أولى

الصبر الاستراتيجي هل أخذ بالنفاد؟

‭}‬ سعادة مصطفى ارشيد*
بدا واضحاً منذ الأيام المبكرة لحرب تشرين الثانية ان هذه الحرب ليست حرباً محدودة طرفها المقاومة الفلسطينية في غزة ودولة الاحتلال فحسب، وإنما هي بين محورين، بين مشروعين: المشروع الغربي القديم المتجدّد، أي مشروع السيطرة على الأمم وتمزيقها تمهيداً لنهب مواردها وقد تعاقبت على قيادة هذا المشروع إنجلترا ثم الولايات المتحدة، وبين المشروع التحرّري المشرقيّ الهادف الى بناء الشخصيّة القوميّة وتوحيد أرضها ومتحداتها الاجتماعية التي مزّقها المشروع المعادي لإقامة دولتها القوميّة. وهذا المشروع أيضاً تناوبت على قيادته أكثر من دولة وهو في نموذجه الحالي بقيادة إيران.
في الأيام الأولى للحرب توافد إلى تل أبيب معظم قادة هذا الغرب وعلى رأسهم الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير دفاعه معلنين مشاركتهم في هذه الحرب. فيما أعلنت المقاومة اللبنانية بلسان المحور أنه غير مسموح هزيمة المقاومة، وتزامن الفعل مع القول عبر المشاركة التي تقوم بها المقاومة اللبنانية وتشاغل جزءاً وازناً من جيش الاحتلال وتهجّر ما يزيد عن نصف مليون (إسرائيلي) من الجليل. وفي فعالية المقاومة العراقية التي أوجعت التمركز الأميركي في العراق وشرق الفرات السوري بضرباتها المتلاحقة، ثم في المشاركة الثقيلة العيار لليمن في البحر الأحمر وبحر العرب والمحيط الهنديّ.
يحاول قادة المحور المعادي أي الولايات المتحدة إبقاء الصراع محصوراً بين المقاومة في غزة وجيش الاحتلال، بينما يرى قادة المحور المقاوم أي إيران بأن دوره هو في المشاركة والمشاغلة ولكن دون التورط في حرب شاملة. وكل له أسبابه فالولايات المتحدة تعاني من نجاح الاتحاد الروسيّ في الخروج من أزماته مما يؤهله لاسترداد دوره كقوة عظمى، ومن فشل أداتها الأوكرانية في التصدي لروسيا، وتعاني أيضاً من النمو الصيني الاقتصادي وما سيتبعه من نفوذ سياسي، فيما تعاني إيران من حصارها ومن تعثر حوارها مع الولايات المتحدة، ولكن حكومة الاحتلال ترى ضرورة توسيع رقعة الحرب لتصبح شاملة للإقليم ولكل أطراف محور المقاومة، وذلك بهدف زج الولايات المتحدة وحلف الناتو في أتون هذه الحرب، ولذلك فهي لا تفتأ تتحرّش بلبنان الأمر الذي تحاول واشنطن إبقاءه في مجاله الحدودي فيما تبدي المقاومة اللبنانية كثيراً من الصبر والتحمل والاكتفاء بردود من العيار ذاته.
في هذا الوقت جاءت الضربة (الإسرائيلية) للسفارة الإيرانية في دمشق والتي أدت الى استشهاد قادة من ذوي الرتب الرفيعة بما يمثل ضربة قاسية للجمهورية الإسلامية في إيران، بهدف رفع مستوى الاستفزاز واستنفاد مخزون الصبر الاستراتيجي الذي التزمت به إيران في المرات السابقة التي تعرّضت لها للاستفزازات (الإسرائيلية) والتي طالت أيضاً قادة وشخصيّات إيرانية رفيعة المستوى، كان منها ما حصل قبل ثلاثة شهور عندما قصفت «إسرائيل» منطقة السيدة زينب واستشهد جراء عدوانها المسؤول الرفيع في الحرس الدوري الإيرانيّ رضا موسوي.
تظاهرت واشنطن بالدهشة من الضربة الإسرائيلية وادعت عدم معرفتها بها مسبقاً وهو ما لا يصدّقه أحد. لم يخرج الرد الإيراني الرسمي عن طريقته النمطية الاعتيادية وذلك بالقول إن إيران ستردّ على جرائم (إسرائيل) في المكان المناسب والزمان المناسب، وإن هذه الجريمة لن تمرّ من دون عقاب، وهي بذلك تؤكد التزامها بنظرية الصبر الاستراتيجي التي أعلنتها منذ مدة، وبشكل غير مباشر تريد إيران تأكيد أنها قوية وقادرة على الردّ، ولكنها تتحفظ في ردة فعلها، لأنّها تريد إحباط الهدف (الإسرائيلي) المتمثل بتوسيع رقعة الحرب، وقد تكلّف حلفاءها بالرد في البحر الأحمر أو بحر العرب، فيما تدّعي الصحافة العربية المتماهية مع الاحتلال أن المقاومة اللبنانية هي المكلفة بذلك.
لكن بعد الضربة الأخيرة يبدو أن المزاج العام في إيران قد أخذ ينفد صبره من سياسة الصبر الاستراتيجي هذه، وإن عدم الرد بشكل حازم سيزيد من العربدة الإسرائيلية التي قد تطال العمق الإيراني، وهو ما بدا جلياً بتصريحات الناطق باسم البرلمان الإيراني الذي أكد ان الانتقام للشهداء هو مطلب إيراني وطني ويحتاج إلى إجراء حاسم، وهو ما أكدته رموز سياسية إيرانية محافظة مثل حميد رسائي الذي قال إن الهجوم على السفارة هو هجوم على الأرض الإيرانية الوطنية ويجب على إيران الرد. فيما بعد شخصية إيرانية أكاديمية أخرى طلبت الرد باستهداف السفارات (الإسرائيلية) عبر العالم.
فهل هذه مؤشرات على أن مخزون الصبر الاستراتيجي الإيراني في طريقه للنفاد وأن هذه الحرب لا بدّ لها أن تتسع؟
والإجابة على هذا السؤال برسم الأيام المقبلة.
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير – جنين – فلسطين المحتلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى