مقالات وآراء

الحرب الأطلسية الروسية في أوكرانيا: ينتصر من يتحمّل أكثر…

‭}‬ حسن حردان
يبدو من الواضح لأيّ مراقب ومحلل سياسي في العالم انّ الحرب الأطلسية الروسية الدائرة رحاها على الأرض الأوكرانية، تشتدّ وتتصاعد نارها يوماً بعد يوم، في مؤشر واضح على حدة الصراع بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية التي توظف كلّ أوراقها وأدواتها في هذه الحرب لأجل بلوغ هدفها المركزي ألا وهو منع روسيا من تحقيق النصر، وإضعافها كقوة ندّية لأميركا على الساحة الدولية، تمهيداً للتفرّغ بشكل كلي لمواجهة التحدي الأكبر للهيمنة الأميركية الذي باتت تمثله الصين اقتصادياً وعسكرياً.. وفي هذا السياق فإنّ أدوات وأوراق أميركا تتجسّد في إرسال السلاح النوعي إلى أوكرانيا واستخدام الجيش الأوكراني وسيلة لمحاربة الجيش الروسي واستنزافه، كما تستخدم الدول الغربية لا سيما الدول الأوروبية سلاحاً لمحاصرة روسيا اقتصادياً وقطع العلاقات التجارية معها والتوقف عن شراء الغاز والنفط الروسيين، في سياق خطة أميركية لإحداث القطيعة الكاملة بين روسيا والدول الأوروبية، وهو ما جعل المراقبين يرجّحون وقوف واشنطن وراء تفجير خطي أنابيب غاز «نورد ستريم» تحت البحر في المياه الأوروبية.. وفي المقابل يبدو واضحاً انّ روسيا بزعامة الرئيس فلاديمير بوتين قد عقدت العزم على خوض هذه الحرب ضدّ الغرب لمنعه من تحقيق أهدافه المذكورة آنفاً، وإحباط خطط واشنطن لإعادة تعويم هيمنتها الأحادية على العالم ومنع ولادة نظام عالمي جديد يقوم على التعددية القطبية، ولهذا فإنّ القرار الروسي إنما هو إلحاق الهزيمة بالغرب عبر إحباط أهدافه، ولهذا لن تسمح موسكو بأن تخسر الحرب وتضعف روسيا واتحادها وهي لأجل ذلك وضعت على جدول أعمالها ما يلي:
أولاً، توظيف كلّ إمكانياتها وقدراتها العسكرية والبشرية لخوض حرب طويلة النفس في مواجهة الغرب، ولهذا قرّرت أخيراً اعتماد استراتيجية زيادة استنزاف أوكرانيا ومن ورائها حلف الأطلسي، وتقليص قدر الإمكان الخسائر الروسية في الميدان، انطلاقاً من قناعة لدى القيادة الروسية بأنّ واشنطن أعدّت العدة لخوض حرب استنزاف ضدّ روسيا، وانّ من يصمد ويتحمّل أكثر نتائج وتداعيات هذه الحرب هو من سينتصر في النهاية..
ثانياً، إحباط أهداف الحرب الاقتصادية الأميركية الغربية التي تشنّ ضدّ روسيا بالتوازي مع الحرب العسكرية، والتي تتجسّد في العمل على محاولة زيادة أكلاف الحرب على روسيا وشعبها وجعلهما مع الوقت غير قادرين على تحمّلها وبالتالي إجبار القيادة الروسية على التراجع والتسليم بشروط الغرب لوقف الحرب.. ولأجل إحباط ذلك فإنّ موسكو تراهن على انّ روسيا ستكون أكثر قدرة على تحمّل أكلاف الحرب، وانّ الدول الأوروبية هي من سيعاني أكثر من تداعيات وأكلاف هذه الحرب ولن تكون قادرة طويلاً على الاستمرار في تحمّل تبعاتها الاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً أنّ ما تشهده الدول الأوروبية من احتجاجات اجتماعية على خلفية الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة وانعكاس ذلك بارتفاع فاتورة استهلاك الكهرباء والغاز والمياه الساخنة على الشعوب الأوروبية، ما بين مئة بالمئة ومئة وخمسين بالمئة، إلى جانب ارتفاع أكلاف الإنتاج، مما دفع بالشركات الرأسمالية الأوروبية إلى تقليص جزء من إنتاجها، فيما بعضها بدأت بتنفيذ تهديدها بنقل معاملها إلى خارج البلدان الأوروبية حيث تكاليف الإنتاج أقلّ، حيث تفيد المعلومات عن انتقال بعض المعامل الى تركيا… وهذا بالطبع سيؤدّي إلى ارتفاع كبير في نسب البطالة في الغرب مما سيفاقم الأزمات الاجتماعية ويزيد من التضخم، الأمر الذي سيزيد بدوره من الأصوات الداعية إلى عدم الاستمرار بالخضوع للإملاءات الأميركية في سياسة المقاطعة الاقتصادية والتجارية لروسيا، فيما الولايات المتحدة تستغلّ الأزمة التي تسبّبت بها وتبيع الغاز للدول الأوروبية بأكثر من سعره بأربعة اضعاف…
ثالثاً، أما إذا استمرت الحرب ولم يتراجع الغرب عن عناده وتجاوز الخطوط الروسية الحمراء، وشعرت موسكو بأنها ستخسر الحرب، وانّ وجود روسيا بات مهدّداً، فإنها لن تتوانى عندها عن استخدام كلّ الوسائل بنا فيها السلاح النووي لردع الغرب…
ايّ انّ روسيا لن تسمح للغرب بأن يهدّد وجودها بالخطر، رداً على استراتيجية واشنطن بعدم السماح لروسيا بتحقيق النصر، وستقلب الطاولة في مواجهة الغرب عندما يتطلب الأمر حماية أمن واستقرار الاتحاد الروسي..
أما إذا كانت الحرب ستبقى تحت سقف عدم تجاوز الخطوط الحمراء، من قبل جميع الأطراف المنخرطة فيها، فإنّ من سينتصر فيها سيكون هو من يتحمّل أكثر من الآخر كلفتها وتداعياتها، وفي هذه الحال يبدو أنّ روسيا ستكون أقدر على التحمّل من الدول الأوروبية، لأنّ روسيا تملك بدائل عن تصدير الغاز والنفط لأوروبا، حيث أنجزت عقوداً ضمنت بيع غازها ونفطها إلى أكبر مستهلكين في العالم هما الصين والهند.. فيما أدّى ارتفاع أسعار الطاقة حتى الآن إلى تحقيق ما يلي:
1 ـ حقق ويحقق لروسيا عائدات مالية ضخمة مكنتها من تحسين سعر عملتها مقابل تراجع العملة الأوروبية، وازدياد التضخم في أوروبا.
2 ـ تحسّن مستوى معيشة الروس مقابل تراجع مستوى معيشة الأوروبيين.
3 ـ ارتفاع تكاليف الإنتاج في أوروبا، وبالتالي تراجع معدلات النمو وارتفاع نسب البطالة نتيجة اضطرار الشركات الرأسمالية الأوروبية إلى تقليص نشاطها، أو نتيجة نقل معاملها إلى خارج أوروبا… في حين نجحت روسيا في احتواء نتائج العقوبات على اقتصادها، من خلال تنشيط اقتصادها المحلي وضخ الاستثمارات وتطوير صناعاتها إلى جانب تعزيز علاقاتها مع الدول الآسيوية لا سيما تلك المنضوية معها في منظمة شنغهاي، أو مجموعة بريكس…

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى