الوطن

هل أُصيب «الحراك» الوطني بالشلل الطائفي؟

} د. وفيق إبراهيم

يقترب الحراك الشعبي من شهرين على بدء انطلاقته، من دون أن يسجّل اي تقدمٍ نسبي في برنامج عمله المليء بشعارات كبرى تتراجع حالياً امام هجمات كبرى يشنها نظام الطوائف السياسي في لبنان.

هي اذاً مرحلة دقيقة يترتب عليها احتمالان: إما ان ينجو هذا الحراك متطوراً نحو مشروع وطني فعلي، او يقع فريسة لتلاعب الطوائف به، كما يحدث في غير منطقة لبنانية.

فما كاد مفتي الطائفة السنية الشيخ دريان يعلن تأبيد «الطائفة الاسلامية» لرئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري مرشحاً حصرياً ووحيداً لتأليف الحكومة الجديدة، حتى تشكلت تظاهرات في البقاع الغربي والرينغ والشمال وبعض انحاء العاصمة وأقفلت الطرقات، أما المشبوه هنا فهو استهدافها لكل أخصام الحريري من السياسيين السنة وجبران باسيل وإصرارها على حكومة تكنوقراط يحق للحريري ان يترأسها لأنه لن يحمل حقيبة وزارية فيها، حسب تبريرهم.

ان المثير للعجب هنا هو صمت الحراك الشعبي بأجنحته المتنوّعة عن هذا الاختراق الطائفي الكبير لأجزاء كان يعتقد انها تابعة له في مناطق الرينغ وجل الديب وعكار وطرابلس والبقاع الغربي، متجاهلاً اندساس فريق جنبلاط فيه على طول الطريق الساحلية والجبلية، حتى أن أحد المنتمين الى الحزب الاشتراكي كان يقطع طريق خلدة عندما تشاجر عسكريين أطلقوا عليه النار وقتلوه، فأصبح بين ليلة وضحاها «شهيد الحراك» والمعبر الذي يربط بين الحراك وحزب جنبلاط.

والحال نفسها مع حزب القوات الجعجعي الذي يبادر الى تنظيم قطع للطرقات متسربلاً لبوس الحراك الصامت الى حدود الخرس.

كان بالإمكان تجاهل الاختراقات الجنبلاطية الجعجعية الكتائبية لانتفاضة اللبنانيين. لكن الأمر بات خطيراً بعد إمساك جماعات طائفية واضحة يبني عليها الغرب الأميركي الأوروبي آمالاً كبيرة لتحقيق مشروعه على مستوى الاقليم.

فعندما يصل الوضع الى حدود استعمال الافتاء والمطارنة والشيوخ لتشريع قيادات كانت شبه منهارة، وتزويدها شحنات جديدة من الإسناد الطائفي من قوى دينية أساسية في المجتمع اللبناني، عندها فقط يجب على الحراك أن يميّز نفسه عن هذه المستجدّات، خشية تحوله اداة لها مهمتان: داخلية في التجديد للنظام الطائفي وربما لقرن جديد، والثانية بإعطاء دعم من لبنان للمشروع الأميركي في الاقليم.

ويؤكد البطريرك الماروني ان القانون الكنسي اعلى من القانون المدني! فعن أي دولة مدنيّة نتكلمويندفع المفتي الجعفري للدفاع عن الثنائية الشيعية، فيما يؤكد شيخ عقل الموحدين الدروز أن باب جبل لبنان يمر في قصر المختارة الجنبلاطي، وصولاً الى مطران الأرثوذكس عودة الذي هاجم سلاح حزب الله وما أسماه «هيمنته على لبنان».

فهل من باب المصادفات العجائبية أن يهاجم الاميركيون من مستوى رئاستهم الى الوزراء والسياسيين وخبرائهم، حزب الله وأدواره ويؤيدهم غبطة المطران من دون تنسيق مسبق بإيحاء الهي؟

لمزيد من الإيضاح فإن قيادات الطوائف من الفرع السياسي وبمباركة من الفرع الديني اعتمدوا خطة متدحرجة لاستيعاب الحراك بدأت بالاستيعاب عبر تأييد المطالب لغوياً، وهذا كان واضحاً في مطولات معظم سياسيي الطوائف المؤيدة للمطالب، وسرعان ما انتقلوا الى الاستثمار فيه، بتنظيم تظاهرات كانت تبدو وكأنها جزء من انتفاضة الحراك، لكنها لم تكن إلا وسائل من جعجع لمهاجمة منافسيه من فريق عونباسيل من التيار الوطني او من جنبلاط في وجه حزب الله الذي يؤيد منافسيه الدروز أو من الكتائب للعودة الى الدور السياسي المضطرب، هذا الى جانب اجنحة حزب المستقبل الحريري التي حرّكت تظاهرات ضخمة استهدفت فيها حلف حزب الله مع التيار الوطني الحر.

أما الجامع المشترك بين التحركات فبدا واضحاً في انسجامها مع المطالب الاميركية.

بضرورة إبعاد حزب الله وباسيل عن أي تشكيلة حكومية، والطريف ان هذا الطلب التكنوقراطي يصرّ عليه جنبلاط وجعجع والكتائب والسياستان الأميركية والأوروبية بتأييد خليجي واستحسان اسرائيلي.

فما يمكن استنتاجه هو ان الوضع المالي أشد تعقيداً، خصوصاً أن الإفتاء كرّس رئاسة الحكومة للحريري الذي عاد الى شروطه بحكومة تكنوقراط لا سياسيين فيها، وهذا يعني حصول أزمة حكم خطيرة جداً وسط انهيار اقتصادي متصاعد يهدد بتفجير لبنان على مستوى الكيان والدولة والنظام والمجتمع، فإما أن يقبل الجميع بشروط الأميركيين والحريري وإما فإن الوضع ذاهب الى انفجار.

فأين الحراك من هذه الإشكالية؟

يكتفي بالصمت، ويطلق أحياناً شعارات عن ملايين تؤيد مشروعه منظماً تظاهرات لم تعُد تجمع أعداداً وازنة، مخلياً الساحة لحركات تأديب بدأت تصيبه وتنال منه في وضح النهار، لذلك عليه جمع كامل اجنحة الحراك في برنامج واضح يبدأ بمسألتين: الدفع باتجاه رأس العلل، أي إلغاء النظام الطائفي واستحداث الهيئة الوطنية للإشراف على استثمار النفط استخراجاً واستثماراً.

اما ان يبقى على اسلوبه فكأنه يمنح النظام الطائفي فرصة تطبيق آخر نقطة من مشروعه بالقضاء على الحراك وهي قتله نهائياً. وهذا ما يحدث اليوم وسط غفلة من اهل الانتفاضة يأمل الكثيرون ان لا تكون طويلة.فهل يحافظ الحراك على مشروعهم؟ هذا يحتاج الى تحرك من نوع جديد يبتدئ بطرد المنتحلين والمندسين، والربط بين التآمر الداخلي وخطوطه الدولية والإقليمية، لأن من الاستراتيجي الآن هو عدم السماح لأهل الطائفية السياسية بالاستقرار في النظام السياسي اللبناني لقرن جديد وربما أكثر

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى