أولى

طباعة العملة في لبنان

يتصرف حاكم المصرف المركزي بكل ما يتصل بحياة اللبنانيين ومعيشتهم تصرّف المالك بملكه، فقد أجاز لنفسه التصرف بودائعهم وأنفقها بزعم انه يتدارك انهياراً كبيراً ويشتري لنا وقتاً، وقرّر دعماً لم يدعم أحداً من الفقراء وذهبت عائداته لكبار التجار وأصحاب التحويلات التي هربت الأموال الى الخارج بفواتير استيراد مزورة، ووضع يده على التحويلات الآتية من الخارج وصار يدفعها بالليرات اللبنانية لمدة غير قصيرة قبل أن ننتبه أن قراره جفف موارد هذه التحويلات وأفرج عنها.
منذ شهور يقوم حاكم المصرف المركزي بإدارة لعبة جهنمية تسببت برفع سعر الدولار في سوق الصرف عشرات المرات، وصارت الرواتب والمداخيل بالليرات اللبنانية أصفاراً مكعبة بلا قيمة وحلقت أسعار الاستهلاك فوق قدرة العائلات على بلوغها، وبدّدت قيمة الباقي من الودائع، وجوهر هذه اللعبة طباعة كمية من الليرات تعادل عشر مرات الكمية الموجودة في الأسواق، والتي يفترض علمياً مع تضاؤل حركة السوق إلى ربع ما كانت عليه قبل الانهيار الاقتصادي والمالي أن يتمّ سحب ثلاثة أرباعها حفاظاً على القدرة الشرائية لليرة اللبنانية، لكن الحاكم هو الحاكم، وقد ضخ في الأسواق بدلاً من عشرة تريليون ليرة لبنانية مئة تريليون ولا مَن يسأل ولا مَن يحاسب.
فيما يمضي مجلس النواب للسنة الثالثة بمناقشة قانون الكابيتال كونترول، وهو يدخل السنة الرابعة ولا ينجح لأن الحاكم لا يريد القانون، لأنه لا يقبل قيوداً على حريته في تحديد كم ولمن يتم تحويل الدولارات التي يستولي عليها من الأسواق بشرائها عبر الليرات المطبوعة، لكن القانون المهم لا يجب أن يحجب الحاجة لقانون لا يقلّ عنه أهمية، هو قانون ينقل صلاحية طباعة العملة بمجلس النواب عبر قانون خاص، أسوة بما تفعله الدول في ظروف أزمة كالتي نعيشها، بل إن القوانين الطبيعية في دول طبيعية لا تجيز لمصارفها المركزية طباعة ما يتعدى نسبة 10% من الكتلة النقدية سنوياً.
اذا بقي الوضع على حاله سنبلغ نهاية ولاية الحاكم في الصيف المقبل وتقارير المصارف والمصرف المركزي قد تمّ تنظيفها من كل أعباء الأزمة، وتم توزيع الخسائر على اللبنانيين، وتدفيعهم ثمنها، ولا يعود هناك حاجة للحديث عن توزيع خسائر يتحمل بعضها المصرف المركزي وبعضها المصارف وبعضها خزينة الدولة، وسيكون المودعون قد دفعوا كل الخسائر عبر لعبة طباعة الليرات ومرادفها رفع سعر الصرف، وحصر حقوق السحب بأسعار أدنى وكميات مقننة، الا من له نفوذ فيحصل على موافقات استثنائية وسرية للتحويل من دولارات تمّ شراؤها بالليرات المطبوعة.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى