أولى

رياض سلامة أيضاً مسؤول…

 بشارة مرهج*

مما لا شك فيه أنّ الأزمة النقديةالمالية في لبنان لم يتسبّب بها طرف واحد وإنما ثلاثة أطراف هي: (1) الطبقة السياسية الحاكمة، (2) الطبقة المالية المصرفية، (3) ميليشيات الحرب وامتداداتها. وقبل نشوب الأزمة الراهنة وتفاقمها كان كلّ شيء متفاهماً عليه بين هذه الأطراف الثلاثة التي تتصارع «بقدر وحساب» بحيث ينتهي كلّ هذا الصراع إلى عقود تتجدّد ومحاصصات تستحضر لتحفظ امتيازات الجميع وثرواتهم دونما أيّ اعتبار لحقوق الخزينة أو الناس.

وبعدما سقط القناع وباتت الخزينة فارغة وبانت الحقيقة عارية سواء لدى الدولة، أو لدى المصارف ومرجعها البنك المركزي، بدأت مرحلة جديدة تفرّق فيها الأصحاب وحاول كلّ منهم رفع مسؤولية التدهور عن نفسه ووضعها على الآخر، فيما المسؤولية تقع عليهم جميعاً.

 ولما سقطت حكومة الرئيس سعد الحريري على خلفية العجز وعلى وقع الانتفاضة الشعبية المباركة المتمرّدة على الصيغة الطائفية والمحاصصة الثلاثية، كان من الطبيعي أن تولد حكومة جديدة مختلفة وملتزمة طرق باب الإصلاح كالتزام لا فكاك منه تجاه اللبنانيين، كما العالم الذي يئس من عرض المساعدات على نظام مكشوف متهالك

حكومة الرئيس حسان دياب التي ولدت من باب الضرورة وجدت أبواب الإصلاح موصدة ومحروسة بالرموز الطائفية فتريثت ووعدت بالدرس، كما وعدت بحماية المال العام والخاص. لكنها مع الأيام وانتشار الكمائن على كلّ مفرق وجدت نفسها غارقة في رمال متحركة لا سيما في المجال المصرفي حيث الودائع السّمان تخرج مختالة والتعاميم العشوائية تصدر منحازة، وكأنّ الدولة مهمّتها حصراً إنقاذ أصحاب الثروات الكبيرة وحماية الحلف الثلاثي الذي تسبّب بخواء الخزينة وجوع الناس الذين فُجعوا مرة أخرى بنتائج جلسة مجلس النواب في الأونيسكو التي حجبت عنهم المساعدة الاجتماعيّة التي اقترحتها الحكومة.

وبدلاً من أن يتجاوب الحاكم مع مطالب الحكومة بتزويدها حسابات المصرف المركزيّ لتبني على الشيء مقتضاه، سواء في إعداد الخطة الاقتصادية، أو في إدارة المفاوضات المالية مع الخارج، راوغ وماطل وزاد الطين بلة عندما توغّل في تعميماته المضطربة وأجبر، دون سند قانوني، شركات تحويل المال على تسليم المستفيدين أموالهم الآتية من الخارج بالعملة اللبنانية متجاوزاً بذلك حق اللبناني وحريته في الاختيار مما طعن، مرة أخرى، النظام الاقتصادي الحرّ في الصميم وزاد الشكّ في الأسواق وجعل الناس يتهافتون لشراء الدولار.

إنّ الناس بعد كلّ الضربات التي تلقتها لم تعد تحتمل استمرار مسيرة الإفقار والإذلال التي أصابتها ونقلتها إلى شفير الانفجار في ظلّ شعارات فارغة أتقنها أقطاب النظام، وتطمينات كاذبة أدمن عليها حاكم مصرف لبنان.

ولعلّ الشعار الأبرز الذي استفزّ الناس ولا يزال هو قول الحاكم أكثر من مرة أنه لن يسمح بإفلاس أيّ مصرف، هذا الشعار الذي أدّى الى تغييب المحاسبة (إلا الأميركية منها) وأدّى إلى فلتان بعض المصارف وسلوكها درب المغامرة والمضاربة وحتى المقامرة بأموال المودعين التي استهتروا بها وبدّدوها، كما فعل بعض رجال السياسة الذين اعتبروا الدولة منصة للسطو وصرف النفوذ.

فعندما يعرف صاحب البنك أنه قادر على الاحتفاظ بالأرباح إذا تحققت، وقادر على تحميل البنك المركزي الخسائر إذا تراكمت فماذا يبقى من النظام المصرفي الذي يقوم على الثقة والائتمان والإدارة المتجرّدة؟! وعندما يعرف السياسي وزيراً أو نائباً أو نافذاً كان أنه ليس معرّضاً للمساءلة والمحاسبة في كلّ عمل يقوم به، وأنّ الحصانة هي خيمة للفساد وليست للرأي الحر فماذا يبقى من النظام البرلماني الحر الذي نبجّله صبحاً ومساءً؟!

لذلك عندما انتقد الرئيس دياب حاكم مصرف لبنان، فإنما كان يحاكي جمهوراً واسعاً من اللبنانيين، وفي مقدّمهم شخصيات دينية وسياسية رفيعة ضاقت ذرعاً بتفلّت الحاكم وطالبت الدولة بملاحقة كلّ من سهًل وتستّر على سرقة أموال العموم.

وما كان ينقص الرئيس دياب حتى تكتمل الصورة هو أن يشمل نقده كلّ من أساء للمال العام وليس السيد سلامة وحده الذي يدرك قبل غيره أنّ من حق الحكومة وواجبها الاطلاع الدقيق على حسابات البنك المركزي وسواه من المؤسسات سواء كانت الميدل إيست أو انترا أو  كازينو لبنان إلخ

أما تصوير الأمر، من قبل البعض، بأنّ كلام الرئيس دياب هو بمثابة بلاغ رقم واحد، فذلك بعيد عن الواقع بدليل أنّ الشارع بطلابه وعماله وسائر مكوّناته أصدر أكثر من بلاغ بمساءلة الحاكم لا بل باستقالته بعد أن ذهب بعيداً في تفرّده وتمرّده.

*نائب ووزير سابق.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى