أولى

في الذكرى الرابعة والأربعين ليوم الأرض محطات في تاريخ الصراع ووقفات عزّ قومية

سماح مهدي_

 

يُعدّ يوم 1/8/1882 في التاريخ الحديث نقطة الانطلاقة الفعلية من قبل العدو اليهودي باتجاه اغتصاب أرضنا في فلسطين. ففي ذلك التاريخ أنشأت حركة «أحباء صهيون» أول مغتصبة يهودية على أرض فلسطين.

إلا أنّ الإعلان الأبرز عن ذلك التوجه الاغتصابيّ كان على إثر تأسيس المنظمة الصهيونية العالمية بتاريخ 29/08/1897، وعقدها لمؤتمرها الأول في مدينة بازل السويسرية، وكانت أبرز مقرراته إقامة «وطن قومي لليهود» على أرضنا في فلسطين.

باشرت الحركة الصهيونية نشاطها لتستفيد من اندلاع الحرب العالمية الأولى وتوقيع اتفاقية سايكسبيكو التقسيمية بتاريخ 16/05/1916، فاستحصلت بتاريخ 02/11/1917 على ذلك الوعد المشؤوم من وزير خارجية بريطانياآنذاكآثر بلفور بإقامة الوطن القومي اليهودي المزعوم.

بطبيعة الحال، تصدّى أبناء شعبنا في فلسطين للخطة اليهوديّة المعادية، وعقد المؤتمر الفلسطيني الأول في القدس بتاريخ 27/01/1919. وتلاه المؤتمر الشعبي الكبير في فلسطين بتاريخ 05/03/1919 الذي تقرّر فيه رفض الاحتلال البريطاني ووعد بلفور والهجرة اليهودية ِإلى فلسطين.

ويسجل التاريخ في 27/02/1920 خروج أول تظاهرة وطنية فلسطينية احتجاجاً على سلخ فلسطين عن سورية، فأعلن شعبنا الفلسطيني تمسكه بهويّته القومية وإصراره على البقاء موحداً مع محيطه الطبيعي.

وعلى الرغم من تقرير عصبة الأمم تم تنفيذ الاحتلال البريطاني لفلسطين بتاريخ 24/07/1922، إلا أنّ شعبنا الفلسطيني البطل استمرّ في رفضه ومقاومته لذلك الاحتلال حتى وصل إلى إعلان الثورة الشاملة بتاريخ 15/04/1936.

ولا نذيع سراً أنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي تأسّس في 16/11/1932 ليكون الخطة النظامية المعاكسة للمشروع اليهودي ولحركته السياسية المسمّاة بالحركة الصهيونية، كان واحداً من المشاركين في تلك الثورة، حيث لبّى القوميون الاجتماعيون نداء فلسطين، وقاتلوا دفاعاً عنها ضدّ العصابات اليهودية. فكان أن ارتقى في مدينة نابلس بتاريخ 23/09/1936 أول شهداء الحزب الرفيق حسين البنا إبن بلدة شارون في قضاء عاليهجبل لبنان.

على الرغم من التصدي البطولي لأبناء شعبنا الفلسطيني في مواجهة مغتصبي الأرض، جاءت لجنة بيل لتعلن عن اقتراحها في 07/07/1937 للمرة الأولى بتقسيم فلسطين إلى دولتين تكون الأولى لأهل الأرض الأصليين والثانية لمغتصبيها من اليهود.

بدأت الحرب العالمية الثانية، فوضعت الحركة الصهيونية كلّ ثقلها للاستفادة من نتائجها في سبيل تحقيق هدف إقامة كيان الاحتلال، خاصة بعد إنشاء الأمم المتحدة بتاريخ 24/10/1945 لتكون الهيئة الدولية الجديدة التي ترعى مصالح الأمم المنتصرة في الحرب.

بتاريخ 02/03/1947 عاد مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي أنطون سعاده من مغتربه القسري إلى لبنان، فكانت في استقباله حشود قدّرت بعشرات الآلاف من القوميين الاجتماعيين، فألقى خطابه الشهير المعروف بخطاب العودة الذي جاء فيه:

«ولعلكم ستسمعون من سيقول لكم إنّ في إنقاذ فلسطين حيفاً على لبنان واللبنانيين وأمراً لا دخل للبنانيين فيه. إنّ إنقاذ فلسطين هو أمر لبناني في الصميم، كما هو أمر شامي في الصميم، كما هو أمر فلسطيني في الصميم. إنّ الخطر اليهودي على فلسطين هو خطر على سورية كلها، هو خطر على جميع هذه الكيانات».

استمرّت الخطة المشؤومة في سيرها، فصدر قرار الأمم المتحدة رقم 181 بتاريخ 29/11/1947، والذي قضى بتقسيم فلسطين كما خطّط له أيام عصبة الأمم. ليتبع ذلك إعلان قيام كيان الاحتلال الإسرائيلي بتاريخ 15/5/1948.

ما كان هذا الإعلان أن يمرّ مرور الكرام، فانتفض كلّ من أحبّ فلسطين ليدافع عنها في مواجهة ذلك العدو الوجودي. ومجدّداً، واستجابة لنداء زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي أنطون سعاده تشكلت الفرق القوميّة للذوْد عن جنوب الأمة السورية، فكانت أولاها «فرقة الزوبعة الحمراء» التي تأسّست بتاريخ 21/5/1948 لتقاتل بقيادة الأمين الراحل مصطفى سليمان النبالي.

استولى المغتصبون اليهود نتيجة حرب العام 1948 على ما يقارب من 78% من أرض فلسطين، وقاموا بتهجير حوالي 85% من أهلها.

لم تكد تضع الحرب أوزارها حتى أعلن كنيست الاحتلال القدس عاصمة أبدية لكيان الاغتصاب اليهوديّ بتاريخ 23/01/1950. وتلا ذلك إصدار ما يُسمّى بقانون العودة بتاريخ 5/7/1950 الذي يبيح أرض فلسطين لكلّ يهود العالم.

تسارعت الهجرة اليهودية إلى أرض فلسطين المحتلة، وسعت حكومة الاحتلال إلى تهويد كلّ القرى والمدن الفلسطينية حتى تلك التي صمد فيها أهلها ورفضوا تهجيرهم رغم كلّ الضغوط التي تعرّضوا لها من قبل قوات الاحتلال.

من ضمن الأراضي المستهدفة بعملية التهويد كانت الأراضي التي تعرف باسم «المل» أو المنطقة رقم 9، وهي تقع ضمن قرى سخنين وعرابة ودير حنا، وتبلغ مساحتها 60 ألف دونم.

وكانت هذه الأراضي تحت سيطرة جيش الاحتلال البريطاني بين عامي 1942 و1944 حيث كان يستخدمها كمنطقة تدريبات عسكرية أثناء الحرب العالمية الثانية.

أبقى جيش الاحتلال الإسرائيلي على الوضع نفسه الذي كان سائدًا في أيام الاحتلال البريطاني، حتى جاء العام 1956 فقام بإغلاق المنطقة بهدف إقامة مخططات بناء مغتصبات يهودية ضمن مشروع تهويد الجليل.

نتيجة لطبيعته الاحتلالية والتوسعية، لم يكتفِ كيان الاحتلال بما احتله من أراضٍ في العام 1948، حتى بلغ أوجه في حرب العام 1967 التي تمكن خلالها من احتلال ما تبقى من أرض فلسطين والجولان وسيناء.

محطة جديدة يثبت فيها الحزب السوري القومي الاجتماعي أنه حزب فلسطين عبر تشكيل «جبهة الفداء القومي» بقيادة الأمين الراحل سامي خوري، والتي نفذت عمليات عدة ضدّ جيش الاحتلال كان أبرزها العملية البطولية التي نفذت في غور الأردن بتاريخ 17/03/1968 وأسر فيها الرفيق الدكتور عزمي منصور.

على الرغم من تحرير أجزاء من أرضنا القومية المحتلة خلال حرب تشرين التحريرية في العام 1973، إلا أنّ الصراع لم يتوقف، بل استمرّ في سبيل تحرير ما تبقى من أرض تحت الاحتلال ومنع تهويدها ومصادرتها.

وفي هذا الإطار عقد بتاريخ 29/07/1975 اجتماع في حيفا المحتلة حضره مبادرون لتنظيم حملة الاحتجاج على مصادرة الأراضي الفلسطينية بعد أن أعلنت سلطات كيان الاحتلال عزمها على مصادرة 21 ألف دونم من أراضي نحو 12 قرية فلسطينية. وقد ضمّ الاجتماع عدداً من رؤساء المجالس المحلية الفلسطينية وشخصيات وطنية مختلفة من مجاهدين وأطباء ومثقفين ورجال دين وفلاحين. وتقرّر في هذا الاجتماع تشكيل لجنة للدفاع عن الأراضي الفلسطينية.

بتاريخ 15/8/1975 دعت هذه اللجنة إلى عقد اجتماع شعبي موسّع في الناصرة المحتلة تقرّرت فيه الدعوة إلى مؤتمر شعبي عام للمطالبة بوقف مصادرة الأراضي. وصدر عن الاجتماع نداء موجه إلى الرأي العام يدعوه إلى المشاركة في الحملة ضدّ سياسة المصادرة، حيث وقع على هذا النداء آلاف المواطنين وجميع الهيئات الشعبية والمجالس المحلية الفلسطينية.

وعقدت لجنة الدفاع بعد ذلك عشرات الاجتماعات الشعبية في الجليل والمثلث، فكان أبرزها المؤتمر الشعبي العام الذي عقد في الناصرة المحتلة بتاريخ 18/10/1975، الذي عدّ أكبر مؤتمر شعبي يُعقد في فلسطين المحتلة بعد عام 1948 حتى ذلك الحين.

وفي هذا المؤتمر تقرّر إعلان الإضراب العام وتنظيم مظاهرات أمام كنيست العدو إذا لم تتراجع حكومة الاحتلال عن مخططات مصادرة الأراضي الفلسطينية وتهويدها. لكن سلطات الاحتلال تجاهلت ذلك وضربت بمطالب أبناء شعبنا الفلسطيني عرض الحائط.

استمرّ العدو المحتلّ في ممارسة أعمال التهويد، فصدر بتاريخ 13/02/1976 قرار بإغلاق منطقة المل (المنطقة رقم 9) ومنع أهلها من أبناء شعبنا الفلسطيني من الدخول إليها.

كما صدرت بتاريخ 1/3/1976 وثيقة متصرف لواء الشمال في ما يسمّى وزارة داخلية الاحتلال (وثيقة كيننغ) المتضمّنة مجموعة اقتراحات لاستكمال تهويد الجليل، حيث تضمّنت النقاط التالية:

1 ـ تكثيف الاستيطان اليهودي في شمال فلسطين المحتلة (منطقة الجليل).

2 ـ السعي لإنشاء حزب من أبناء شعبنا الفلسطيني يُعتبر «أخاً» لحزب العمل الإسرائيلي ويركز على المساواة والسلام.

3 ـ رفع التنسيق بين الجهات الحكومية الاحتلالية في معالجة مسائل أبناء شعبنا الفلسطيني.

4 ـ إيجاد إجماع «قومي يهودي» داخل أحزاب الاحتلال حول موضوع أبناء شعبنا الفلسطيني الصامدين داخل الأرض المحتلة.

5 ـ التضييق الاقتصادي على العائلات الفلسطينية عبر ملاحقتها بالضرائب وإعطاء الأولوية لليهود في فرص العمل، وكذلك تخفيض نسبة أبناء شعبنا الفلسطيني في التحصيل العلمي وتشجيع التوجهات المهنية لدى التلاميذ.

6 ـ تسهيل هجرة الشباب والطلاب من أبناء شعبنا الفلسطيني إلى خارج البلاد ومنع عودتهم إليها.

 دعت لجنة الدفاع بالاشتراك مع لجنة رؤساء المجالس المحلية الفلسطينية إلى اجتماع موسّع عقد في الناصرة المحتلة بتاريخ 6/3/1976 وحضره أكثر من 70 مندوباً يمثلون مختلف القرى والتجمعات الفلسطينية في المثلث والجليل. وفي هذا الاجتماع اتخذ القرار التاريخي بإعلان الإضراب العام يوم 30 آذار عام 1976. لكن سلطات الاحتلال استمرت في تنفيذ مخططها التهويدي.

وبتاريخ 19/3/1976 أصدر وزير المالية في حكومة الاحتلال أمر مصادرة الأراضي الفلسطينية. وانكبّت حكومته على ممارسة شتى أنواع الترهيب بهدف ضرب وحدة أبناء شعبنا الفلسطيني ومنع نجاح الإضراب المقرّر.

وأشاعت حكومة الاحتلال أنه سيتمّ صرف كلّ العمال الذين يتغيّبون عن أعمالهم يوم 30 آذار 1976 من دون تسديد تعويضاتهم المستحقة. كما عمّمت على الدوائر بعدم إعطاء إجازات للعمال من أبناء شعبنا الفلسطيني في يوم الإضراب المحدّد.

كما عمدت حكومة الاحتلال إلى تعبئة قوات كبيرة من الشرطة وحرس الحدود والجيش، ومركزتها في القرى والمدن الفلسطينية.

لم تكتف حكومة الاحتلال بكلّ هذه التدابير الاستثنائية، بل بات وزير شرطتها في مدينة الناصرة المحتلة منذ تاريخ 29/03/1976 ليتابع شخصياً كلّ إجراءات القمع الاحتلالية، حتى وصف ذلك اليوم بأنه اليوم الذي لم يبق فيه جهاز في كيان الاحتلال إلا واشترك في محاولة إفشال الإضراب.

على الرغم من كلّ هذا الاستنفار العام لدى جميع أجهزة سلطات الاحتلال، قرّرت لجنة الدفاع عن الأراضي الفلسطينية والقوى الوطنية الأخرى الاستمرار في المواجهة وخوض صراع قاسٍ مع حكومة الاحتلال أقلّ ما يُقال فيه إنه صراع وجود بكلّ ما تحويه الكلمة من معنى.

وكما هو مقرّر، في يوم الثلاثين من آذار من العام 1976، عمّ الإضراب الشامل مدن وقرى الجليل والمثلث الفلسطينية. فصبّت سلطات الاحتلال جامّ غضبها على أبناء شعبنا الفلسطيني في محاولة بائسة منها لثنيه عن المضي في إضرابه. مما أدّى إلى اشتباكات مباشرة مع قوات الاحتلال كانت أشدّها ضراوة في قرى سخنين وعرابة ودير حنا.

ارتقى نتيجة الصدامات البطولية مع قوات الاحتلال ستة شهداء: ثلاثة من سخنين هم خديجة قاسم شواهة ورجا أبو ريا وخضر خلايلة، وخير ياسين (من عرابة) ومحسن طه (من كفركنا) ورأفت علي زهيري (من مخيم نور شمس في الضفة الغربية واستشهد في الطيبة). هذا فضلاً عن 49 جريحاً ونحو300 معتقل. فيما أصيب من شرطة الاحتلال 20 شرطياً.

لا يختلف إثنان على أنّ يوم الأرض شكل علامة فارقة في تاريخ الصراع الوجوديّ بين أبناء شعبنا في فلسطين المحتلة وقوات الاحتلال. فكانت هذه واحدة من المحطات الأبرز في تاريخ المقاومة الوطنية الفلسطينية المستندة إلى إرادة شعبية موحدة تمكنت من قيادة مواجهات بطولية ضدّ المحتل اليهودي على الرغم من انعدام الموارد واختلال موازين القوة المادية.

يوم الأرض، نجمة مضيئة في تاريخنا القومي المليء بوقفات البطولة، يستمدّ شعبنا الفلسطيني منها روحه المقاومة، فكان في العام 2018 شرارة الانطلاق لمسيرات العودة التي انطلقت من قطاع غزة المحاصر باتجاه أرضنا الفلسطينية المحتلة عام 1948. فأراد أهلنا المقاومون في غزة، ومن ضمنهم رفقاؤنا في منفذية جنوب فلسطين، أن يجعلوا من هذا التاريخالثلاثين من آذارتاريخاً محفوراً في الذاكرة القومية أنه تاريخ حياة التي لا يمكن أن تكون إلا وقفة عز فقط.

 

*عضو المجلس الأعلى في الحزب السوري القومي الاجتماعي.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى