مقالات وآراء

تهديد أردوغان باجتياح جديد للشمال السوري: بين استغلال الظروف الدولية والهروب من المأزق الداخلي

} حسن حردان

شكل إعلان الرئيس التركي رجب أردوغان استعداده لتنفيذ اجتياح جديد للشمال السوري تحت ذريعة أبعاد خطر الإرهاب عن الحدود التركية، واستكمال المنطقة الأمنية بعمق ثلاثين كلم داخل الأراضي السورية، شكل هذا التطور مثار تساؤل حول توقيته والدوافع التي تقف وراء الإعلان عن هذه الخطوة الأردوغانية العدوانية ضدّ سورية، واستطراداً التداعيات المحتملة على موقف قيادة قوات قسد، والموقفين الأميركي والروسي من قرار أردوغان، وأخيراً كيف ستواجه الدولة الوطنية السورية مثل هذا العدوان إذا ما حصل؟

اولاً، على صعيد التوقيت ودوافع أردوغان

لا شك أنّ اختيار أردوغان هذا التوقيت بالذات للقيام بعدوان جديد ضدّ الأراضي السورية، إنما يعود إلى سببين،

السبب الاول، داخلي، نابع من سعي أردوغان للخروج من مأزقه المتمثل في تراجع شعبيته نتيجة تفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية والتدهور الخطير في قيمة الليرة التركية ما أدّى إلى تراجع غير مسبوق في مستوى معيشة الشعب التركي، الأمر الذي قضى على الإنجاز الأهمّ الذي كان وراء صعود أردوغان وتنامي شعبيته وسيطرته على السلطة على مدى السنوات الماضية، ألا وهو الازدهار الاقتصادي.. وقد انعكس ذلك في استطلاعات الرأي التي تحدثت عن تراجع في شعبية أردوغان بنسبة 65 بالمائة.. وهو الأمر الذي سيؤدّي إلى خسارة أردوغان الانتخابات التي ستجري في العام المقبل…

السبب الثاني، خارجي، ويتجسّد في محاولة أردوغان استغلال:

1 ـ الظروف الدولية الناتجة عن الحرب الروسية الأطلسية على الأراضي الاوكرانية، حيث يجد أردوغان بأنّ أميركا بحاجة لاسترضائه، كما تحاول استرضاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لأجل تشديد الحصار الاقتصادي على روسيا.. كما يريد أردوغان استغلال انشغال روسيا في أوكرانيا ومواجهة العقوبات الغربية، وحاجتها إلى تركيا في هذا الإطار.

2 ـ الاستفادة من التعاون التركي «الإسرائيلي»، بعد المصالحة الأخيرة التي أجراها أردوغان مع حكومة العدو الصهيوني، وبالتالي التناغم بين الجانبين في تنفيذ الاعتداءات على سورية لإرباك قيادتها في مواجهة هذه الاعتداءات والهجوم التركي المحتمل، ولهذا لا يستبعد ان يكون العدوان «الإسرائيلي» على مطار دمشق الدولي يندرج في إحدى أهدافه التناغم «الإسرائيلي» مع التهديدات التركية بالعدوان على سورية…

ثانياً، الموقف الأميركي، كان واضحاً انّ إدارة الرئيس جو بايدن سارعت إلى مغازلة تركيا، وإبلاغ قيادة قوات قسد بأنّ عليها تدبّر أمرها، ما يعني تخلياً علنياً عن توفير الحماية الأميركية لـ قسد في مواجهة الهجوم التركي المحتمل.. والسبب انّ واشنطن ترى في تركيا الدولة الإقليمية الحليفة والعضو في حلف الأطلسي ولها مصلحة كبرى في عدم إغضابها في لحظة تسعى فيها إلى حشد التأييد الدولي ضدّ روسيا..

ثالثاً، الموقف الروسي، أما موسكو فإنها سارعت إلى التحرك سريعا لمنع حصول الهجوم التركي، لأنه يتناقض مع اتفاقات استانا لناحية احترام سيادة الدولة السورية على أراضيها، في حين أنّ روسيا تدعم موقف الدولة السورية في الدفاع عن أراضيها وسيادتها عليها.. وفي هذا السياق تندرج زيارة وزير الخارجية الروسي، سرغي لافروف إلى أنقرة.. فيما كانت قيادة القوات الروسية تلتقي بقيادة قسد في القامشلي وتبحث معها سبل مواجهة الهجوم التركي المحتمل بالتنسيق مع الجيش العربي السوري…

رابعاً، موقف قسد، كان لإعلان واشنطن تخليها عن دعم قسد وقع الصدمة على رؤوس قيادة قسد التي ظلت تراهن على وقوف واشنطن إلى جانبها لقاء الخدمات التي تقدّمها لها في التعاون مع القوات الأميركية المحتلة في الشمال والشرق السوري، ومنع عودة سيطرة الدولة السورية على الجزيرة السورية، والتمسك بحلم قسد إقامة كيان انفصالي مدعوم من أميركا.. وهذا التخلي الأميركي ليس جديداً بل هو يحصل للمرة الخامسة بعد العمليات التركية الأربعة السابقة في الأراضي السورية وسيطرت القوات التركية على مناطق شاسعة كانت تحت سيطرة قسد، ورفض الأخيرة التنسيق مع الدولة السورية على قاعدة عودة انتشار القوات العربية السورية في مناطق الخاضعة لسيطرة قسد، وإصرار الأخيرة على موقفها برفض العودة إلى حضن الدولة السورية، وسعي قسد، دون جدوى، إلى الحصول على دعم الجيش العربي السوري وفق شروطها الانفصالية.. غير انّ التخلي الأميركي هذه المرة عن قسد، وما ثبّته من قناعة راسخة بانّ خيارات واشنطن في نهاية المطاف هي الاصطفاف إلى جانب الحليف الاستراتيجي لها وهو تركيا، وهو أمر كان قد نبّه اليه قيادة قسد، السفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد، إلى جانب انّ المناطق المستهدفة بالهجوم التركي، تل رفعت ومنبج، هي مناطق حيوية إذا ما سيطر عليها التركي لا يبقى لدى قسد ما يمكن أن تقيم عليه كيانها الانفصالي.. انّ ذلك لم يعد يترك لقيادة قسد مجالاً للاستمرار في المناورة ومحاولة التذاكي لتمرير الشروط لقاء الحصول على دعم الجيش السوري، وهو الأمر الذي دفع قيادة قسد إلى إبداء المرونة وإعلان الاستعداد للتنسيق مع الدولة السورية لمواجهة العدوان التركي.. لكن طبعاً العبرة تبقى بترجمة ذلك عمليا على أرض الواقع..

خامساً، موقف الدولة الوطنية السورية، كان حازماً وواضحاً وجاء على لسان الرئيس بشار الأسد الذي أكد على مواجهة ايّ العدوان والاحتلال التركي بالمقاومة الشعبية المسلحة المدعومة من الجيش السوري، في حين أنّ موقف الدولة من التنسيق مع قسد معروف ويقوم على قاعدة تسليم قسد بدور الدولة والعمل تحت لواءها، وبالتالي التخلي عن أحلام قسد الانفصالية…

انطلاقاً مما تقدّم، يمكن القول اذا ما تعاونت قسد مع الجيش السوري وفق شروط الدولة السورية وتحت رايتها، فإنّ حجة أردوغان لشنّ الهجوم تصبح ساقطة، بل انّ الهجوم التركي إذا ما حصل سيواجه مقاومة قوية شعبية ومن الجيش السوري، ويكون بالتالي موقف روسيا بدعم الدولة السورية بالدفاع عن أراضيها أكثر قوة… فيما أردوغان الذي لا يزال يسعى، دون جدوى، إلى تحييد الموقف الروسي، يحاول تحقيق هدفه الأساسي في الداخل التركي، إما عبر تنفيذ الهجوم على تل رفعت ومنبج لاستخدام ذلك مبرّراً أمنياً لإلغاء الانتخابات التركية لأنّ نتائجها لن تكون لمصلحته، أو محاولة الضغط على حزب العمال الكردستاني لفتح حوار مع الحكومة التركية وبالتالي إقناعه بعدم التصويت لأحزاب المعارضة في الانتخابات المقبلة مقابل إلغاء الهجوم التركي والوعد بتلبية بعض المطالب الكردية في الداخل التركي..

يبقى الرهان الأكثر واقعية، أن تعود قسد إلى حضن الدولة السورية باعتبار ذلك أقصر الطرق لقطع الطريق على أطماع أردوغان، وتحصين موقف سورية، الدولة والشعب والجيش، في مواجهة ايّ عدوان تركي جديد، بل ولتحرير المناطق المحتلة من قبل الجيشين التركي والأميركي.. ووضع حدّ لواقع الاستنزاف الذي تعيشه سورية دولة وشعباً…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى