الوجدان الجماعيّ معبّراً عنه بالتحابّ والإيثار ومواقف الشهامة

دمشق ــ سلوى صالح

يتطرق كتاب «إيقاعات شامية» في مكنون السلوك الدمشقي إلى دراسة الظواهر الاجتماعية التي عرفها أهل دمشق خلال أواخر القرن التاسع عشر حتى أواخر القرن العشرين، مما تواضع عليه الوجدان الشعبي وتعارف الناس على الأخذ به في تعاملهم وتوادهم وتراحمهم وتعاضدهم، في اطار الحرفة الكار والبيع والشراء والأخذ والعطاء، وصولاً إلى جوهر الإنسان.


كما تتناول الدراسة التي أسماها الكاتب منير كيال «أوراق من نشوة الماضي» مواقف الحذق والمهارة وسرعة الخاطر، من خلال مواقف ومقالب ومماحكات ومفارقات وطرائف وأغانٍ فلوكلورية، أملاً في أن تكون أبحاث الكتاب متكاملة مع أبحاث كتابين سابقين في هذا الإطار هما «سهرات النسوان» و»العرس الشامي»، بما تلقيه من أضواء على الحياة الاجتماعية الدمشقية في الفترة نفسها.

الكتاب محاكاة لما عايشه الكاتب في العقدين الثالث والرابع من القرن العشرين، ولما استوفاه ممن خطت تجاعيد السنين على وجوههم ما عاصروه، حتى كاد يشعر بأنه أشخاص الكتاب الذين عاش معهم وعايشهم ففرح لفرحهم وتألم معهم، فوثق ذلك في قالب يضع القارئ أمام «حدوتة» معاشة تمس مشاعره وأحاسيسه، لكأنما هو إحدى الشخوص التي تنهض عليها الحوادث في إطار المثل الشعبي والمقولة والعبرة والحكاية والموقف، بكل ما في ذلك من معان وقيم.

نتعرف في الكتاب إلى شخصيات شعبية حقيقية مثل عبودة أبو عجاج، أبو عمر، أبو دياب، صالح، سعاد… ممن عاشوا منذ نعومة أظفارهم في بيئة متقاربة سواء في دارة الخوجة أو في الكتاتيب، ثم في الحارة، وتوازعوا في مناهل الحياة بعدما تاخوا بالدم على الوقوف الى جانب بعضهم في السراء والضراء، في اطار ما تواضع عليه الوجدان الجمعي من تحاب وتناصر وإيثار ومواقف الشهامة التي تتطلبها الزكرتية. ومن خلال حواراتها اليومية تنأى هذه الشخصيات عن كل ما يخرج عن العرف والتقاليد سواء في المماحكات والمفارقات الحوارية والمشادات الكلامية والمواقف الكوميدية والحوادث اليومية، لتشد القارئ بما يؤطرها من كنايات المثل الشعبي، وما له من شمولية تؤطر مناحي الحياة.

ينقل الكاتب كيال حوارات شخوصه باللغة العامية الدمشقية لتكون أكثر صدقية ومحاكاة للواقع، لذا يجد نفسه مضطراً في نهاية كل فصل الى ذكر قائمة بالحواشي والإيضاحات لتفسير المفردات والتعابير الملتصقة بالبيئة الشامية مثل: عالحارك خص نص، هديك، يشوبر، هلا، الزلمة، علبة المكي، عالحديدة، مو-لاوي.

ولايغفل كيال ذكر مقاطع من الفولكلور بتوظيف ذكي، اذ يوردها في سياق الحديث على لسان إحدى شخصياته بما يناسب الحدث، فيغني أبو رياض مثلاً:

بباب السرايا أنا شفت محبوبي

قاعد قبالي عم يكتب المكتوبي

يا رايحة عالحمام خديني معاكي

لاحمل البقجة وامشي وراكي

ويضع الكاتب عناوين لبعض الفقرات مستمدة من الأمثال الشعبية المستخدمة في الأحاديث اليومية مثل: صاحب المال تعبان، مرت الأب ما بتنحب، شابت وما تابت، مو كل شي بينحكى.. بينسمع، يللي استحوا ماتو…

صور الكتاب في منشورات الهيئة العامة للكتاب، مديرية التراث الشعبي، تحت الرقم 51 من مشروع جمع وحفظ التراث الشعبي، في 325 صفحة قطعاً كبيراً، وعلى الغلاف صورة لوحة لبيوت دمشق ومآذنها للفنان التشكيلي المخضرم ممدوح قشلان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى