دعوا العهد الجديد يعمل…

ريمون ميشال هنود

يعيش لبنان اليوم في عهد الرئيس ميشال عون، الذي ومنذ انبلاج فجره قبل سنتين وعد وبكلّ ثقةٍ كبيرة في النفس، بأنّه سيتمكّن من مكافحة البطالة المتوحّشة. عبر إيجاد فرص العمل، ومكافحة الفساد. لا يختلف اثنان على أنّ الرئيس ميشال عون غير مسؤول بتاتاً عن إفقار اللبنانيين وتجويعهم وتشريدهم وتهجيرهم. فعندما كان قائداً للجيش بين 1984 و1988، ورئيساً لحكومةٍ عسكريّة مسيحية بين 1988 وتشرين الأول 1990، كانت قيمة العجز في الخزينة تبلغ 850 مليون دولار، وبعد لجوئه إلى فرنسا بلغت قيمة العجز في الخزينة مليار و200 مليون دولار. عندما اقترع الرئيس عون في الانتخابات النيابية الأخيرة في مسقط رأسه حارة حريك ـ قضاء بعبدا لصالح لائحة التيار الوطني الحر، الحزب المسيحي الأقوى في لبنان، والذي كان يرأسه، يكون قد حسم أمره لناحية اعتباره بأنّ حزب التيار الوطني الحرّ هو حزب العهد، من هنا فإنّ الجميع مدعوّ الى احترام خياره، ولكي يكون عهد الرئيس عون ناجحاً ومفعماً وزاخراً بالإنجازات الوطنية والمطلبية، فهو مطالبٌ بالشروع الفوري بتشكيل الهيئة الوطنيّة العليا لإلغاء الطائفية السياسية التي نصّ عليها دستور لبنان عام 1989 في المادة 95 منه ليكون تشكيلها منطلقاً لبناء الدولة اللبنانية المدنيّة اللاطائفية التي تحترم تعاليم الأديان وتؤمن بها، وتحترم في الوقت عينه آراء ومعتقدات وفلسفة من لا يؤمن بعجائب السماء ولا تكفره وتنبذه وتلحق به الأذى النفسي والمعنوي لأنّها لا تعتبره كافراً وزنديقاً، ولأنّها تؤمن بتعدّدية الآراء، وبأنّ الناس أجناس والبطن بستان وتؤمن بمقولة الشاعر الياس فرحات ابن بلدة كفرشيما:

إن كنت محترماً حقي فأنت أخي

آمنت بالله أم آمنت بالحجر

كما تؤمن بمقولة البابا فرنسيس «حتى الملحد إذا كان من فاعلي الخير على الأرض فسيصعد معي إلى السماء»، وهي مقولة تحارب بامتياز وبقسوة كلّ منطق إلغائي تخويني تكفيري، وهي الدولة التي تؤمن ثقافتها بمقولة الزعيم أنطون سعاده «انّ اقتتالنا على الأرض سيجعلنا نخسر السماء»، وتؤمن بأنّ التعصّب الديني والطائفي والمذهبي الأعمى المدجّج بأوهامه وخرافاته وخزعبلاته وشعوذاته وهلوساته وهذياناته ونعراته السامّة ونزواته المعتوهة وشعاراته المخلّة بالآداب العامة والمنافية للحشمة، هو من أخطر الأمراض النفسية والعقلية التي إن اعترت نفس إنسان أسقمت عقله بواسطة أوبئتها الوبيلة التي تزرع في قلبه الحقد والكراهية والجهل فيمسي موتوراً عدائياً غدّاراً، نتيجة تمكّنها من جعله ينأى بنفسه عن النهل عن ينابيع الثقافة، فيصبح حياده سلبياً متطرفاً مؤذياً لشخصه ولمن يحيط به من أفراد وجماعات، لأنّ الثقافة كفيلة بجعله يغدو محباً متسامحاً منفتحاً محاوراً بارعاً، يقدّس آراء الغير حتى لو لم تكن على تماسٍ مع آرائه، كما أنّ الدولة المدنية تؤمن بأنّ الأديان وجدت لنشر المحبة والسلام والتآخي بين البشر، ولكي تطلق نبالها وسهامها وحرابها باتجاه كلّ من يصرّ باستمرار على لعب دور قايين قاتل هابيل وعلى كلّ من يهوى نشر المناكفات والمنازعات بين الإنسان وأخيه الإنسان في واحات وهياكل المحبة. أمّا في قاموس ودستور الدولة المدنية اللاطائفية فلا مكان لمقولة يوجد دين نخب أوّل ودين نخب ثانٍ واحذروا التقليد، وهي المقولة المهووسة بإيقاظ الفتن وجعلها تطلّ برأسها غير معترفة بأنّ الله يلعن من أيقظها، ومنكرة بأنّ الأديان ليست قبائل وعشائر…

في مطلق الأحوال فإنّ الرئيس ميشال عون وغداة تعيينه قائداً للجيش عام 1984 قال للعسكريين «لبنان أصغر من أن يقسّم وأكبر من أن يبلع». وهي مقولة علمانيّة بحتة بامتياز تتصدّى لكلّ محاولات بناء شتّى أشكال وصروف الفيديرالية المذهبية والكونفيديرالية الطائفية الفئوية في لبنان واللتين تعيدان زرع النفور والشقاق في نفوس المدنيين والعسكريين اللبنانيين. وهي مقولة تؤمن بأنّ حرية المسيحي تكون في عيشه المشترك مع المسلم واللاديني والعكس صحيح. لذا فإنّ عهد الرئيس عون يجب أن يكون مؤتمناً على الشروع في إطلاق ورشة بناء الدولة المدنية اللاطائفيّة.

لقد توفي الرئيس حافظ الأسد بالجسد، وفي قلبه حسرة جرّاء عدم تمكّنه من رؤية لبنان عربياً علمانياً، وكان يتوق بشدّة لرؤية لبنان دولة علمانية اقتصادية فولاذية متينة، كي يكون وطن الأرز خاصرة سوريّة القويّة لا خاصرتها الرخوة الضعيفة، لكن عزاءه الوحيد تمثّل بالحفاظ على لبنان موحداً مستعيداً وحدة جيشه ومؤسساته، على قاعدة العداء لـ»إسرائيل»، وهذا ما قدّم من أجله الجيش السوري آلاف الشهداء، لأنّ بوصلته دائماً باتجاه فلسطين المحتلة، فضلاً عن انتفاضة 6 شباط 1984 والتي أسقطت اتفاقية 17 أيار 1983 أو كامب ديفيد رقم 2، كما انّ دعم عملية تحرير بيروت الوطنية من الاحتلال الصهيوني لها في صيف العام 1982. وأظن أنّ الرئيس عون يعلم بأنّ المناصرين لقيام تلك الدولة المدنية اللاطائفيّة في لبنان كثر جداً، وإنّ تشكيل الهيئة الوطنية العليا سيكون بمثابة الخطوة التي تقود في ما بعد إلى بناء الجمهوريّة اللبنانية المدنية اللاطائفية التي تضع الرجل المناسب في المكان المناسب مهما كانت طائفته، ولا تقيم أيّ وزن أو اعتبار لأيّ توازن طائفيّ مقيت تلعنه كفاءة الإنسان.

كما أنّ المطلوب من العهد الجديد إنشاء مجلس الشيوخ، الذي من شأنه أن يريح نفوس وقلوب كلّ من لا يزال من الطوائف، يتمارض بالإحباط والتهميش والغبن.

والعهد الجديد وتياره مطالبان بالضغط على البلديات في كافة المدن اللبنانية من أجل سماح مجالسها للفقراء بإعادة بسطاتهم وعربات خضارهم الى أرصفتها، وذلك لن يشوّه منظر الشوارع، بل انّ ما يشوّه سمعة الوطن، هو تحوّل الفقير الساعي الى كسب قوته بعرق جبينه الى لص محترف دفعه العوز الشديد إلى احتراف تلك الفعلة الساقطة أو إلى متسوّل على أبواب الكنائس والمساجد، ويجب ألاّ يفوت العهد الجديد، بأنّه مطالب بالضغط من أجل إقرار قانون الزواج المدني الاختياري، لأنّ الاستمرار في رفضه يُعتبر شكلاً من أشكال التزمت، والذي لا يجوز أن يبقى على قيد الحياة في القرن 21 وعصر التكنولوجيا الحديثة، والسؤال المطروح هل يجوز اعتبار أفراد الشعوب الأوروبية والأميركية أفراداً يُغضبون أوامر السماء لمجرّد أنّهم يتزوّجون زواجاً مدنياً الزامياً؟!

كذلك فإنّ العهد الجديد وتياره مدعوان إلى العمل على خفض سنّ الاقتراع في لبنان إلى 18 سنة، لأنّ إشراك الأجيال الشابة في الحياة السياسية اللبنانية، يمنحهم الثقة الكبيرة بنفسهم وبوطنهم، كما أنّهما مطالبان فوراً بإرسال مأموري الإحراج الذين نجحوا في الامتحان إلى وظائفهم حتى لو كان عدد الناجحين المسلمين يفوق عدد الناجحين المسيحيين. لأنّ تلك الوظيفة هي من وظائف الفئة الرابعة التي لا تخضع للتوازن الطائفي خلافاً لوظائف الفئة الأولى، وكي لا يتّهم العهد الجديد بأنّه يقطع الأعناق جراء قطعه الأرزاق، في أسوأ ظروف معيشيّة اقتصادية يمرّ بها لبنان منذ ولادته على وجه المستديرة.

فضلاً عن أنّ العهد الجديد يجب أن يكون ضنيناً على بناء الأسواق الشعبيّة في كلّ المناطق اللبنانية أسوة بسوق الأحد في بيروت وسوق الجمعة في طرابلس على أن تكون تلك الأسواق في خدمة زبائنها طيلة أيام الأسبوع.

كما يترتّب عليه البدء بإطلاق عجلة توحيد فروع الجامعة اللبنانية كي لا تبقى الفروع الأولى محتضنة لطلاب من أغلبية مسلمة، وكي لا تبقى الفروع الثانية مقراً لطلاب من أغلبية مسيحيّة، فالانصهار مطلوب فوراً وينبغي على العهد الجديد وتياره الضغط على المدارس الخاصة والمدارس الدينية من أجل تخفيض إداراتها لقيمة الأقساط المدرسية الباهظة الممعِنة في إرهاق كاهل ذوي التلامذة، خصوصاً أنّ للتيار الوطني الحرّ مونة كبيرة على المدارس الكاثوليكية، نظراً لوجود أعداد كبيرة من رجال الإكليروس الكاثوليك والموارنة يؤيدون سياسة العهد ولهم ملء الثقة بشخص الرئيس عون…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى