الجامعة اللبنانية تطلق سلسلة الأدب المعاصر أدباء رحلوا ولم ينصفوا…

ليليان عبد الخالق

أطلقت الجامعة اللبنانيّة، كلّية الآداب والعلوم الإنسانيّة، الفرع الثاني، سلسلة الأدب المعاصر في لبنان، «أدباء رحلوا ولم يُنصفوا»، بتنسيق من الأستاذة في كليّة الآداب د. ناتالي الخوري غريب، حيث احتشدت نخبة من الأدباء والأكاديميين والإعلاميين ورجال دين أهل الثقافة والأدب والطلاب، وموضوع الندوة الأولى بعنوان: «ميشال الحايك رجل الله شاعراً»، شارك فيها المستهند البروفسور لويس صليبا، المتخصّص في الأديان المقارنة وتأثير أديان الشرق الأقصى على الأدب.

بعد النشيد الوطني اللبناني ونشيد الجامعة اللبنانيّة، افتتح السلسلة مدير الكليّة د. مروان فاضل بكلمة عبّر فيها عن اضطلاع الجامعة بمهامها ووعيها بدورها في ما يتعلّق بأمانة الرسالة الجامعيّة وأهمية الإضاءة على أدباء أغنوا الأدب والفكر.

واستهلّت د. ناتالي الخوري غريب كلمتها بإشكالية السلسلة والهدف منها، ومن أسئلتها: «لماذا يُهمل نتاج أدباء على حساب نتاج آخرين؟ ونحن نتكلّم على أدباء عاشوا المرحلة الزمنيّة الواحدة، والهمّ الواحد، والوطن الواحد.

أين تكمن المشكلة تحديداً؟ في الإعلام؟ أم أنّ المشكلة في النتاج الأدبي عينه؟ هل نخبويّة أدب ما، تجعله بعيداً من متناول العامّة؟ أم أنّ عزلة الأديب اختياراً، وابتعادَه من تكثيف مشاركاته الأدبية تحديداً يمكن أن يؤدّيا إلى إقصاء نتاجه الأدبي؟ وبخاصّة، أنّ جميع أدباء السلسلة قد عرفوا في مجالات أخرى غير الأدب، وقد كانوا تحت الأضواء. لماذا لم يصل أدبُهم؟ هل هي أزمة تسويق؟ والتسويق هنا بمعنى عدم وجود حلقة وصل بين النصّ والمتلقّي؟

وتأملّت خوري غريب أن تحصل على إجابات عن كلّ هذه الأسئلة، بعد الانتهاء من هذه السلسلة، ليتمّ استقراؤها في جهود الباحثين وأوراقهم، ويُصار إلى طبعها جميعها في كتاب.

وعن ميشال الحايك، ذكرت الخوري غريب أنّ في استحضار الحايك شاعراً، أمانة لموهبة انفطر عليها، وتهيّباً لمعجمه الأثيريّ والمادي في آن. ففي شعره، يختبر الإنسانُ انتماءه إلى الواقع، كما ينبسط في قرائن الزمان والمكان، ويختبر انتماءه إلى المثال، في الجوهر الإنساني، وفي الطريق إليه يُظهر تمرسَ الصبور باختيار الخيبة القصوى. ففي شعره نجد أنّ الروح، العنصر الإلهي في الإنسان، تصرّ على معرفة الله، حنينا إلى أصل هي منه، والنفس، العنصر الاجتماعي في الإنسان، تسعى إلى الطمأنينة في علائقها مع الآخر والقيم، في الزمان والمكان، عبر فعل الحرية، والحرية تلك الحركة التي توجّه مثوليةَ الجسد في النفس.

والطين، هذا القيد الذي يكبّل الإنسان، فيجعله راضخاً عبر الإقرار بتأصيل المحدودية الإنسانية.

في هذه الفضاءات، مذهَب الحايك نشاطَه الوجداني في ثقافته الفلسفية الواسعة شعراً، فولد معجمٌ فيه من الغربة شوقُ وجعها، ومن المنفى، تشرّدُه، ومن التشوّق الإلهي رجاؤه.

يرفض إقحام الدين في الدنيا، لأنه بذلك يصبح مؤامرةً على الدين والدنيا.

من هنا جاء ثورة على تجويف الإنسان وتقليده، رفضاً لكلّ زيف وتشويه ودعوةً الى امتلاء، كي لا يبقى الإنسان مغترباً عن حقيقة جوهره. ومن ثمّ كانت مشاركة الطالبتين يارا سلوم وماريا معوشي، في قراءات من شعر الحايك.

أمّا مداخلة البروفسّور لويس صليبا، فجاءت بعنوان «المونسنيور ميشال الحايك الشاعر الصوفي وعلاقته بكمال جنبلاط ومبخائيل نعيمة».

وقد درس شعره الصوفي في مقاربة قارنه فيها بشعر متصوّفين ينتمون إلى تقاليد دينية وروحيّة مختلفة ومتباينة وهم القديسة تريزا الأفيلية وكمال جنبلاط وجلال الدين الرومي.

وقدّم قراءة تحليلية نقدية لأشعار الأربعة هؤلاء على ضوء اليوغا لا سيما في مؤلّفها الأساسي يوغا سوترا الذي وضعه باتنجلي في القرن 4 ق م. وخلُص بنتيجة هذه المقارنة إلى ما يسمّيه حكماء اليوغا: «وحدة الاختبار». فالاختبار الصوفي واحد مهما تعدّدت تقاليد المتصوّفين وتضاربت، ومهما اختلفت طرق التعبير عنه وتباينت.

وفي العلاقة مع كمال جنبلاط كان الحايك بالحريّ يصدُق صديقه الزعيم الاشتراكي الرأي وكان رؤيويّاً في توقّع المصير الذي ينتظره وقد حذّره منه مذ بدأت الحرب.

أما ميخائيل نعيمة الناقد الأدبي الصارم فقد طرب لشعر الحايك وأثنى على إبداعاته، وما ذلك إلا لأنّ الشاعرين الحايك ونعيمة من مدرسة شعرية واحدة عنوانها التجربة الصوفية والتبصّر فيها، والتعبير عنها بقوالب لا تقطع تماماً مع العمود الشعري القديم، ولكنها تنوّع في البحور والقوافي وغيرها من أشكال التعبير.

والخلاصة، فإنّ شعر الحايك صوفيّ أصيل ومبدِع، وإذا لم يكن قد لقي ما يستحقّ من اهتمام في حياة الشاعر فهو يبقى تراثاً لبنانيّاً نفيساً لا يموت ومتجدّد المعاني والصور والعِبر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى