الوطن

أربعون نجمة مضيئة على جبهة الرئيس بري أمينُ «أمل»: الشهداء رحلوا لنحيا بعزٍ وكرامة

} محمد حميّة

أربعون عاماً والرئيس نبيه بري متربّعاً على قيادة حركة أمل إحدى أبرز الحركات والأحزاب اللبنانية التي ساهمت في صناعة التاريخ المعاصر وصياغة النظام السياسي في لبنان.

الرابع من نيسان 1980. صفحة مضيئة من تاريخ لبنان. آنذاك انعقد المؤتمر العام للحركة الذي يضم المكتب السياسي وقيادات المناطق والأقاليم والهيئات التنفيذية وعائلة الإمام المغيب السيد موسى الصدر والمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى وانتُخب المحامي نبيه بري رئيساً للحركة بالإجماع. إلا أن مصادر قياديّة مخضرمة في «أمل» تروي التفاصيل الدقيقة والحقيقية لانتقال دفة القيادة من الرئيس السابق حسين الحسيني الى الرئيس بري. فتقول إن المؤتمر انعقد في جلستين وليس في واحدة كما هو معروف. الأولى كانت في 4 نيسان 1980 وانتخب المؤتمر مجلس قيادة الحركة وانتخب الرئيس بري رئيساً له وأعد صيغة تنظيمية من صفحتين أقر خلالها أن ينتخب رئيس الحركة انتخاباً ثم عاد وعقد جلسة ثانية في 25 نيسان 1980 وانتخب الرئيس بري رئيساً للحركة بالإجماع وانتخب مع الرئيس بري ايضاً نائباً للرئيس وناطقاً رسمياً.

فكيف حمل «امين أمل» إرث الإمام على مدى أربعين عاماً؟

مُذ ذاك الوقت انصبّت جهود الرئيس الجديد على الوضع التنظيمي للحركة وكيفية تطوير أدائها السياسي والعسكري. فنباهة «النبيه» دفعته لاستشراف السنوات العجاف من المعارك على مساحة الوطن. فبدأ يُعدّ العدة لمواجهة المقبل من الايام.

حول الرئيس بري «أمل» من حركة «شيعية» الى حركة لبنانية ذات اهتمامات وطنية عبر علاقاته الداخلية والخارجية، أما أبرز المحطات السياسية والعسكرية التي طبعت قيادته فهي:

المرحلة الشيعية كما ورثها من الرئيس السابق حسين الحسيني حيث عمل الرئيس بري على انتزاع «الحركة» من اطارها الديني المذهبي الى رحاب الوطن.

مرحلة الدفاع عن المقاومة الفلسطينية امتداداً الى مرحلة الدفاع عن الجنوب بالتصدي للعدوان الاسرائيلي لا سيما اجتياح 1982 واجهاض مفاعيله السياسية والامنية المعروفة باتفاق السابع عشر من أيار عام 1983 عبر قيادته لانتفاضة السادس من شباط التي أسست لمرحلة جديدة من المقاومة وإسقاط مشاريع التقسيم والتوطين والهيمنة الأميركية.

التحالف مع سورية للدفاع العربي في حماية الحقوق العربية والقومية، فثبت ركائز العلاقة مع سورية إبان قيادة الرئيس الراحل حافظ الأسد ووضع قضية فلسطين نصب  العرب والامة والاحرار في العالم. قاد المقاومة في العام 1982 في مواجهة الاجتياح الاسرائيلي وتنقل على الجبهات بين الجنوب والضاحية وخلدة؛ والذاكرة تشهد عندما امتشق سلاحه في مكتبه في بربور وهمّ مسرعاً متقدماً عناصر أمل لمقارعة قوات العدو الاسرائيلي عندما علِم أنهم وصلوا الى خلدة.

مرحلة التصدي لمؤامرات القضاء على المقاومة وإسقاط لبنان وتقسيمه ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتوّجت بالعدوان الاسرائيلي على لبنان في تموز 2006 واستكمالها بأساليب جديدة من الحروب الإرهابية والاقتصادية والماليةتوطيد ركائز العلاقة مع ايران لبناء جبهة اقليمية على مستوى الشرق الأوسط لمواجهة المشاريع والمخططات الأميركية الإسرائيلية، فالرئيس بري شكل قيادة وطنية بمدى إقليمي وتحوّلت معه «الحركة» قوة لبنانية في خدمة الوطن بأبعاد عربية وإقليمية.

لا يمكن إغفال 28 سنة قضاها «الأستاذ» في سدة رئاسة السلطة التشريعية حيث أدار اللعبة النيابية والسياسية الداخلية من على منصة الندوة البرلمانية بمطرقته المعروفة وبدهاء قل نظيره وكان حارس البرلمان وخط دفاع أول في مواجهة المشاريع السياسية الداخلية والخارجية.

ويركز المطلعون على علاقة الرئيس بري بالإمام الصدر ويصفونها بالأخوية والوطيدة وتعود لسنوات طويلة قبل تبوء رئيس المجلس النيابي رئاسة الحركة إذ كان مواكباً لحركة الإمام ومسيرته بكل تفاصيلها ومحل ثقته ورجل مهماته كما يقول عضو هيئة الرئاسة في الحركة خليل حمدان الذي يشير ايضاً الى اهمية علاقة الرئيس بالقائد الشهيد مصطفى شمران والتي لا مجال لذكرها.

«الرئيس» الذي خاض كل هذه المراحل والمواجهات التي كتبت تاريخ لبنان الحديث ورسمت مستقبله، هو الأب العطوف وصاحب اللفتة الإنسانية ورجل المبادرات الوطنية والعاشق للناس ولقائهم ومتابعة شؤونهم اليومية والحياتية رغم انشغالاته المتعددة وظروفه الأمنية الدقيقة. فعندما تدخُل دارته تشعر بقشعريرة تتملك جسدك وتعلو نبضات قلبك وتحس بفائض من القوة والاعتزاز. تلقاه فتراه يضج حياة وحركة وحيوية، يتابع كل الجبهات يستقبل زواره بلياقة ودماثة لافتين، يأسرك بطلته وببريق عينيه ونظراته الثاقبة وسرعة بديهته ويقرأ أفكارك قبل أن تنطق ببنت شفا، لا تملّ من النظر اليه تنجذب الى شخصيته الفذة والفريدة وتنشد الى كلماته وحركات يديه وأشعاره وأقواله المأثورة ونكاته المعبرة التي تنطوي على الحكمة وتستبطن الرسائل المشفرة. لا يكل ولا يمل من العمل بارعٌ محنكٌ محترفٌ ذو فطنة وذاكرة فريدة، تخال كل يوم يمر من عمره يسافر الى سني الصبا وزمن الشباب، فقبل الظهر يمارس نشاطه السياسي والدبلوماسي الرسمي المعتاد ويفرغ بعد الظهر وفي المساء الى متابعة شؤون أخرى. ينهمك بالحديث الى زواره تارة ومع معاونيه ونواب كتلته تارة أخرى، يعطي تعليماته وتوجيهاته يتابع الشؤون الحركية ويسأل عن أحوال الجنوبيين والبقاعيين في كل قرية وبلدة ومنطقة ويولي المزارعين والصيادين والصناعيين وسائقي النقل العام والطلاب أولوية. يخصص وقتاً لمتابعة الأوضاع التنظيمية في الحركة يعقد اجتماعاً أسبوعياً لهيئة الرئاسة في الحركة لمناقشة القضايا المصيرية. عند ذكر شهداء الحركة في مجلسه يتجمد الوقت وتتبعثر الأفكار وتنحبس كلماته في قلبه وتستقيم النظرات في مقلتيه وكأنك وضعت يدك على جرحه، فالشهداء هم جرح «النبيه» النازف الذي لن يتوقف كما جرح تغييب الإمام ورفيقيه، يُجيب «امين الدماء والشهداء» بالقول: «الشهداء رحلوا ارتاحوا. نيّالهم في عليائهم وجناتهم الخالدة. وبقينا نحنا للهم نتابع مسيرتهم ونتحمل المشقات، هم رحلوا لأجلنا لكي نحيا بعزة وكرامة ولولاهم لما كنا هنا لما كانت مقاومة ولا سلطة ولا دولة ولا وطن ولا أمة». 

لم يترجل «فارس المهمات» عن صهوة أدواره ومسؤولياته الجسيمة والثقيلة، فآثر البقاء والثبات في قلب المعركة الداخلية والاقليمية مهما اشتدت وطأتها، فهو نصير الوطن والمرشد السياسي للدولة والحكومات وحارس البرلمان، يدفع الضيم عن الوطن، يشحن المقاومين بالمعنويات، يواسي عوائل الشهداء يضمد جراحات الثكالى يكفكف دموع الايتام.

فالعارفون ببواطن عقله يدركون أن السلطة باتت بالنسبة اليه منذ فترة طويلة عبئاً ثقيلاً تئِن من حمله الجبال، فالأمانات أصعب الأثقال، كما يقول رسول الله فكيف اذا كان «إرث» الإمام الصدر والشهداء هما الأمانة!

فكما أراد الامام «أمل» رسالة إنسانية تتخطى الوطن والاقليم والأرض لتصل الى السماء، فإنها متصلة بالعلاقة مع الخالق وأبعد بكثير من مجرد تنظيم سياسي تقليدي يهدف الوصول الى السلطة، فهكذا كان «الأستاذ» ليس هاوياً منصباً حزبياً وسياسياً بل حامل أمانة وحافظ رسالة.

يتنقل «سيد عين التينة» بين المواقع والميادين. فتراه «الرئيس» الحركي عندما تشتد الحملة على «أمل» والرئيس «الدولة» والمفاوض العنيد عندما يتهدد الوطن خطر خارجي في سيادته وثرواته. و»البرلماني» العريق والمخضرم والمحنك عندما يقف لبنان على حافة قرار مجلسي. وهو الرئيس «النبيه» عندما يقع الوطن قي أزمة داخلية مستعصية عقيمة وتتلاطمه المحن وتضيع قواه السياسية البوصلة وتتوه في خلافاتها. هو الرئيس المقاتل والمحارب الشرس عندما يقترب «الشركاء» في الوطن الى «الحصة الشيعية» في الدولة وهو «المالي» عندما يُمس الأمن المالي والغذائي كما حصل في تصديه لمسألة «اليوروبوند» وهو «المصرفي» حينما امتدت يد المصارف على ودائع اللبنانيين فأطلق رصاصة الرحمة على مشروع «الكابيتال كونترول» في مجلس الوزراء وهو «الرئيس المغترب» عندما تحول الحكومة المغتربين في أوطانهم الثانية الى غرباء فيحدث صدمة ايجابية في قلب الحكومة فتتحرك لاستعادة المغتربين. هو الفلسطينيو»فتى العروبة» عندما تتعرض فلسطين وقضايا العرب للانتهاك وهو المسلم عندما يتعرض مسلمو العالم للاضطهاد والمسيحي عندما تحل مشاريع التهجير والتقسيم والفتن الطائفية.

نبيه بري «الرئيس» الذي لا بديل عنه ولن تلد مثله أمهات العرب والذي لن يكرره التاريخإنه رجل «نصف القرن» بلا منازع مع أربعين نجمة مضيئة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى