العلاقات السعودية ـ «الإسرائيلية» من تحت الطاولة إلى التحالف الاستراتيجي 2

رضا حرب

لربما يتساءل أيّ مراقب او مهتمّ بما يجري على ساحة الشرق الاوسط عن التطوّر السريع في العلاقات بين الكيان الوهابي والكيان الصهيوني: هل تجمع الكيانين مصالح مشتركة وعدو مشترك فقط؟ أم انّ هناك مشتركات فكرية تضرب جذورها في التاريخ لم يُسلط الضوء عليها؟ وعندما يتخذ رموز التطبيع المصالح المشتركة والعدو المشترك مبرّراً لتسويق تحالف مع تل أبيب، يدفعنا الأمر للبحث في الأهداف الحقيقية وراء هذا التحالف الاستراتيجي غير المُعلن.

المشتركات الفكرية بين الكيانين

كتب أستاذ العلوم السياسية في جامعة بنسلفانيا الأميركية الدكتور ايان لوستيك Ian Lustick عام 1988 بحثاً شيّقاً جداً بعنوان «لأجل الأرض والرب: الاصولية اليهودية في إسرائيل For the Land and the Lord Jewish Fundamentalism in Israel» يسلط فيه الضوء على نمو التطرف الديني في الكيان الصهيوني، والمبادئ السبعة التي يستند إليها رعاة ودعاة الفكر التلمودي في التعاطي مع «الآخر».

1 – تفوّق اليهود «شعب الله المختار» يحاسِبون ولا يُحاسَبون.

2 – لا سلام مع الغوييم الآخر – عليهم ان يختاروا بين القتل او الرضوخ لقوانينهم السلام بالقوة ضمن شروطهم .

3 – الدولة اليهودية النقية بدون كفار هي دولة الله.

4 – العهد مع الله – يمثلون الله على الأرض وما يفعلوه بتخويل من الرب.

5 – قتل الغوييم الآخر دليل على الإيمان ويقرّبهم الى الرب.

6 – الله خلق الغوييم كي يخضعوا لحكمهم.

7 – وضع الرب على عاتقهم إصلاح العالم.

من خلال تشخيص وتشريح دقيق لسلوك النظام السعودي والعائلة الحاكمة على الصعيدين الداخلي والخارجي وفتاوى رجال الدين الوهابيين وسلوك التنظيمات الإرهابية وهي كلها بلا استثناء وهابية، ومقارنة كلّ ذلك بالعناوين السبعة الرئيسية، سنجد بلا تحفظ انّ الفكر الوهابي لا يختلف عن الفكر التلمودي للأصولية اليهودية، وعلى الأرجح مستوحى منه، كما أنها على الأرجح تشكل الدافع وراء هذا التحالف، او على الأقل دافع إضافي.

الأهداف المشتركة

من وجهة نظري لا يقوم ايّ تحالف استراتيجي بين دولتين او مجموعة من الدول إلا على قاعدة «تحقيق مجموعة من الأهداف الجيوسياسية المشتركة والمتفق عليها ضمن رؤية موحدة». ما هي الأهداف الرئيسية؟

1 ضرب محور المقاومة: عندما اتفق زعماء دول الاعتدال العربي عام 2004 على شرح هواجسهم من «الهلال الشيعي» الى الأميركيين، فضلاًً عن تحريض الولايات المتحدة لشنّ حرب على إيران وسورية وحزب الله، أرادوا في نفس الوقت توصيل رسالة الى المجتمعات العربية تقول انّ الخطر الذي يشكله «الهلال الشيعي» على «الأمة العربية» يفوق الخطر الصهيوني. وما يصوّره إعلام «الاعتدال العربي» لا يختلف عن أدبيات السلفية الجهادية التنظيمات الإرهابية الوهابية ، وفي كثير من الأحيان يتفوّق على الإعلام الصهيوني. طبعاً الجهلة والحاقدون صدّقوا كذبة «الهلال الشيعي» على قاعدة العداء لكلّ ما سواهم. العدو المشترك هو «محور المقاومة» مع انه يضمّ شيعة حزب الله وسُنة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية ـ القيادة العامة وحماس قبل انتقالها الى المحور الآخر وعلمانيين الحزب السوري القومي الاجتماعي .

الإسراف السعودي في تمويل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء لشيطنة إيران وحزب الله وتصويرهما خطراً استراتيجياً وايديولوجياً على «السنة» يضع «إسرائيل» بمقام «الصديق والجار الطيّب» الذي لا يشكل ايّ خطر، وبالتالي التحالف معه لمواجهة العدو المشترك أمر حتمي ومبرّر. ضمن هذه الرؤية الموحدة يعمل الكيان الوهابي على نقل بوصلة الصراع في اتجاه آخر غير الاتجاه الطبيعي، ترتاح «إسرائيل» ويدفع الفلسطينيون الثمن الأغلى.

عندما يعلن أنور عشقي بلا خجل أمام حشد من الصهاينة الأميركيين والإسرائيليين عن «العدو المشترك»، كان في نفس الوقت يعلن عن انتقال العلاقات السعودية الاسرائيلية من تحت الطاولة والغرف المظلمة الى العلن. أنور عشقي ليس أكثر من ساعي بريد.

الحرب على العراق وسورية واليمن في سياق الحرب على محور المقاومة. تدمير سورية لأنها دولة مقاومة وتشكل امتداداً استراتيجياً لإيران وحزب الله، وتقسيم العراق الى ثلاث دول تكون الدولة «السنية» في نينوى والأنبار منطقة فصل تعزل الجناح الشرقي عن الجناح الغربي لمحور المقاومة، فضلاً على ذلك، يكون «سُنَّة» العراق، كما في غير العراق، وقوداً لحروب التحالف الصهيو – وهابي، والحرب على اليمن في إطار «أسرلة» البحر الأحمر لتشديد الحصار على الشعب اليمني المقاوم.

لا بدّ ان نعترف بأنّ السعودية نجحت إلى حدّ ما في تحويل بوصلة الصراع باتجاه غير الاتجاه الطبيعي وهو الصراع مع «إسرائيل». وينبغي علينا ان نعترف انها استطاعت أيضاً إلى حدّ ما خلق انطباع جديد وهو انّ «إسرائيل» ليست عدواً ولا تشكل خطراً على العالم العربي.

2 – توازن قوى جديد: عندما تحدث وزير الخارجية السعودي عادل الجبير عن ضرورة إقامة «توازن قوى» جديد في المنطقة، لم يأخذ أحد كلامه على محمل الجدّ نظراً للعنتريات الفارغة التي يطلقها بين الحين والآخر، والتي تضعه في خانة «أسوأ وأغبى وزير خارجية» في تاريخ المنطقة. توازن قوى جديد بأيّ معنى؟ مع من وضدّ من؟ كان الجبير يلمح الى رؤية جديدة لدى الرياض لتعويض علاقتها بالولايات المتحدة، بمعنى الانتقال من حضن الأصيل إلى حضن الوكيل، ونفهم منها انّ فلسطين مدفوعة على الحساب هي الضحية.

منذ حرب تموز 2006 عمل حزب الله على امتلاك القدرات التي تؤهّله الدخول في معادلة «التدمير المتبادل» والعمل بموجبها في حال وقوع عدوان شامل، واستطاع ان يفرض نفسه كقوة استراتيجية تؤهّله ان يكون لاعباً جيوستراتيجياً على مستوى المنطقة.

في بداية الحرب على سورية عبّر السعوديون عن فرحتهم بـ«تورّط» حزب الله، وظنوا انّ قوته ستتآكل وعدد مقاتليه سيتقلص وجمهوره سينتفض مما يسهل لـ«إسرائيل» «القضاء» عليه، لكن على عكس كلّ التوقعات، فقد استطاع مع حلفائه قلب المعادلة الميدانية، وتجهيز جيش تضاعف مرات، ونجح في اكتساب خبرات هامة في استراتيجية «الردع الهجومي». اليوم، السعودية تطالب «إسرائيل» بشنّ حرب شاملة على حزب الله لإجباره على الخروج من سورية. التخبّط واضح، تعاني من مشكلة في قصر النظر وعمى في بُعد النظر.

بعد فشل التحالف العربي بقيادة السعودية في إلحاق الهزيمة بالشعب اليمني وانتقال المعارك الى داخل المملكة، وبعد عدم استجابة أهمّ دول إسلامية الانضمام الى حلف «منتصف الليل» المعروف باسم «التحالف الاسلامي» «السني»، يعتقد آل سعود انّ التحالف مع «إسرائيل» يمكن ان يعيد للسعودية بعضاً من هيبتها وسيشجع «إسرائيل» على شنّ حرب على حزب الله للإخلال بالتوازنات والمعادلات الجديدة التي فرضتها حرب تموز. ما لا يدركه العقل السعودي يدركه الاستراتيجيون الاسرائيليون. ايّ حرب جديدة مع حزب الله سيكون لها تداعيات جيوسياسية خطيرة على «إسرائيل».

3 شرعنة وجود «إسرائيل»: «إسرائيل» كيان غير شرعي في نظر المسلمين عامة والعرب خاصة وبنظر محور المقاومة تحديداً. وسيبقى كياناً غير شرعي يعيش في خوف دائم على وجوده مهما تعاظمت قوته طالما لا يعترف بوجوده العالم الاسلامي والعربي، خصوصاً المسلمين «السنة». هنا يأتي دور السعودية كزعيمة للعالم الاسلامي «السني» من بوابة الحرمين الشريفين والرشوة وإفساد الأنظمة، لتمنح الكيان الصهيوني الاعتراف الذي تريده. يخطئ من يعتقد انّ إسرائيل تريد اعترافا مجردا من «الحق التاريخي». السعودية ستمنحها الاعتراف بأنها هي «إسرائيل التاريخية» المزعومة.

مساعي السعودية الحثيثة تأجيج الصراعات القومية: عربي فارسي، والمذهبية: شيعي سني لتبرير إقامة علاقات استراتيجية مع الكيان الصهيوني، التحالف الصهيو – وهابي يشكل «ضمانة سنية لوجود إسرائيل».

من الواضح انّ جامعة الدول العربية أسيرة قرارات دول «الاعتدال العربي». قرار الجامعة تصنيف حزب الله منظمة إرهابية لا قيمة عسكرية او معنوية له، لكن القرار مجرد رسالة لـ«إسرائيل» تقول: «عدوكم هو عدونا». السؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق: هل يقبل المسلمون «السنة» ان يكونوا مجرد أدوات في ضياع حقوق الفلسطينيين وهم من «السنة»؟ وان يكونوا وقوداً لحروب الصهيو -وهابية؟ في الجزء الثالث نجيب على هذه التساؤلات لأهميتها في نجاح او فشل التحالف.

4 دولة غزة: بالتحالف مع «إسرائيل»، تكون السعودية قد أسقطت من أجندتها كلّ الاعتبارات المتعلقة بحقوق الشعب الفلسطيني. فما هو البديل؟ لا يمكن ان يستمرّ الوضع عليه وفي جموده الحالي، لا حرب ولا سلام، يجب ان يكون للفلسطينيين دولة لوضع حدّ لصراع في ما لو استمرّ يهدّد وجود الكيان الاسرائيلي. الوطن البديل يقوم على توسيع المساحة الجغرافية لقطاع غزة من خلال ضمّ مناطق صحراوية من شبه جزيرة سيناء وإقامة دولة للشعب الفلسطيني، تكون المنزوعة السلاح، وما تبقيه «إسرائيل» للفلسطينيين من الضفة الغربية يُمنح الحكم الذاتي، فتستقرّ كافة الجبهات باستثناء الجبهة الشمالية مع سورية ولبنان. المفاوضات السرية بين دول الاعتدال العربي من جهة و«إسرائيل» والولايات المتحدة من جهة أخرى قائمة على مبدأ دولة فلسطين هي غزة الموسعة.

قرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نقل جزيرتي صنافير وتيران للسيادة السعودية رغم موقعهما الاستراتيجي واهميتهما للأمن القومي المصري ليس من باب فعل الخير، واللافت انّ قرار معاملة السعوديين كمعاملة المصريين في شراء الأراضي الصحراوية قد تزامن مع تسريبات عن شراء فلسطينيين أراضي حول القدس المحتلة لصالح دولة خليجية ومن ثم بيعها للإسرائيليين.

المفاوضات السرية حول الدولة البديلة لم تعد سراً وعلى الأرجح ستأخذ منحى جديداً من الجدية والاندفاع عندما تدخل هيلاري كلينتون البيت الابيض كأول رئيس للولايات المتحدة من الجنس اللطيف. والباقي على جامعة الدول العربية التي ستكون أول من يعترف بـ«دولة فلسطين» في غزة.

الأهداف الأربعة تشكل خطراً غير مسبوق على المنطقة، فهل ينجح التحالف الصهيو – وهابي في تدمير المنطقة وشعوب المنطقة وضياع فلسطين التاريخية؟ في الجزء الثالث والأخير نجيب على السؤال.

المركز الدولي للدراسات الأمنية والجيوسياسية

www.cgsgs.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى