حديث الجمعة

اختلاف جذريّ..

 

 

تجلس على الأرائك، فتخالجك مشاعر مخملية عن تلك الأيام قبل هذه التي فرضت على الجميع دون استثناء. قلة من تذكّرهم رائحة الليمون بالعسل، وقلة من يشهقون غبطة حين تقع أعينهم على حرف أنيق أو فكر عميق..

قلة من يدركون احتفاء القدر بهم لو وجدوا منفذاً لصف مركبتهم فيما سواهم يلف ويدور.. لا يشعرون إلّا عندما ينفد وقود الحياة، قلة مَن وهب لذة اجترار النعم واستشعارها قبيل ضياعها..

قال توماس هوبس: «أنا على وشك القفز في الظلام ولو كنت أملك العالم في هذه اللحظة، لدفعته لشراء يوم واحد إضافي في الحياة». بعد كل ما استشعرناه من نعمة الحياة علينا قبل أزمة الفايروسات والطفيليات ألا يتوجب علينا أن نغير الكثير من العادات والتقاليد التي كانت لا تضيف سوى الجهد والتبعيات المادية والمعنوية لممارسيها!! فالإنجازات الكبيرة لا تحتاج لأكثر من عادات يوميّة، من سلوك دائم بالتقادم يصبح عادة !!

ينبغي علينا برمجة بعض العادات التي طغت عليها صفة السلبية أكثر من أي صفة أخرى!! وتوسّمت بسمات الإسراف والعبثية أكثر من أي سمة أخرى!!

الإشكالية عند غالبيتنا تحدث بمجرد الاعتقاد أن بعض ما نمارسه من عادات لا يمكنه تصوّر تغيّره أبداً، مدّعين أن مجرد التفكير في عملية التغيير يعد بمثابة انتقاص في قدر فاعله وهنا مكمن النقص والتخلف !!

(قبل جائحة الكورونا) كان اللافت للانتباه هو خاصية التنافسية في من يستطيع أن ينفق أكثر من الآخر، وبالأخص في حفلات الأعراس أو المناسبات الخاصة، مَن يشتري مصاغاً أكثر، مَن يقدّم أطباقاً من اللحم أكثر، من هو المطرب الصاعق الخارق الذي سيحيي حفلة فلان ابن فلان!! كم عياراً نارياً سيطلق في عرس إبن فلان وهل سيُحضر دوشكا أم سيكتفي بالقنابل اليدوية !!

وتذكر هذه القصص في أحاديث الناس لمدة أيام وتنسى حفلته، كما نسيت حفلة من قبله، لتبدأ حفلة أخرى وهكذا دواليك !!

حتّى مناسبات العزاء باتت تشوبها مظاهر البذخ كي ينجو صاحب العزاء من أعين الحضور وألسنتهم. وقد يُضطر أن يستدين متذرعاً أنه لا ينبغي أن يكون عزاء فلان أهم من عزائه، وهو لن ينجو من كلام الناس سواء استدان أم لم يستدن!!

تُرى وبعد كل ما تعرّض له هذا الكوكب من فيروسات وهزات وغيرها من الكوارث الطبيعية والبيولوجية، هل سيغير الإنسان من ممارسته لهذه العادات بشكل يخلو من الإسراف والتقليد الأعمى والمظاهر الزائفة؟؟ ينبغي تحطيم الصناديق التي حشرت بها أدمغة الناس ووعيهم وخيالهم. ولا ننتظر المزيد من الوقت لأن الغد قد لا يأتي.

صباح برجس العلي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى