أخيرة

نقاوم بالحبر الأسود… والرصاص

} عبير حمدان

عند زاوية الشارع الذي يختزن نبض بيروت قال البطل خالد علوان كلمته، فكانت طلقاته الأولى شرارة أشعلت المدينة ضد المحتلّ وامتدت إلى ما بعد تلك الشوارع التي لا تعرف الخوف ولا تخشى الموت، وما هي إلا أيام قليلة أجبرت المحتل على الخروج منادياً بمكبّرات الصوت «يا أهالي بيروت لا تطلقوا النار نحن منسحبون».

مَن يعرف خالد ورفقاءه يدرك أن المقاومة فعل وجود يتفوّق على ضجيج المنابر والنزاعات. فالفعل المقاوم لا يتأطر ولا يمكن اختصاره بسرد وثائقيّ على إيقاع الإعلام السريع، إنما هو نمط حياة يرافق المؤمنين به بعيداً عن تاريخ محدّد رغم رمزيّة الذكرى وأهميتها إلا أن ما قام به البطل خالد كما اسمه، فعل البطولة المؤمنة المؤيّدة بصحة العقيدة، إنه روح الإيمان بالحق والحرية وبأن هذه البلاد أكبر من التقسيم المستورد.

هو رسم درب التحرّر بثبات الواثق وكتب بحبر الرصاص هوية المكان الذي لا يمكن لأي أحد الغاءه أو إقصاءه، رغم السياسة الممنهجة والمقصودة التي اتبعها البعض، وقبلهم من راهنوا على المحتل ظناً منهم أن لهم لبنانهم وللمقاومين لبنان آخر، هؤلاء الذين حاولوا طمس المعالم الحقيقيّة للشارع الذي لم يطفئ وهج بريقه الاحتلالُ حينها وعمدوا إلى تحييده بحثاً عن نبض آخر في مكعب أسموه وسط البلد إلا أن شارع الحمرا بقي شاهداً على عمليّة الويمبي البطوليّة التي نفّذها الشهيد خالد علوان في مثل هذا اليوم بكل ما امتلك من عزيمة وإصرار.

إنه البناء المتصاعد نحو التحرير الكامل، إنّه السيل الهادر واليقين، إنّه الترفع عن الكلام الاستعراضيّ وادعاء التفوق الهش. رصاصات خالد كانت ولم تزل الزرع الذي انغرس في الأرض مبشراً بالحصاد المقبل على أيدي أجيال نهلت من معين الحق والعزّ مفهوم الحياة، كما يجب أن تكون.

نهج خالد راسخ في الوجدان، والاحتفاء بالذكرى يأتي لتأكيد المؤكد بأن الصراع قائم طالما هناك عدو والصراع لا يقف عند حدود البندقيّة وساحات القتال، إنما ينسحب على كافة المستويات الثقافيّة والفكريّة والإعلاميّة والاقتصاديّة وكل من يؤمن بهذا النهج مقاوم من موقعه، بالحبر الأسود يخطّ سطوره الواضحة والمباشرة لكل مَن يفقه اللغة وأصول القراءة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى