من ينقذ لبنان من كورونا الفساد؟
} علي بدر الدين
يقول ابن خلدون في مقدمته «إذا رأيت الناس تكثر الكلام المضحك وقت الكوارث، فاعلم أنّ الفقر قد اقبع عليهم وهم قوم بهم غفلة واستعباد ومهانة كمن يُساق للموت وهو مخمور».
هذا هو واقع حال اللبنانيين الذين تعاملوا مع فيروس «كورونا» بكمّ من النكات والتعليقات الساخرة. ومن حقهم ان يهربوا من واقع الهلع والذعر الذي أصابهم ومن الخطر الذي يداهمهم ويقتحم حياتهم أيا كان مصدره ونوعه وطبيعته خاصة أنّ الطبقة السياسية الحاكمة أتخمتهم بالأزمات والمشكلات والويلات، وكتمت أنفاسهم، وحرمتهم من العيش بأمان واطمئنان، وسلبت حقوقهم وقضت على كلّ أمل لهم بأنّ المستقبل سيكون أفضل باعتمادها نهج الفساد والمحاصصة وهم خبروا جيداً سلبيتها على مدى ثلاثة عقود وعدم جديتها وسوء تعاطيها مع كلّ طارئ ومستجدّ سياسياً كان او اقتصادياً او مالياً او صحياً او بيئياً وقد تمرّست هذه الطبقة بسياسة المماطلة والتسويف والإهمال والحرمان لا همّ عندها سوى الحفاظ على مصالحها ومكتسباتها ومواقعها السلطوية وهي لم تعتد على القيام بواجباتها وتحمّل مسؤولياتها فتستبق وقوع الحدث باتخاذ الإجراءات الوقائية المطلوبة في الزمان والمكان الصحيحين للتخفيف من الخسائر وطمأنة الشعب بكلّ وضوح وشجاعة مهما كانت الحقيقة مرة وصعبة.
ما حصل بعد شيوع خبر إصابة عدد من المواطنين بـ «كورونا» ادّى الى تهافت المواطنين الى الصيدليات لشراء الكمامات والمواد المطهّرة مما فتح المجال أمام احتكار جديد واستغلال هلعهم والتلاعب بالأسعار حيث تحوّلت الى بورصة عرض وطلب وكلما ازداد الطلب عليها ارتفع سعرها وبلغ رقماً غير مسبوق من دون اتخاذ أيّ إجراء بحق الصيدليات المستغلة لوجع الناس وخوفهم باستثناء محاضر ضبط متواضعة على بعض هذه الصيدليات.
إنّ تجار الفرص والمناسبات نصبوا فخاً للخائفين وقعوا فيه وابتلعوا الطعم ولم يتعلّموا من التجارب عندما يسوّق أصحاب المصلحة لفقدان سلعة او مادة من الأسواق كما حصل مع إعلان نقابة الأفران عن الإضراب المفتوح مما دفع بالمواطنين للتسابق الى الأفران والمحال التجارية وإفراغها من الخبز، وهو تكرار لما حصل قبلاً في التسويق لانقطاع المحروقات على أنواعها.
إنّ لبنان كغيره من الدول التي انتشرت فيها فيروسات قاتلة مماثلة سابقاً مثل جنون البقر وانفلونزا الطيور والخنازير والايبولا وغيرها… كلها عبرت وخرج منها لبنان سالماً وطويت صفحاتها، ولكن يبدو أنّ لـ «كورونا» حديث آخر وحسابات أخرى لأنّ ظهوره وانتشاره في دول معينة فسّرا على أنه من صنع دولة بعينها وهي الولايات المتحدة التي تستهدف الصين الدولة العظمى التي تتحضّر لمنافستها اقتصادياً وعلمياً، وكذلك إيران هي رأس هرم محور المقاومة ومن خلالها استهداف دول محورها المتمثل بالعراق واليمن ولبنان وسورية. وبعيداً عن مدى صحة هذا الكلام او عدم صحته فإنّ «كورونا» بات ضيفاً ثقيلاً وقاتلاً ويُحسب له ألف حساب، وأياً كان مصدره والواقع يفرض مواجهته بجدية ومسؤولية وعدم الركون او الاستسلام له لأنه الخطر بعينه. والبعض يتهم الطبقة السياسية بأنها ضخمت موضوع «كورونا» بهدف إخافة الناس وإشغالهم بالبحث عما يُبعد عنهم هذا المرض القاتل ومن أجل زعزعة الحراك ومنع التجمعات خوفاً من عدوى انتقاله، وانّ للطبقة السياسية مصلحة في ذلك بوجود وفد صندوق النقد الدولي لتمرير الاتفاق وشروطه بهدوء ومن دون ضجيج ولصرف الأنظار عن العجز في إنقاذ الأوضاع الاقتصادية والمالية والتغطية على سطو المصارف وسكوت الطبقة السياسية على أموال المودعين، وإنّ «كورونا» خدم هذه الطبقة وجاء في وقته، وكما يُقال «ربّ ضاره نافعة» للطبقة السياسية المصابة بـ «كورونا» الفساد والمحاصصة ونهب المال العام، وهو أشدّ خطراً على الوطن والناس ولا أحد قادر على معالجته وإيجاد اللقاحات له في حين انّ «كورونا» قابل للعلاج ولو بعد حين. رغم خطره المستوطن بين الناس.
مع استمرار «كورونا» الطبقة السياسية العصيّ على الحلّ لغاية اليوم، والأمل بالقضاء على فيروس «كورونا» الوبائي قريباً فإنّ لبنان على موعد مع الجراد الذي يغزو المنطقة ولم نجد من الجهات المعنية أيّ جدية في التعامل معه ولا معلومات عن الإجراءات التي يمكن اعتمادها لإفشال غزوتها التي يُقال إنها على بعد أيام، وهذا لن يخيف اللبنانيين الذين خبروا أنواعاً من الجراد أكلت الأخضر واليابس.