اقتصاد

أموال المودعين لن تكون الحلقة الأضعف والحل باستعادة الأموال المختلسة

} علي بدر الدين

يتفاقم السجال حول أموال المودعين في المصارف بين ناهبي المال العام والخاص على مدى عقود وحيتان المال من أصحاب المصارف في ملهاة جديدة عنوانها المزايدة وطمس الحقائق والادّعاء زوراً وبهتاناً انّ هؤلاء أثرياء الحروب والصراعات الطائفية والمذهبية والشركاء في سياسة الفساد والمحاصصة والسمسرات والصفقات والنهب تحوّلوا الى ملائكة فجأة وصحت ضمائرهم بقدرة قادر ولا همّ عندهم سوى أموال المودعين، ولا مفرّ من الاقتطاع منها لأنّ جلدهم يتحمّل السلخ وكأنهم لم يتعبوا بجنى عمرهم في لبنان وبلاد الغربة، مع استثناء من كدّس الأموال، أما من شحّ او حرام كما قال الإمام علي بن أبي طالب.

انّ التركيز على أموال المودعين واللجوء إلى مصطلحات ومفاهيم وإغراءات غير مفهومة من اللبنانيين الذين لجأوا إلى المصارف لاعتقادهم الخاطئ أنه مكان آمن لمدّخراتهم مهما بلغ حجمها وقيمتها علّها تقيهم من قساوة الزمن الذي نعيشه ولم يدركوا أنّ الطبقة السياسية الحاكمة نصبت لهم فخاً لسرقة أموالهم بالشراكة مع القطاع المصرفي بعد ان أفرغت الخزينة من أموال الدولة والشعب والمؤسسات وأغرقتهم بديون خارجية وداخلية تقترب من مائة مليار دولار، وتحاول ان تكفر عن جريمتها المالية الموصوفة بحق أموال المودعين الذين عملياً لا يملكونها سوى على الورق وتتلاعب عليهم بسوق عكاظ المزايدات بكلّ وقاحة ومن دون ان يرفّ لها جفن.

الأسوأ في مسرحية الحرص على هذه الأموال أنّ أبطالها، أو معظمهم، هم من أفلس البلد وحرم الشعب من حقوقه الاجتماعية والمعيشية والصحية، وهم من رفع سعر صرف الدولار وأسعار السلع، وهم من أفقره وجوّعه وحوّله إلى مجرد رقم لا قيمة له ولا فائدة منه وعاطل عن العمل، وأكثر ما يتمناه ان تصله الحصة الغذائية الموعودة والتي لا تزال في مرحلة تعبئة الاستمارات او يتحضّر لتسليمه الـ ٤٠٠ ألف ليرة التي أقرّها مجلس الوزراء ليسدّ جزءاً من ديونه التي راكمها الحجر المنزلي لمنع انتشار كورونا وحرصاً على سلامته وعائلته وجيرانه.

هذه الطبقه فعلاً لا تستحي لأنها بدلاً من إعادة ما نهبه بعض منها إلى أصحابه فإنها تقاتل باسم أموال المودعين دفاعاً عما اقترفته من إجرام بحق الوطن والشعب على مدى ٣٠ سنة وها هي تحذر من وضع اليد على أموال المودعين الذين صاروا في جيوبها وحسابات أصحاب المصارف بتواطؤ مع المصرف المركزي والعمل جار للبحث عنها وكيفية تأمينها لتنفيذ وعد إعادتها الى أصحابها بانتظار تحديد الموعد، وقد يكون بعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لأنه بات بحكم المؤكد انّ أياً من مكونات الطبقة السياسية او حيتان المال من أصحاب المصارف وكبار التجار الجشعين لن يمدّوا أيديهم إلى جيوبهم وخزائنهم لإعادة القليل مما سرقوه.

انّ الرهان على الطبقة السياسية ساقط منذ زمن بعيد والخوف منها لا يزال قائماً ومشروعاً حتى تثبت العكس، وهذا حتماً لن يحصل لأنّ الفساد والمحاصصة والنهب متأصّل فيها ومن المستحيل اجتثاثه. الرهان يبقى على حكومة «مواجهة التحديات»، والآمال معلقة على جرأتها وقدرتها على الإصلاح وإعادة توجيه البوصلة، رغم أنها لا تزال تجامل وتساير وتسترخي في قضايا وملفات من الضرورة البتّ فيها واتخاذ القرار الحاسم لمصلحة الوطن والناس، ومنها على سبيل المثال لا الحصر الإفراج عن التشكيلات القضائية والتعيينات المالية من دون الرضوخ لمطالب وشروط ومصالح البعض، ووضع حدّ للتلاعب بالدولار ولارتفاع الأسعار والغلاء.

الكلام وحده لا يكفي ولا الوعود لأنّ الأمور تزداد تعقيداً وتفاقماً والهروب الى تجميد الاستحقاقات او تأجيلها ليس في صالح أحد ولا في صالح الحكومة ورئيسها، لانّ اللبنانيين لم يعد لهم من خيارات وبدائل أخرى، خاصة أنّ الحكومة قدّمت نموذجاً لجديتها ولإنجازات حققتها وفي ظروف استثنائية وقاسية كمواجهتها الناجحة لوباء كورونا والتي تبشر بخواتيم سعيدة، وكذلك عمليات إجلاء المغتربين من أماكن تواجدهم مع بعض التحفظات والاعتراضات على أسعار التذاكر التي وضعتها شركة «ميدل إيست» وفاقت امكانيات العديد من المغتربين وخاصة العائلات منهم.

واعتقد أنّ موقف رئيس الحكومة من أموال المودعين لم يكن موفقاً لجهة التعامل مع ١٠ بالمائة من المودعين الكبار واقتطاع جزء من أموالهم لأنّ معظمهم من المغترببن وهو جنى عمرهم وقد جمعوه بالغربة القاسية والمعاناة والتعب والشقاء ويجب استثناءهم من ايّ تدبير أو إجراء لمساعدة الخزينة إلا إذا هم بادروا الى ذلك من تلقاء أنفسهم وهذا هو العهد بهم دائماً.

الأجدى والأوْلى أن تضغط الحكومة على من نهب المال العام والخاص ومن راكم ثرواته من أموال الدولة ومؤسّساتها ومن الشعب باتخاذ قرارات جدية وتنفيذها بقوة القانون لاسترجاع الأموال المختلسة وإلا فإنّ البلد ذاهب حتماً الى المجهول، وخاصة في زمن كورونا المستجدّ الذي لا يعلم احد الى متى يستمرّ وكيف يمكن القضاء عليه وما هو حجم تداعياته التي تؤشر إلى خطر مستطير على كلّ المستويات، وخاصة أننا في زمن التصحّر والجفاف الاقتصادي والمالي الدولي بحيث أنّ الجميع يعاني ومأزوم وليس بإمكانه أن يقدّم المساعدات او القروض الى لبنان وهو أساساً يستغيث ويستنجد بالآخرين لمساعدته.

لا بديل أمام الحكومة سوى اللجوء الى إجراءات موجعة بحق الطبقة السياسية والمالية وأصحاب المصارف وكلّ الذين هرّبوا أموالهم إلى الخارج والذين استفادوا من صناديق الهدر والصفقات والتشبيحات لاسترجاع ما نهبوه ومن الخطأ الفادح والقاتل تدفيع الثمن للمواطن الذي يئنّ من الفقر والجوع والمرض، وعليها عدم الالتفات إلى الوراء او الانشغال بالردّ على الذين يرشقونها ويشكّكون فيها وهم من ورّط البلد وأغرقه بالديون وبانهيار اقتصاده وإفلاسه مالياً وكان شريكاً فاعلاً ومضارباً في الفساد والمحاصصة والنهب، وفعلاً اللي استحوا ماتوا وإذا لم تستح افعل ما شئت، وحذار ان تعيد هذه الحكومة تجارب من سبقها لأنها حكماً ستسقط ولبنان سيدفع الثمن وانّ التاريخ والشعب لا يرحمان من تواطأ وتآمر وانعدمت مسؤوليته.

انّ أموال المودعين ليست الحلقة الأضعف او مكسر عصا بل هي حق لأصحابها محصّنة بالدستور والقانون وبقوة الحق وليس بحق القوة والنفوذ والتسلط، ومن يريد الحلّ فهو في جيب وفي أرصدة وخزائن الذين حكموا البلد منذ عقود وسطوا على أمواله وكلّ صغيرة وكبيرة فيه، ولا حاجة للبحث في مكان آخر لأنه مضيعة للوقت ويذكرنا بقصة الذي أضاع أمواله في مكان ويبحث عنها في مكان آخر، وعندما سُئل لماذا تبحث عنها هنا وليس حيث فقدتهم أجاب لأنّ هناك عتمة وهنا يوجد ضوء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى