أولى

فشل العدوان الأميركي الأطلسي وانهيار مشروع هزيمة روسيا استراتيجياً

‭}‬ محمد صادق الحسيني

على الرغم من الضجيج الإعلامي، الواسع النطاق، الذي تثيره آلة الإعلام الأميركية الأطلسية العملاقة، حول ما يسمّى الهجوم الأوكراني المضاد، المترافق مع زيارات المهرّج الأوكراني زيلينسكي لكلّ من هولندا والدنمارك والحديث المتزايد عن تسليمه مقاتلات أميركية الصنع، من طراز أف 16، المفترض إخراجها من الخدمة قبل نهاية 2024 في تلك الدول، فإنّ:
1 ـ موازين القوى الميدانية، على جبهات القتال في أوكرانيا، وتلك المتعلقة بموازين القوى الاستراتيجية، بين العملاقين الروسي الصيني الكوري الشمالي وذاك الأميركي الأطلسي، تشي بغير الأجواء الإعلاميّة، التي يشيعها الإعلام الأميركي الأطلسي.
2 ـ وهذا يعني بالضبط بأنّ ميزان القوى الدولي السياسي، يشهد اختلالاً استراتيجياً، لصالح المعسكر الروسي الصيني الكوري الشمالي، التي تشهد ليس فقط انهياراً متسارعاً لجيش أوكرانيا، المدرَّب والمسلح أميركياً وأطلسياً، وإنما استعدادات روسية صينية كورية شمالية، بالتعاون مع الجمهورية الإسلامية في إيران وبقية أطراف حلف المقاومة، للتصدّي لأيّ محاولات اعتداء على مصالح الأمن القومي الاستراتيجية، لكافة الأطراف المذكورة أعلاه المناهضة للهيمنة الأميركية الأطلسية في العالم.
3 ـ ما يعني أنّ موازين القوى وظروف المعركة العالمية هذه هي من أرغمت الإدارة الأميركية على اتخاذ خطوة نادرة الحدوث جداً، والتي تمثلت في:
قيام رئيس هيئة الأركان المشتركة، للقوات المسلحة الأميركية، الجنرال مارك ميلي، بزيارة لحاضرة الڤاتيكان في روما، حيث استقبله قداسة الحبر الأعظم، البابا فرنسيس، يوم أمس في الڤاتيكان.

ولا بدّ، في هذا الصدد، أن يتمّ التأكيد على مجموعة من الحقائق، لإظهار أهمية هذا اللقاء (بين رئيس أركان دولة نووية عظمى وأرفع شخصية قيادية مسيحية في العالم)، ومن أهمّ هذه الحقائق هي التالية:
أولاً: استقبال قداسة البابا ثمانية شخصيات مختلفة، يوم الاثنين 21/8/2023، في حاضرة الفاتيكان. كان الجنرال مارك ميلي هو الشخصيه الثالثة، التي قابلها الحبر الأعظم.
ثانياً: تنبع أهمية هذا اللقاء، من طبيعة الشخصية رقم اثنين، التي قابلها البابا يوم الاثنين.
وهي المونسينيور (الأسقف) فينتشينزو زاني، مسؤول الأرشيف العام ومسؤول مكتبة الڤاتيكان، المؤسستين اللتين يقتصر الدخول إليهما على مسؤولي الڤاتيكان، المخوّلين بذلك، وهم قلة قليلة جداً، وذلك لأنّ الأرشيف والمكتبة يحتويان على ملايين الوثائق والخرائط، المدنية والعسكرية السريّة، ومن بينها الخرائط العسكرية لجبهات القتال الحالية في أوكرانيا، وخرائط لسيناريوات عسكرية لاحتمال توسّع المواجهة الروسية الأطلسية، وصولاً الى الحرب النووية.
ثالثاً: من هنا، وفي ظلّ انهيار الجبهة الأوكرانية، ومع التذكير بالزيارة التي قام بها المبعوث البابويّ لكلّ من موسكو وكييف، قبل بضعة أسابيع، لسبر إمكانية تدخل قداسة البابا لطرح مبادرة سلام، لحلّ الأزمة الأوكرانية، خاصة أنّ قداسة البابا كان قد أعرب عن مخاوفه الحقيقية من تحوّل المواجهة العسكرية الحالية الى حرب عالمية جديدة، تستخدم فيها الأسلحة النووية، وانطلاقاً من ذلك فإنّ زيارة ميلي لحاضرة الڤاتيكان، واستقباله من قبل قداسة الحبر الأعظم، يُفترض أنها كانت تهدف الى ما يلي:
أ ـ طلب النصيحة السياسية من قداسة البابا وإحاطته علماً بأنّ الطرف الأميركي قد بات على قناعة بأنّ الهجوم الأوكراني قد فشل، وانّ آفاق مواصلة العمليات العسكرية، ضدّ الجيش الروسي لم تعد ذات جدوى، وعليه فلا بدّ من البحث عن مخرج «مشرِّف» للولايات المتحدة من المستنقع الأوكراني، قبل بدء الحملات الانتخابية الرئاسية الأميركية السنة المقبلة.
ب ـ وبالنظر الى الاجتماع، الذي عقده قداسة البابا مع مسؤول الأرشيف ومكتبة الڤاتيكان، قبل استقباله للجنرال الأميركي، فإنّ ما تمّ بحثه، بين قداسة البابا والجنرال مارك ميلي، قد تطرّق كما يُفترض الى مرحلة مفاوضات تفصيلية روسية أميركية، حول إنهاء الأزمة الأوكرانية، بما يلبّي المطالب الروسيّة ولا يبدو وكأنه هزيمة أميركية مدوية.
ج ـ التخلص من الرئيس الأوكراني الحالي، ضمن الترتيبات التي سيتمّ الاتفاق عليها بين موسكو وواشنطن، إضافة الى بحث خفض التصعيد بين الدولتين العظميين، كخطوة أولى، تمهيداً، ربما لتفاهمات/ أو اتفاقيات، تقوم بموجبها الولايات المتحدة بتفكيك منظومات الدفاع الصاروخي، التي نشرتها في كلّ من رومانيا وبولندا وجنوب شرق تركيا/ مقاطعة مالاتيا.
وهي جميعها خطوات تصبّ في تحقيق رغبات الڤاتيكان، التي عبّر عنها قداسة البابا مراراً، حول ضرورة خفض التصعيد في العالم أجمع، الأمر الذي يتوافق أيضاً مع الاستراتيجية الروسية، التي دعت دائماً لحلّ الخلافات الدولية من خلال الحوار السياسي والديبلوماسي وليس من خلال الحروب.
د ـ أما الخلاصة النهائية، لقراءة نتائج هذا الحدث الهام، فتتلخص في أنّ المحور الاستعماري الأميركي الأطلسي قد بدأ يقترب من الاعتراف بوقائع الميدان الأوكراني، وموازين القوى الاستراتيجية الدولية، خاصة في ظلّ افتضاح عجزه العسكري، وعجز صناعاته العسكرية، عن توفير شروط إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا، والصين أيضاً، والتي أعلنت عنها واشنطن مراراً وتكراراً.
وهذه التوجهات الأميركية الجديدة ليست سوى انعكاس للهزيمة العسكرية الأميركية الأطلسية ميدانياً، والتي تفوق، في حجمها وتداعياتها المستقبلية، كلّ الهزائم العسكرية التي لحقت بالإمبراطوريات العالمية، منذ وجود دولة المستوطنين في شمال أميركا وحتى الآن.
ولا نبالغ إذا ما قلنا إنّ تأثيرات سقوط المشروع الأميركي الأطلسي، الداعي لإلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا وتقسيمها الى 93 دولة، سيكون (التأثير) كما كانت تداعيات العدوان الثلاثي (حرب السويس) سنة 1956، على ما كانت تسمّى بريطانيا العظمى.
بعدنا طيّبين قولوا الله…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى