أولى

إعادة تكليف دياب رئيساً للحكومة هو «الحل»…

 د. جمال زهران*

 

لا شك في أنّ المتابع للشأن اللبناني، سواء ما قبل 4 آب/ أغسطس، وما بعد هذا اليوم المشؤوم، يشعر بغصة في القلب، لأنّ بيروت هي «عاصمة الحرية والنور» في العالم العربي، رغم كلّ مشاكلها وبنائها السياسي والاقتصادي المؤلم والمحبط، لا تستحق ما يجري فيها، وعلى يد أبنائها المتصارعين على النفوذ والقوة والمال والحكم. فقد كان يوم 4 آب/ أغسطس الماضي يوماً كاشفاً لحجم المأساة التي تعيشها لبنان، حيث تمّ تدمير «مرفأ بيروت» عن آخره!!

وبعيداً عن الأسباب، التي تتأرجح بين تدمير نتيجة الإهمال والتخزين لمواد قابلة للانفجار، دخلت الميناء عام 2013 واحتجزت منذ عام 2014، وتسترت عليها حكومات «الميقاتي وسلام والحريري»، من دون اتخاذ أية إجراءات حامية للميناء، بل وتستروا عليها إلى حين، وبين بدء الانفجار بحريق في عنبر  رقم 12 بالميناء، في الوقت نفسه الذي تمّ إطلاق صاروخين بطائرة مسيّرة و»أف 16» – الإسرائيليتين، وسط تصاعد الحريق، وهو الأمر الذي أكدته المخابرات الروسيّة وأذيع وفقاً لما سجلته أقمارها الصناعية، من دون أيّ محاولة للالتفات إلى ذلك أو إضاءة الضوء عليه، وبعيداً عن هذا وذاك، فإنّ التكليف الرئاسي وبموافقة حكومة دياب، على تشكيل لجنة تحقيق، تقدّم تقريرها خلال 4 أيام، انقضت من دون معرفة الحقيقة، وكأن ذلك مستهدف بألا تظهر الحقيقة!

إلا أنّ الجميع فوجئ، بتصاعد للأزمة السياسية في لبنان، خاصة بعد زيارة ماكرون التي لم تستغرق سوى يومين، حيث جاء ليشعل فتيل الأزمة، ويعطي الضوء الأخضر لتحريك الأزمة وإلهاء الشعب اللبناني، عن المتسبّب الحقيقي للانفجار وتدمير بيروت، وإغماض العين عن التحقيق الجدي في الموضوع لإبعاد «إسرائيل» عن المشهد. وقد جاء ماكرون، ليملاً فراغ الولايات المتحدة المنشغلة بالانتخابات الرئاسية والانتشار الواسع لفيروس كورونا، وليمارس عنجهيّته الاستعمارية القديمة.

لقد جاء «الماكرون»، ليعطي الدروس، ويروّج لكشوف اللبنانيين المطالبين بعودة الانتداب الفرنسي، ولا زلت أشك في ذلك، وإلا لنشرت هذه الكشوف البالغ عددها 36 ألف مواطن، وصلت إلى 40 ألفاً، وفي قول آخر وصلت إلى 56 ألفاً، الأمر الذي يقطع بأن ذلك هو من أوراق خلق الأزمة في لبنان. وبالفعل تحرّكت الأزمة في ظل ضبابيّة ما بعد ماكرون ليتحدث الجميع، ويظهروا عضلاتهم السياسية، ما بين برلمان يترأسه أحد الرؤساء الثلاثة (بري)، وما بين رئيس حكومة يحاول أن يتهم البرلمان الذي يريد محاسبته وحكومته على ما حدث في المرفأ، وذلك بإعلان أنّ الحلّ في انتخابات مبكرة للبرلمان، وما بين رئيس الدولة في حيرة من أمره بين قوى سياسية بعضها يتصرّف بانعدام مسؤولية، عن مجريات الأمور. وكان من نتاج هذا التصاعد نتيجة الفتنة السياسية التي جاء ليزرعها «ماكرون»، قيام بعض النواب بالاستقالة، تمهيداً لتفكيك البرلمان، وقيام الحكومة بالاستقالة، وعودة الحديث مرة أخرى عن احتمالات اختيار فلان أو فلان، أو عودة الحريري! مرة أخرى، وهي كارثة كبرى وتعيد عقارب الساعة إلى الوراء! فأغلب الأطراف وبدعم خارجي، تتصارع لهدم المعبد على الجميع، وبيع الوطن بعد تفكيكه، ولعلّ تصريحاتهم تكشف هويتهم، إنما الأخطر أنهم يتوافقون على أنّ في تفجير الأزمة سبيلاً لإخفاء الحقيقة في انفجار مرفأ بيروت وإبعاد احتمال أن تكون «إسرائيل» وأميركا طرفين في الموضوع، وحصره في مجرد إهمال موظفين، وتغطية على أنّ السعودية كانت مموّلاً لهذه الشحنات لتهريبها إلى الإرهابيين في سورية، وتمّ تهريب جزء، وتوقف، بعد أن سيطرت سورية على الميناء الذي كان يتمّ التهريب عبره. كما أنّ في تفجير الأزمة إبعاد المسؤولية عن الكبار، وتلبيسها للصغار من الموظفين، فضلاً عن أنّ في تفجير الأزمة إشارة لضرورة التوقف عن الحديث عن محاربة الطبقة السياسية، أو مواجهة الفساد، وفي هذا الإطار تعقد الصفقات لما هو مقبل، وذلك بعد أن تحرّكت حكومة دياب في الطريق الصحيح.

فلا زالت للأسف، حكومة المصرف الخفية، تعمل في خدمة البنك والصندوق الدوليين، وفي خدمة الاستعمار الأميركي والفرنسي، وفي خدمة طبقة الفساد في لبنان، وبالتالي فإنّ الحديث عن عودة الحريري مرة أخرى، هو حديث لاستمرار الأوضاع القائمة من دون تغيير، وإلى أن يشاء الله!

في تقديري، من يرضى بذلك، لا يحب لبنان، ولا العروبة، لذلك أرى ضرورة إعادة تسمية د. حسان دياب لرئاسة الحكومة، وإعطاءه الحرية في اختيار الكفاءات والشخصيات الشجاعة، حتى لو كانت محسوبة على أية قوى سياسية. فالمهمّ أن تكون شخصيات نزيهة وغير متورّطة في أيّ عمل مشبوه، وغير منخرطة في أعمال ضدّ الوطن، وتتمتع بالكفاءة والوطنية وعلى أن تكون أجندة هذه الحكومة، الاتجاه شرقاً (سورية/ العراق/ إيران/ روسيا/ الصين)، مع محاربة الفساد، من أعلى لأسفل، والسيطرة على المصرف، وتغيير رئيسه، وهو السبيل لإعادة الاعتبار إلى لبنان، المكانة وقبلة الحرية لكل الشعب العربي، وأن يزكي الفواعل السياسية في مقدمتها حزب الله هذا الخيار، بما يحفظ سلاح المقاومة، وهو ملك الشعب العربي كله في مواجهة «إسرائيل»..، وهو ما أكد عليه السيد/ حسن نصر الله في خطابه مساء الجمعة 14 آب/ أغسطس، بتأكيد على أن سلاح المقاومة، هو للدفاع عن وجود لبنان، وأن المقاومة هي الوجود، ويزكي «حكومة وطنية» لخدمة لبنان وشعبها، والله من وراء القصد، وحب هذا البلد العربي الشقيق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العربي الإسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى