت وبناء على تعليمات المشغّلين، أنها ستقوم بمحاكمة الفاعل، وبالتأكيد لن تفعل… فالتونسي القاتل أهمّ بالنسبة لها من ألف ممّن تعتبرهم «كفاراً».
مع تحرك الجبهة الجنوبية ومحاولات المرتزقة السيطرة على مطار الثعلة، وهو مطار يقع إدارياً ضمن نطاق محافظة السويداء، انتشرت الأنباء عن مساع قام بها جنبلاط مع الأردن تتضمّن فتح معبر آمن ومعبر سلاح إلى السويداء، شرط عدم التعرّض لكتائب المسلحين، والتصدّي في المقابل للقوات الحكومية، وبهذا تحقق هذه الفصائل سيطرة كاملة على الجنوب السوري، وتصبح الطريق مفتوحة أمام الإرهابيين باتجاه دمشق العاصمة.
لكن الحسابات الدولية فشلت جميعها في الاختبار الأول، حيث كانت معركة مطار الثعلة الرسالة الأوضح من قبل أبناء جبل العرب الذين أكدوا من خلالها أنهم لن يتخلوا عن الدولة والجيش، ولن يسمحوا للفصائل المسلحة التي تتلقى تعليماتها من غرفة «موك» في الأردن من استخدام شبر واحد من أراضيهم لمحاربة الجيش أو الوصول إلى دمشق العاصمة.
لم تنته خيبات الأمل عند جنبلاط و«النصرة» هنا، فبعد حصار قرية حَضَر ومحاولة الاستيلاء عليها وادّعاء «إسرائيل» أنها تدرس مشروع فتح ممرّات آمنة لأهالي القرية ليدخلوا إلى الجولان المحتلّ، كان ردّ شباب الجولان بقطع الطريق على سيارات الإسعاف وإعلان أهالي الجولان وقوفهم مع الوطن سورية، وأنهم بالرغم من الاحتلال الصهيوني إلا انّ ولاءهم للوطن فوق أيّ اعتبار طائفي أو مذهبي.
وهذا بحدّ ذاته هو ردّ آخر كان غير متوقع لا من قبل جنبلاط، ولا من قبل «إسرائيل» على مشروع ما يُسمّى «الحزام الدرزي»، وهو المشروع القديم المتجدّد والذي وقف ضدّه المرحوم كمال جنبلاط، وأفشله مناضلون كثر من أبناء فلسطين المحتلة والجولان المحتلّ والسويداء…
وبربط بسيط للأحداث التي تحدّثت عنها كلّ وسائل الإعلام العربية والأجنبية نجد أنّ جنبلاط، وبسبب التقاء المصالح، قد فتح خطاً ساخناً بشكل غير مباشر، مع الكيان الغاصب، حيث اتضح بعد نشر وثائق «ويكيليكس» السعودية أنّ أكثر الذين يعملون ضدّ سورية في لبنان من سياسيين وإعلاميين هم مجرد موظفين يطلبون التمويل من السعودية وقطر، كما اتضح أنّ طلب الأموال هو شيء عادي وبسيط، وأنّ الأموال التي تدفع لهذه الطبقة السياسية ليست أنظف من تلك التي تدفع إلى قطعان المرتزقة التي تقتل وتنهش لحم السوريين… وليست خيانة القلم والموقف السياسي المباع بأقلّ خطورة من القتل والرصاص.
اليوم، وبعد هذه العاصفة الإعلامية والعسكرية التي انطلقت من الأردن لتحقيق هدف عسكري في الجنوب السوري يغيّر من ميزان القوى على الأرض، واستمرار الأردن في إرسال المرتزقة المدرّبين في محاولة للسيطرة على مدينة درعا بالكامل، قبل التوصل الى الاتفاق النووي بين إيران والدول الست، ولا سيما منها أميركا، كلها محاولات لتغطية فشل السعودية في حربها على اليمن، حيث المشهد العسكري هناك ورغم القصف الجوي الذي يطاول الفقراء والمدنيين ما زال في يد القوى اليمنية الرافضة للهيمنة السعودية، وتغيّر الأوضاع العسكرية في الشمال السوري وسيطرة القوى الكردية على معبر تل أبيض، وكذلك فشل حزب أردوغان في تركيا من نيل الأغلبية التي كان يحلم بها.
كلّ هذا جعل من عملية التواصل مع «إسرائيل» العضو الفاعل في تشغيل العصابات الإرهابية أمراً ممكناً عند أغلب القوى التي ستكشفها وثائق جديدة ستنشر في وقت الاستدارة الأميركية، والتي طالما اتبعتها الإدارة الأميركية عندما ترغب في التخلي عن الحلفاء والعاملين معها حين تقتضي ذلك المصلحة الأميركية.