التّطبيع السّعودي الصّهيوني قرن من العلاقات السّريّة
شوقي عواضة
من رحم الاستعمار البريطانيّ ولدوا ملوكاً على العروش فكانوا أعتى سلاطين الدّيكتاتوريات في العالم، قامت مملكتهم على الإرهاب بغزوات أكثر إجراماً وإرهاباً من غزوات عصابات الهاغاناه وشتيرن وغيرها من العصابات الصّهيونيّة التي غزت فلسطين، أمراء مستبدّون عبر التاريخ تشهد على استبدادهم المعتقلات السّريّة وغير السّرية وأعداد المعتقلين من شعبهم. طواغيت يحكمون باسم الدّيموقراطيّة بلا دستور ويريدون تعميم (ديموقراطيّتهم الأميركيّة) على شعوبنا. جبابرة وظالمون حطّموا الرّقم القياسي في تنفيذ الإعدامات بحقّ الأبرياء، شياطين اكتست من اسم الله ثوباً ومن الإسلام لتضفي على نفسها جلباب القداسة للولاة وما هم إلّا أولياء للشّياطين، عنصريون تخطّت عنصريّتهم عنصريّة (شعب الله المختار) ونازيّون تشهد على نازيتهم صنعاء وبغداد ودمشق وبيروت والمنامة والقطيف، أعراب أتخمتهم ثقافة أبي جهل وأبي لهب جهلاً فوق جهلهم ومستعربون خرجوا عن عروبة سيّد المرسلين محمد، وعن نهجه ودينه بابتكارهم ديناً جديداً وسنناً ما أنزل الله بها من سلطان، سباع ضواري على شعوبهم وجيرانهم، وأرانب وديعة أمام العدوّ الصهيوني، عقيدتهم أنّ أميركا قدرٌ لا يُهزم وأنهم أصحاب الجنّة وتوأم شعب الله المختار الذي شاركوه نكبة الأمة منذ وجودهم، وما عمليّة التّطبيع المتسارعة اليوم بين الكيانين الصّهيوني والسّعودي سوى بلورة العلاقات بدأت منذ تأسيس الكيانين وإظهار للعلن للتعاون الذي استمرّ لمدة قرن، والشّواهد التاريخيّة التي تظهر ليس التّعاون السّعودي الصّهيوني وحسب بل تكشف دور آل سعود التّاريخي في التآمر على الأمّة وعلى القضية الفلسطينيّة التي أقاموا على أنقاضها مملكة إرهابهم وفقاً لما أوردته الوثائق التّاريخية وبعض مراكز الدّراسات العربيّة والغربيّة ووسائل الإعلام العبريّة، وما ذكره حاييم وايزمان في كتابه المفارقة اليهوديّة عن التواصل بين آل سعود والوكالة اليهوديّة كما يلي:
1 ـ تنازل (الملك) عبدالعزيز آل سعود عن فلسطين لليهود المساكين بموجب وثيقةٍ رسميةٍ فى مؤتمر (العقير) عام 1922 للجنرال الإنكليزي ومهندس الكيانات الخليجيّة الوظيفيّة برسى كوكس.
2 ـ تصريح المستشار السّياسي الخاص لعبد العزيز حافظ وهبة لوكالة “رويترز” أثر اندلاع ثورة البراق عام 1929 حيث أعلن تقبّل عبد العزيز بوجود اليهود على أرض فلسطين ورفضه مقاومتهم ولا الاعتقاد بأنّ ابن سعود سيدعم حركة معاديّة لليهود.
3 ـ لقاءات حصلت بين لندن وباريس وبيروت بين موفدين من عبد العزيز وغيره ممن تعاقبوا على الحكم ومسؤولين في الوكالة اليهوديّة ومسؤولين صهاينة.
4 ـ أول لقاء إسرائيليّ سعوديّ حدث فى عام 1939 فى لندن، بين وزير الخارجيّة آنذاك الأمير (فيصل) ووفد يهوديّ وفقاً للمعلومات السريّة التي كشفت عنها ضمن (الملفات السّريّة واشنطن وإسرائيل ودول الخليج).
5 ـ الزّيارة السريّة التي قام بها بندر بن سلطان إلى الكيان الصّهيوني عام 2008 على متن طائرة خاصّة التقى فيها بإيهود اولمرت متعهّداً له بأن تدفع السّعودية كلّ نفقات الحرب التي سيشنّها الكيان الصّهيوني على حزب الله للقضاء عليه.
ولا ننسى زيارة نتنياهو إلى الرياض ولقاءه بمحمد بن سلمان إضافة إلى زيارة وزير السّياحة الليكودي حاييم كاتس على رأس وفد للمشاركة في مؤتمر دولي يُعنى بالسياحة. إضافةً إلى زيارة وزير الاتصالات الاسرائيلي الليكودي شلومو كرعي إلى الرياض والوفد المرافق الذي ضمّ مسؤولين كباراً في وزارة الاتصالات يتقدّمهم رئيس لجنة الاقتصاد في الكنيست، الليكودي دافيد بيتان للمشاركة في مؤتمر “اتحاد البريد العالمي”.
تسارع اللّقاءات ورفع مستويات التمثيل يؤشّر إلى استعجال ابن سلمان في عمليّة التطبيع التي يعلّق أملاً كبيراً عليها في ظلّ توقيع الاتفاق الإيرانيّ السّعودي الذي لم يظهر السّعودي لغاية الآن أيّ حسن نية للالتزام ببنوده كما في اليمن حيث يحاول السّعودي تثبيت حالة اللّاحرب واللّاسلم ونسف المفاوضات ومواصلة العدوان بوجه سلميٍّ تسعى الرياض من خلاله للحصول على ما لم تحقّقه في عدوانها على مدى ثماني سنوات.
وما انسحاب فريق الاتحاد السّعودي من مباراته أمام الفريق الإيراني في أصفهان بسبب وجود مجسم للجنرال قاسم سليماني إلّا مؤشّر على مدى العدائيّة التي يكنّها النظام السّعودي لإيران الثورة لا إيران الشاه محمد رضا بهلوي الحليف للكيان الصهيوني وشرطي الولايات المتحدة في المنطقة الذي كان آل سعود ينحنون أمامه ويقبّلون يديه طلباً لرضاه واتقاءً لغضبه،
في الوقت نفسه كانوا يحاربون فيه الزعيم جمال عبد الناصر ومشروع تحرير فلسطين. وكانوا يحاربون إيران التي رسّخت في مبادئ ثورتها وأمنها القومي القضية الفلسطينيّة ووجوب دعمها وجوباً عقيديّاً ودينيّاً وأخلاقياً وإنسانيّاً ووطنيّاً وأنّ دعم المقاومة الفلسطينيّة وتحرير فلسطين تكليفٌ إلهيٌّ وشرعي…
هذا ما غيّرته إيران في سياستها التي لم ولن تتلاقى مع السياسة السّعودية لا الآن ولا لاحقاً فالسعودية التي تحمل مشروعاً انهزاميّاً وتآمرياً على الأمة وفلسطين جعلت وجهتها البيت الابيض وتل أبيب، أمّا طهران فقد وضعت منذ اللّحظة الأولى القدس نصب عينيها وبالتالي فإنّ الاتجاهين مختلفان تماماً. ما تسعى إليه اليوم السّعودية هو ما سعت اليه سابقاً باستمرار تقديم التنازلات من أجل الحفاظ على العرش في مقابل فلسطين التي تشكّل معيار العروبة والإسلام في العالم وميزان الشرف للأحرار فلسطين الحاضرة في وعي العرب والمسلمين ومقياس الشّرعية لأيّ نظام صمدت وقاتلت وستقاتل وتنتصر وستهزم المحتلّ وتسقط الكيان المؤقّت ومعه أدواته من أنظمةٍ خليجيّة تحوّلت إلى متاريس ودشم لحماية الكيان وجنّدت نفسها لخوض حروبه التي لن تؤخّر سقوطهم في ظلّ تنامي قدرات محور المقاومة وتطور ترساناتها، عدا عن امتلاكها للعقيدة القتاليّة التي كانت أساساً في هزيمة الإرهاب والانتصار عليه من صنعاء إلى فلسطين…