عشاق في زمن الحرب

عشاق في زمن الحرب

في هذا المقهى المكتظّ، وقفت أبحث عن كرسيّ أرتاح عليه ريثما تنهي أختي تجهيز أوراق قبولها الجامعي.

في المنتصف لمحت عيناي كرسياً بجانب طاولة يجلس عليها شاب وفتاة كانت عيونهما متقاربة تتبادل الحديث بصمت. هممت لأخذ الكرسي، ولكن هذا الهدوء الذي كان يلفّ حبّهما جعلني أبتعد، في الركن البعيد هناك تجلس ثلاث فتيات بجانبهن كرسيّ فارغ ينتظر ربما قدومي إليه. اقتربت بخجل وألقيت عليهن التحية واستأذنتهن بالجلوس لم يمانعن. جلست أنظر إليهن فقد ساد هدوء جعلني مرتبكة فربما اقتحمت ضجيج الشباب الذي كان يتكلّم في عيونهن قبل أن أجلس. اخترقت صمتهن وابتسمت قائلة: هل قطعت عليكن الحديث بفضولي هذا؟

أجابت إحداهن: لا أبداً. وقالت بسخرية: كنا نحلّ مشكلة سارة. وذهبت عيناها إلى فتاة ناعمة الملامح. جحظت عينا سارة مستنكرة ولكن صديقتها تابعت من دون أن تكترث لقلقها.

ـ سارة عاشقة، ولكنها محتارة أمام طلب حبيبها باللقاء.

نظرتُ إليها وقلت لها وهل هذه مشكلة؟ افعلي كما العشاق، تمشّي أنت وهو على أحد الطرقات أو اجلسي معه في مقهى.

همّت سارة أن تنطق ولكن صديقتها كانت أسرع: هي تخاف من أن يراها أحد من أفراد عائلتها. فهي رغم حيرتها جبانة أيضاً.

علت أصوات الضحكات إلا سارة، كان الحزن يرسل الألم على وجهها. ثم قالت بصمت: أنتن تضحكن وأنا أتألم. ثم تابعت وبصوت أقوى: لقد اتخذت قراري سأسافر معه إلى محافظة أخرى كما طلب مني، وأعود في وقت قصير.

نظرتُ إليها وقلت لها: لماذا تصعّبين الأمر هكذا؟ قالت: أخبرني أنّ كلّ العشاق الذين يخافون مثلي يذهبون إلى هناك. باستغراب قلت لها: للمرّة الأولى أسمع عن هذا الأمر. فردّت إحداهن: والله لو تسافرين إلى هناك لن تشاهدي طريقاً يملؤه الحبّ. وبدعابة قلت لها: لقد تشوّقت لرؤية ما تتحدّثن عنه. ولكن لماذا صعّبتن الحبّ، لم أسمع أبداً أنّ العشاق يتحمّلون عبء السفر من أجل اللقاء مع من يحبون، لقد ضللتم طريق الحب فطالت عليكم المسافة..كان طقساً جميلاً عندما كان يجمعهم طريق الحارة أو باب المدرسة أو حتى تحتضنهم شجرة يستظلون تحتها.

لم يأتني أي تعليق على كلامي ولم أسمع إلا صوت الآه.. ثمّ وجهت كلامي إلى سارة وقلت لها: أنت تعلمين أن بلادنا ينظر إليها الحقد ولا نعلم في أيّ ساعة يضرب إرهابهم أيّ طريق أو مدينة. فلم هذه المخاطرة؟

صمتت قليلاً ثم ابتسمت ابتسامة ناعمة مثلها تماماً، واقتربت يداها من صدرها وكأنها كانت تهدّئ قلبها، وبعيون لامعة قالت: يا الله ما أجمل أن نموت معاً فأنا دائما أخشى أن أفقده، ويزداد قلقي عندما يغيب عنّي وتنقطع بي السبل لأراه أو أحدّثه. وكم أخاف من لحظة يرنّ هاتفي يخبروني أنه قد أصيب أو استشهد.

من حديثها، علمت أنّ حبيبها رجل من رجال الوطن. ولكنني أحببت مقاطعتها لأخفّف عن روحها. فكان صوتها يرتجف لا أعلم ما سبب ذلك. قلت لها: وما هو عمل حبيبك؟ قالت: هو جندي على الجبهات. صمت ساد أيضاً قطعته رنّة هاتفي الذي أخبرني أنّ أختي انتهت وهي بانتظاري خارجاً. اعتذرت منهن وتمنّيت لهنّ أياماً سعيدة وتركتها حزينة على عشاق خفقت قلوبهم في زمن الحرب، على عشاق تركوا الأحلام الجميلة بالمستقبل، واستبدلوها بحلم الموت وهو الوحيد، الذي يجمعهم بالأحبة.

ما أقساكِ أيتها الحرب التي قتلت الحياة وجمّلت الموت في قلوب العاشقين.

مها الشعار

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى